جدل وتحقيقات نُشر

مساجين على ذمة الشيكات المرتدة.. احتيال أم إعسار؟؟

تزايدت خلال السنوات الأخيرة أعداد المساجين بسبب الحق الخاص وبصورة خاصة محرري الشيكات أو ما يعرف باسم (يبقى إلى حين السداد) عملاً بنص مواد قانون الإجراءات المدنية ونصها متى كان الحكم متعلقاً بالوفاء بدين أو يقضي بسداد مال فيجب القبض على المدين وحبسه حتى الوفاء بدينه، والشخص الذي يحدد بقاءه في السجن أو خروجه هو الدائن وليس القاضي كما في القضايا الجنائية.. ومن الملاحظ أن أغلب الأسر اليمنية لها شخص داخل السجون، فهناك من يسارع ذووه إلى دفع ما عليه لكي يخرج، وهناك من يبقى إلى حين السداد وتطول به المدة، والبعض يسلم روحه للخالق قبل تسليم الدين.

هذه الحالات وغيرها تفتح الباب أمام أسئلة كبيرة لمعرفة الأسباب التي أدت إلى تزايد ظاهرة اكتظاظ السجون بأصحاب الشيكات المرتدة وبدون أرصدة؟ وما هي الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الظاهرة؟ ومن ناحية القاعدة القائلة (يبقى صاحب الشيكات المرتدة إلى حين السداد) هل هي منصفة للشاكي والمشتكي؟ 


في الحلقة الأولى من هذا الملف سوف نترك المجال لأصحاب القضية كي يحددوا لنا الأسباب التي جعلتهم يحررون الشيكات دون أن يكون لديهم رصيد، ومعرفة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي ترتبت على دخولهم السجون، حيث اختلفت الأسباب ولكن النتيجة كانت واحدة - سواء كانوا نساءً أو رجالاً.

ورأينا في هذه الحلقة الأولى من هذا الملف أيضا أن نبرز الرأي القانوني والاقتصادي في هذه القضية التي أصبحت حديث الناس، فأما الدائن فإنه يشتكي لأهل المدين ويصف محرر الشيك بأنه محتال، أو تجد بعض الأسر تسارع لاحتواء الدائن لتصل معه إلى تسوية، وفي كلا الحالتين لا يزال محرر الشيك خلف القضبان.. ويبقى إلى حين السداد.

السداد أو الحبس!

من ناحية القانون اليمني فقد أولى الشيكات المرتجعة عناية خاصة وجعل ارتجاعها جريمة يعاقب عليها القانون، يقول المحامي مختار العريقي: «إن ارتداد الشيك فيه احتيال، لأن صاحب الشيك على علم بأنه ليس لديه رصيد، وفي هذه الحالة من الممكن أن يرفع الدائن دعوة جنائية ضد صاحب الشيك، متهماً إياه بالاحتيال، كما أن له الحق في رفع الدعوى المدنية بأن ذلك الشخص ليس لديه رصيد، وأنه متمسك بنقوده ولكن غالباً ما يلجأ الناس للمحاكم الجنائية، لأنها تصدر أمراً بالقبض على صاحب الشيك ووضعه في السجن، والإجراء هنا إما أن تدفع ما عليك أو توضع في الحبس إلى حين السداد، ولو ذهب بالطريق المدني فهي ذات الإجراءات والمحكمة تخير المدين بين أن يدفع أو يتم حبسه إلى حين السداد، والإجراءات المدنية هي نفسها الإجراءات الجنائية، إلا أن الفرق بينها أن الإجراءات الجنائية تبدأ بالقبض والسجن.

وحول صاحب الشيكات المرتدة يبقى لحين السداد فيقول: «لقد اختلف فيها الفقهاء، فمنهم من يقول يبقى إلى حين السداد، ورأي آخر يقول لا يبقى إلى حين السداد، بل يعمل لكي يسدد.. ورأي ثالث يقول يبقى إلى حين ميسرة، ونحن نعمل بأسوأ الآراء وهي يبقى إلى حين السداد، المشرّع فتح باباً رابعاً وهو يبقى الشخص في السجن ويقدم طلباً بأنه معسر، وبالتالي يأتي بشهود عدل  ليؤكد بأنه كذلك، وهنا يقال للدائن بأن المدين لا يفيد بقاؤه في السجن، ومن المفترض أن يراقب إذا جاءته أموال.. وهنا يخرج المدين من السجن بالإعسار ويضيع صاحب الشيك.

الأستاذ أمين السفياني قال إن مواد القانون تتحدث عن جريمة إعطاء صك مردود، والمبلغ الموجود منه لابد أن يكون واحداً من اثنين، إما بمقابل، والمقابل لابد أن يكون حقيقياً وشرعياً، أو وفاء بالالتزام.. والفرق بسيط، والمادة في باب الاحتيال، لأن أصل الشيك عبارة عن مبلغ ومن المفترض عند الأجل أن يسلم، والذي يكتب الشيك يعلم أنه لا يملك المبلغ ويستعمل الشيك وسيلة لإظهار خلاف الحقيقة، وبناءً على هذا تحصل منفعة، والمادة تقول إن مرتكب جريمة الاحتيال من يتوصل بسوء قصد إلى خداع شخص بأي وجه ويحقق بذلك كسباً غير مشروع لنفسه أو لغيره أو يسبب بذلك للشخص أو لغيره خسارة غير مشروعة، ومن يرتكب جريمة الاحتيال يعاقب بالسجن مدة يحددها القانون، أو الغرامة، أو العقوبتين معاً.

ومن يرتكب للمرة الثانية جريمة الاحتيال يعاقب بالسجن، إلا أنه لا تجوز معاقبته بالغرامة.

ومن تعريف الاحتيال يكون بارتداد الشيك قد توفرت جريمة الاحتيال، والشيك يكون محل بلاغ.. والنيابة إذا تأكدت من البنك أنه لا يملك الرصيد الذي يوضح عدم صرف الشيك وفي بعض المرات من الممكن أن يكون لديه نقود توفي الشيك، إلا أنه يكتب الشيك خطأ حتى لا يستطيع الدائن صرفه من البنك، والعقوبة هنا السجن والغرامة أو الاثنان معاً، ويوجد تفويض للمحكمة يحكم على صاحب المبلغ، والغرامة يتم تنفيذها عن طريق المحاكم المدنية لكن المحكمة الجنائية لها سلطة تقوم بتنفيذ إما أن تكون لديه منقولات في حدود المبلغ، أو يتم الحجز على العقار، وهذا يتم بناء على طلب صاحب المبلغ أن يدخل السجن إلى حين السداد، وصاحب المبلغ هو الذي يملك إخراج المدين من السجن.. ويوجد ما يعرف بالإعسار، وهذا يكون بعد شهور من السجن، ويمكن أن يطلب من المحكمة إثبات إعساره، والمحكمة تثبت ذلك وتخرجه من السجن إلى حين  ميسرة.

وفي بعض الأحيان ترفض المحاكم الإعسار، وفي هذه الحالة يظل إلى حين السداد.

من الصعب وضع حلول لقانون يبقى إلى حين السداد، لذا لابد أن يستمر بشكله الحالي، والقانون الموجود يجب أن يكون فيه تشديد في العقوبة لعدم المراقبة في كتابة الشيك، بحيث إنه إذا كتب الشيك تكون العقوبة شديدة، وهذا هو الحل للحد من ظاهرة  الشيكات المرتدة، لأن المادة خصصت لتضمن للدائن حقه، فمن الممكن أن يقتل المدين الدائن، فالقانون ليست فيه سلبيات لكن السلبية في الذين يتحايلون عليه.

الآثار الاقتصادية

ولمعرفة الآثار الاقتصادية المترتبة على ظاهرة الشيكات المرتدة وأثرها على الاقتصاد القومي، قال إن الشيكات المرتدة جريمة ولكن لا توجد أحكام محددة لها، لذا يبقون إلى حين السداد، ومن ناحية اقتصادية فهي كارثة كبيرة والمتضررون في المرتبة الأولى هم - الدائنون-  أصحاب الأموال، لأن هذه الشيكات أغلبها لصالح البنوك نظير عمليات تمويل، وغالباً في عمليات التسديد الضمانات للبنوك تكون غير كافية أو على أصول قيمتها لا تعادل القروض، وكثير من البنوك تواجه صعوبة في السيولة والأزمة تكون من عدم السداد، وأصبح أغلب الناس تتحايل على البنوك بأن تأتي بشخص يمكن أن يدخل السجن بدلاً عن المدين الأصلي، ويتعهد صاحب الدين بإعاشة أسرته البسيطة، وهذه العملية تسمى في البنوك باسم الجوكية. وهذا أدى إلى انهيار بنوك واضطرت الحكومة لدعم بعض البنوك، بجانب دفع ضرائب لمؤسسات حكومية كجزء أساسي في ميزانيات الدولة، وكل الجهات الحكومية التي تتعامل مع الجمهور تتأثر بذلك، وأثر الشيكات على الاقتصاد تراكمي. هذا الموضوع يخص الاقتراض من البنوك..والسداد بالتقسيط عبر الشيكات....

(يتبع في العدد القادم)



صحيفة مال وأعمال العدد (94)


 

مواضيع ذات صلة :