الأخبار نُشر

أخطر 4 أزمات أطلقت شرارة الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين

مشكلة الرقائق تتفاقم والصين تتوسع في مطاردة الشركات الأميركية

أخطر 4 أزمات أطلقت شرارة الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين

بينما كانت الأسواق تعول على زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إلى الصين في إعادة العلاقات بين طرفي أكبر الكيانات الاقتصادية عالمياً، لكن يبدو أن مهمتها كانت صعبة وربما شبه مستحيلة في ظل علاقة متصدعة ساءت هذا الأسبوع عندما توسعت الصين في حربها التكنولوجية مع الولايات المتحدة.

وقبل أيام أعلنت الصين فرض قيود على صادرات مادتين استراتيجيتين ضروريتين لصنع أشباه الموصلات، وهما أمران حاسمان للتشغيل الطبيعي للحياة اليومية، ومصدر متزايد للتوتر بين أكبر اقتصادين في العالم.

وفي تصريحات لصحيفة "تشاينا ديلي" الرسمية قال نائب وزير التجارة الصيني السابق وي جيانجو إن "هذه مجرد البداية، وصندوق الصين به كثير من أوراق الضغط".

وفي الوقت نفسه فإن القضايا التي يتعين حلها بين القوى العظمى شائكة ومعقدة، حتى في وقت يبدو أن اقتصاداتها تتحدى الحديث عن الانفصال لتصبح أكثر تشابكاً من أي وقت مضى.

وتأتي زيارة يلين في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي قدراً كبيراً من عدم اليقين، إذ يفقد تعافي الصين بعد جائحة كورونا زخمه، وتحاول أوروبا الانسحاب من الركود بينما لا تزال الولايات المتحدة معرضة لخطر حدوثه.

ومن المتوقع أن يحقق الاقتصاد العالمي مكاسب إذا تمكنت واشنطن وبكين من إصلاح العلاقات، لكن المحللين يقولون إن هذا يبدو غير مرجح.

وتقول مديرة شؤون الشركات الصينية والعلاقات بين الولايات المتحدة والصين في "مجموعة أوراسيا" آنا أشتون إن "العلاقة في أدنى مستوياتها منذ عقود، وتتميز بانعدام ثقة واضح ومتبادل، لكن البلدين لديهما مصالح استراتيجية منحرفة ومتنافسة".

حرب الرقائق تتصدر أكبر 4 أزمات

لكن هناك أربعة أشياء من المحتمل أن تجعل من الصعب على يلين إصلاح العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وشيء واحد يحافظ على استمرار العلاقة وأولها حرب الرقائق، فقد تصاعد الخلاف حول مستقبل أشباه الموصلات خلال الأشهر الأخيرة واجتذب اليابان وأوروبا، ولعبت بكين الورقة الرابحة في وقت سابق من هذا الأسبوع عندما فرضت ضوابط تصدير على مادتي "الغاليوم" و"الجرمانيوم"، وهما أمران مهمان لصناعة الرقائق العالمية والأسلحة.

وكان ينظر إلى هذا على أنه الإجراء الثاني المضاد للصين للحظر الأميركي على مبيعات الرقائق المتقدمة إلى الصين، والذي أعلنته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن العام الماضي. وكانت عقوبات شركة "ميكرون تكنولوجي"، إحدى أكبر شركات تصنيع شرائح الذاكرة في أميركا، خلال مايو (أيار) هي الأولى من نوعها في بكين.

ونقلت صحيفة "تشاينا ديلي" عن وي قوله إن "قرار إعلان القيود اتخذ بعد دراسة متأنية وكان مصمماً ليس فقط لإحداث حال من الذعر في بعض البلدان، ولكن أيضاً لإحداث آلام شديدة فيها".

فيما يعتقد المحللون أن القيود المفروضة على تصدير العناصر الأرضية النادرة، وهي مجموعة من 17 عنصراً تسيطر الصين من أجلها على أكثر من نصف الإمدادات العالمية، قد تكون الطريقة التالية للرد.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي كشفت الحكومة الأميركية عن مجموعة من ضوابط التصدير التي تحظر على الشركات الصينية شراء الرقائق ومعدات تصنيع الرقائق المتقدمة من دون ترخيص، ووفقاً لتقارير إعلامية عدة فسيتم توسيع القيود لتقييد بيع بعض رقائق الذكاء الاصطناعي.

وتضرب العقوبات صميم طموحات بكين التكنولوجية، إذ تعد الرقائق حيوية لكل شيء بدءاً من الهواتف الذكية والسيارات ذاتية القيادة والحوسبة المتقدمة إلى تصنيع الأسلحة، وانتقدت الصين بشدة مثل هذه القيود على صادرات التكنولوجيا وستبذل قصارى جهدها لضمان عدم إعاقة تنميتها.

استمرار مطاردة الشركات الأميركية

أما الأزمة الثانية فتتمثل في أن حملة بكين ضد شركات الاستشارات الغربية وشركات العناية الواجبة أثارت قلق الشركات الأميركية، ففي أبريل (نيسان) الماضي قامت بكين بتحديث قانون مكافحة التجسس الذي وسع قائمة الأنشطة التي يمكن اعتبارها تجسساً، وخلال الأشهر القليلة الماضية شن المسؤولون سلسلة من المداهمات على شركات استشارية، بما في ذلك "كاب فيغن" و"بين آند كومباني" و"مينتز غروب"، واتهمت السلطات الصينية شركة "كاب فيغن"، ومقرها شنغهاي ونيويورك، بالمساعدة في تسريب معلومات عسكرية حساسة إلى القوات الأجنبية.

وقال محللون إن التركيز المعزز للرئيس الصيني شي جينبينغ على الأمن القومي يخلق أخطاراً سياسية تجعل من الصعب على الشركات الأجنبية القيام بأعمال تجارية في الصين، كما أغلقت بعض الصناديق وشركات الأبحاث مكاتبها هناك في أعقاب الإجراءات الصارمة، بما في ذلك "فوتستر ريسيرش" وخطة معاشات المعلمين في أونتاريو.

وخلال وقت سابق من هذا العام كانت إدارة بايدن تدرس قواعد جديدة يمكن أن تحد من الاستثمار في أجزاء رئيسة من اقتصاد الصين من الشركات الأميركية، ففي أبريل الماضي دعت مجموعة من أعضاء الكونغرس الجمهوريين الإدارة الأميركية إلى "استخدام جميع الأدوات المتاحة" لمعاقبة شركات الحوسبة السحابية التي لها روابط مع الصين.

وقامت حكومة الولايات المتحدة منذ فترة طويلة بفحص الاستثمار الأجنبي في البلاد، لكن القواعد التي تنظم الاستثمار الأميركي في الخارج ستكون خطوة جديدة وجزءاً من جهد أوسع يصعّب على الصين تطوير التقنيات الرئيسة التي يمكن أن تدعم جيشها، فيما أدت التوترات الجيوسياسية المتصاعدة إلى وضع كثير من الشركات في موقف صعب، وخلال الشهر الماضي قسمت شركة رأس المال الاستثماري العملاقة "سيكويا" أعمالها في الصين بعد أن جذبت استثماراتها الواسعة هناك انتباه المشرعين الأميركيين.

وقال المسؤولون التنفيذيون في "سيكويا" عبر بيان إنه أصبح "معقداً بشكل متزايد" إدارة أعمال استثمارية عالمية لا مركزية، بينما تكافح "تيك توك" أيضاً لإنقاذ عملياتها في الولايات المتحدة حيث يثير عدد متزايد من المشرعين مخاوف تتعلق بالأمن القومي وعلاقات الشركة بالصين.

إخراج الصين من سلاسل التوريد التكنولوجية

وفي الوقت نفسه، كانت هناك دعوات للولايات المتحدة إلى الانفصال عن الصين، وهو اقتراح غير واقعي بالنظر إلى مدى العلاقات التجارية والاستثمارية الثنائية، ومع ذلك شدد الرئيس الأميركي جو بايدن وحلفاؤه الأوروبيون مراراً وتكراراً على الرغبة في "التخلص من أخطار علاقاتهم بالاقتصاد الصيني"، لأسباب ليس أقلها الدروس المستفادة منذ أن أعلنت روسيا الحرب على أوكرانيا العام الماضي وبخاصة في ما يتعلق بالاعتماد على روسيا في الطاقة والسلع الأخرى.

وأثارت الحرب في أوكرانيا مخاوف حول تايوان التي هددت الصين بغزوها، كما أدت المخاوف إلى جهود منسقة لإخراج الصين من سلاسل التوريد التكنولوجية التي يمكن استخدامها لتعزيز قوتها العسكرية، وقد قوبل ذلك بمعارضة قوية من بكين.

وفي تصريحات الشهر الماضي، قال رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إن "بعض الناس في الغرب يبالغون في ما يسمى بمفاهيم تقليل التبعية وتقليل الأخطار، وأود أن أقول إن هذه المفاهيم افتراضات خاطئة"، داعياً إلى اتخاذ قرارات "التخلص من الأخطار من قبل الشركات وليس الحكومات"، ومضيفاً أن "العولمة الاقتصادية لم تتغير وينبغي أن يكون هناك مزيد من التعاون والاتصالات".

فيما أكد الرئيس الصيني في تصريحات حديثة أن بكين تعارض "الفصل"، وخاطب قادة "منظمة شنغهاي للتعاون" قائلاً إن الصين تريد العمل مع الدول "لرفض تحركات إقامة الحواجز وفك الارتباط وكسر الروابط".

التجارة تسير بقوة

وعلى رغم التوتر القائم بين واشنطن وبكين يظل المستهلكون والشركات في الاقتصادين على اتصال عميق، إذ تعد الصين من بين أكبر اثنين من حاملي ديون الولايات المتحدة، ولا تزال الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري منفرد للصين.

وخلال العام الماضي، قفزت تجارة السلع بين الاقتصادين إلى ما يقارب 691 مليار دولار محطمة الرقم القياسي السابق المسجل، عام 2018، وفقاً لبيانات وزارة التجارة الأميركية.

وزاد العجز الأميركي في السلع المتداولة مع الصين بنسبة ثمانية في المئة إلى 382.9 مليار دولار، وهو أيضاً أكبر عجز على الإطلاق.

ويقول كبير المحاضرين في كلية إدارة الأعمال بجامعة سنغافورة الوطنية أليكس كابري إن "التجارة بين القوتين العظميين منقسمة وهي مفارقة، فحتى مع انفصال سلاسل التوريد الاستراتيجية تضاعف الشركات متعددة الجنسيات في مجالات أخرى عملياتها في الصين من أجل الصين".

وتقول "مجموعة أوراسيا" إن "سوق الصين تظل ذات أهمية حاسمة للقدرة التنافسية العالمية لكثير من الشركات الأميركية، والحجم الهائل للسوق لا مثيل له"، لكنها حذرت من أن الشركات والمستهلكين لم يروا بعد الآثار الكاملة للعقوبات التي فرضها الجانبان، ومن المؤكد أن مزيداً من هذه الإجراءات آتية.

وأضافت "كلا الجانبين يصعّدان القيود التجارية باسم الأمن القومي والمصالح الوطنية، وإذا استمر الاتجاه في الظهور فقد يهدد بالفعل قدرة البلدين على الحفاظ على مشاركة اقتصادية قوية حتى عندما تبدو السلع والخدمات المعنية عادية وحميدة".

المصدر- اندبندنت عربية


 

مواضيع ذات صلة :