قالت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، إن ألمانيا سوف تبقى الملاذ الآمن لأوروبا رغم الأزمة المالية التي تعصف بها، يأتي ذلك في إطار الرد على خفض تصنيف ألمانيا الائتماني من قبل وكالة “موديز” .
لكن سياسة ميركل الاقتصادية تحد من قدرة الدول الأعضاء في الاتحاد على استيراد المنتجات الألمانية . ويعدّ قرار “موديز” بتخفيض التصنيف الائتماني السيادي لألمانيا والنظرة المستقبلية من “مستقر” إلى “سلبي” إنذاراً شديد اللهجة .
ورغم أن هذا التصنيف قد لا يترك آثاراً سلبية على قدرة الحكومة الألمانية على الاقتراض بتكاليف منخفضة، فإنه سيجعل صناع القرار الاقتصادي الألمان يعيدون النظر في سياساتهم . ففي الوقت الذي نجحت فيه بلادهم حتى الآن على الأقل، في تخفيف آثار الأزمة على منطقة اليورو، فإن الاقتصاد الألماني سوف ينزلق الى الأزمة عاجلاً أم آجلاً .
وحتى هذه اللحظة لايزال الألمان يحققون مكاسب من الأزمة، فالمستثمرون الذين لجأوا إلى ألمانيا كملاذ آمن هرباً من سندات الدول المهددة بالأزمة، يحصلون على الفتات من الاستثمار في السندات الألمانية التي وصل العائد عليها إلى مستويات قياسية من الهبوط، ما يعني انعدام تأثير قرار “موديز” على عائدات السندات الألمانية .
أضف إلى ذلك أن السندات الألمانية قصيرة الأجل يتم تداولها منذ أسبوعين بعائد سلبي . وبكلمة أوضح فإن المستثمرين يتلهفون للاستثمار في السندات الألمانية حتى لو اضطروا إلى دفع رسوم عليها .
وممّا يزيد الأمر سوءاً، ونظراً لارتباط العائد على سندات الشركات يبقى مرتبطاً بالعائد على السندات السيادية، فقد تراجع العائد على سندات الشركات إلى مستويات تاريخية، ما يعزز فرص الاستثمار والطلب الداخلي عليها . وبما أن معظم المستثمرين أداروا ظهورهم لمنطقة اليورو المنكوبة مالياً فقد تراجع اليورو أمام الدولار، ما عزز فرص ألمانيا للتصدير خارج منطقة اليورو .
فلماذا تبدي “موديز” شكوكها تجاه الألمان؟
السبب الرئيس يكمن في أن المخاطر التراكمية لمنطقة اليورو تهدد الاقتصاد الألماني . ذلك أن علاقات النظام المصرفي الألماني والقطاع الصناعي مع دول منطقة اليورو شديدة التعقيد . فقبل الأزمة كانت المصارف الألمانية سخية في منح التمويل لتلك الدول خاصة القطاع الخاص فيها . وفي نفس الوقت استخدمت تلك الدول الأموال الألمانية في استيراد السلع من ألمانيا، وهذا ما أعطى الاقتصاد الألماني الحافز القوي الذي كان على شفا الأزمة مطلع الألفية .
ومع تراجع حجم الطلب المحلي كانت المصارف الألمانية سعيدة بمنح قروض للخارج وكذلك الشركات الصناعية التي حلقت مكاسبها إلى مستويات تاريخية . لكن عندما لاحت بوادر الأزمة تركت تلك المصارف تواجه مخاطر إعسار عملائها وتقليص عمليات الإقراض للدول المنكوبة إن لم توقفها كلياً . ومع توقف تلك العمليات تراجع الطلب على منتجات الشركات الصناعية الألمانية التي كانت تنقل 40% من صادرات ألمانيا إلى دول منطقة اليورو . وبدا أن أزمة إسبانيا وإيطاليا واليونان والبرتغال تنعكس سلباً على الصادرات الألمانية .
وبدلا من أن تساعد شركاءها التجاريين بخدمة ديونهم والحفاظ على قدرتهم على الاستيراد، تركت ألمانيا بسياساتها المالية المتشددة بنوكها واقتصادها عرضة للمخاطر الحقيقية . وأصرت أنجيلا ميركل ووزير ماليتها وولفغانغ شوابل على تخفيض الإنفاق الممنهج، ما عمق من آثار الأزمة في تلك الدول وحَدّ من قدرتها على استيراد السلع الألمانية وبالتالي خدمة الدين الألماني .
إلا أن العنصر المستجد في الموقف الحالي هو أن ألمانيا واجهت وضعاً مشابهاً عام 2008 . فقد أدى انفجار فقاعة الرهن العقاري الأمريكي إلى أزمة اقتصادية عالمية . وكان لابد من إنقاذ البنوك الألمانية التي انخرطت في الاستثمارات بالأوعية المسمومة كي لا يؤدي تفاقم أوضاعها الى انهيار الاقتصاد . وقد أدى إنقاذ البنوك وتوفير الحوافز المالية إلى ارتفاع نسبة الدين الحكومي الألماني بشكل كبير .
وبالمقابل لا يمكن اعتبار السياسة الراهنة في ألمانيا ضحية من ضحايا العولمة . بل إنها تؤثر في مستقبل منطقة اليورو بشكل مباشر . وهناك الكثير مما يمكن للألمان أن يفعلوه، فهم قادرون على مساعدة الدول المنكوبة عبر زيادة الإنفاق الحكومي، وتحفيز النمو الألماني بحيث ترتفع نسب الواردات الألمانية من تلك الدول، كما أنهم قادرون على جعل البنك المركزي الأوروبي مصدر تمويل متميز كملاذ أمن .
لكن لسوء الحظ فإن أيا من هذه الخطوات ليست مرجحة، فالعرف السائد في أوساط الساسة الألمان أن الدول المنكوبة أفرطت في الاستثمار في الماضي وعليها أن تتحمل وزر ما اقترفت أيديها . وسوف لن يلقى تحذير “موديز” آذاناً صاغية، ولا بد أن يدفع الاقتصاد الألماني الثمن .
أرقام