جدل وتحقيقات نُشر

عمّـال اليمن.. بين مرارتي القهر والحرمان

لم يكن أحمد عبد الولي مارش، 35 عاما، يتوقّع أن تستغرق قضيته المنظورة أمام إحدى اللجان التحكيمية الخاصة بمنازعات العمّال بأمانة العاصمة كل هذه المُدّة، والتي تجاوزت ثلاث سنوات إلى اليوم ولم تُحسم.

وأن ذلك سيُسبب له انعكاسات سلبية نفسيا وصحيا جراء المتابعة، وتكبّد الخسائر المالية، والشعور بالإحباط والقهر.

يقول أحمد مارش, أحد مواطني محافظة تعز ويعمل حاليا في محل لبيع الملابس، وهو خريج جامعي - قسم محاسبة، منذ ثلاث سنوات: "منذ ثلاثة أعوام وأنا أتابع في اللجنة التحكيمية لجنوب الأمانة ومحافظة صنعاء في قطاع العمل بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إجراءات قضيّتي المرفوعة على المدّعى عليها (مؤسسة مام العالمية) بشأن حقوق ضمنها لي قانون العمل؛ كوني عملت لدى المؤسسة ما يقارب 13 عاما وتم الاستغناء عنّي دون أن أحصل على حقوقي, إلا أنني، وإلى اليوم لم أتمكّن من تحقيق ذلك بسبب مُماطلة اللجنة التحكيمية، والتي أعتبرها متعمّدة", حيث ترأسها أكثر من ثلاثة قُضاة منذ أن رفعت قضيتي، ولكنهم لم يحسموها, بالرغم أنني شرحت قضيّتي مؤخرا في شكوى إلى معالي وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، لكن ذلك لم يشفع لي".

حقوق العمال في الهامش

وأشار مارش لـ"السياسية" -والذي التقيناه في قطاع العمل أمام إحدى اللجان التحكيمية، ونحن نعد هذا الموضوع بالتزامن مع اليوم العالمي للعمال 1 مايو- إلى أن تلك الإجراءات تُؤكّد أن قضايا وحقوق العمّال في الهامش, ولا أحد يعيرها أي اهتمام, موضحا أن ما لاحظه طوال متابعته للقضية هو أن الإجراءات المتّخذة من قبل اللجان التحكيمية ضد المدّعى عليها أو ضد التجار بشكل عام ضعيفة، وليس لدى تلك اللجان أي سلطات قوية، كما هو حال القضاء المدني أو الجزائي.

لافتا إلى أن اللجنة حررت أكثر من مُذكّرة إلى أحد أقسام الشرطة لإحضار المدّعى عليها، ولكن تم التعامل معها ببرود، ولم تُؤخذ في الاعتبار من قبل القسم, وكذلك مُذكّرة لأحد البنوك بهدف الحجز أو التحفّظ على أرصدة المدّعى عليها، لكنه لم يستجب، أو أنه رفض الإجراء؛ كون اللجنة التحكيمية ليست محكمة، ومن السهل رفض أوامرها.

وطالب مارش بسرعة البت في القضايا بما فيها قضيته، وإنشاء محكمة نوعية متخصصة بقضايا العمّال, وناشد وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل بالتدخّل لمعالجة مشاكل العمّال المنظورة أمام اللجان التحكيمية في مختلف محافظات الجمهورية.

رفض التوقيع عليه!

رياض غالب المحمّدي أحد العمال الذين التقيناهم في مكتب العمل, ولديه قضيّة مع البنك الإسلامي اليمني، والتي أثبت قرار اللجنة التحكيمية الابتدائية لشمال الأمانة أنه تعرّض للطرد التعسفي من قبل البنك -حد قوله- هو ومجموعة من زملائه, وبحسب مُذكّرة البنك للمحمّدي -حصلت "السياسية" على نسخة منها- فقد أشارت إلى أنه استنادا إلى نصوص قانون العمل في المواد 26/ج, 38/1، نبلغكم بموجب هذا بانتهاء العلاقة التعاقدية بالعمل بالبنك اعتبارا من تاريخ 31 مايو 2009، وذلك لما استوجبته سياسة البنك بضرورة تخفيض عدد الموظفين ضمن سياسة تخفيض النفقات؛ نظرا لأسباب اقتصادية فرضها ظرف البنك والأزمة المالية العالمية.

وأوضح المحمّدي أن قرار اللجنة التحكيمية أكّد صحّة تعرّضهم للفضل التعسفي، وليس بسبب الأزمة المالية وضمن لهم حقهم بالمستحقات كاملة, وبالرغم من ذلك، وبإشادته باللجنة التحكيمية لشمال الأمانة على جهودها وإنصافهم، إلا أن القرار لا زال مُعرقلا بتوقيع عضو اللجنة ممثل أصحاب العمل منذ شهرين, بسبب أن المذكور قدّم استقالته لخلاف دار بينه وبين أصحاب العمل والغرفة التجارية -حد قوله. ولفت المحمدي إلى أن القرار صدر قبل أن يقدّم ممثل أصحاب العمل استقالته، وبموافقته، لكنه رفض أخيرا التوقيع عليه!

استغلال وغياب القانون

قصص كثيرة مشابهة سمعناها أثناء تجوالنا في قطاع العمل ممّن حالفهم الحظ، وتمكّنوا من رفع دعاوى ضد أرباب العمل وخارجه، حيث تقبع الغالبية العُظمى من العمّال ممن لم تتجرأ برفع دعاوى؛ لعدم ثقتهم بالجهات الرسمية في تحقيق حقهم ومحاسبة أرباب العمل، وهو ما أكده كثير من العمّال, تخفي كثيرا من المُعاناة والألم الذي يعيشه العمّال في اليمن, تتجسد أبرز صُورها ومظاهرها في مختلف قطاعات العمل سواء الخاص (المنظم وغير المنظم) أو العام -إلا ما ندر- والتي باتت تُشكّل خطرا يهدد حاضر ومستقبل العمّال نتيجة لحرمانهم من أبسط حقوقهم ومطالبهم العُمّالية التي تقع بين مطرقة الجهل وغياب الوعي القانوني وأهمية عقود العمل والتأمين الصحي والاجتماعي, واستغلال أرباب العمل, وسندان الغياب الواضح لدور الجهات ذات العلاقة في تطبيق القوانين النافذة ومحاسبة المخالفين.

منذ خمس سنوات!

من جانبها تقول المحامية نبيلة محمد المفتي، التي تترافع أمام اللجنة التحكيمية لجنوب الأمانة ومحافظة صنعاء بشأن حقوق ومستحقات أحد العمّال لدى الشركة اليمنية - الكويتية العقارية: "قضية موكلي منظورة منذ خمس سنوات, نظرت أولا أمام اللجنة السابقة التي كانت تنظر في قضايا شمال وجنوب الأمانة ولفترة طويلة, وعندما تم تغيير اللجنة، وتشكيل لجنتين منفصلتين, اختفى ملف القضيّة، ولم يكن لدى اللجنة الحالية نسخة منه, فاضطررنا إلى تقديم صور من الملف، وطلب استكمال مناقشتها, وبعد فترة ظهر الملف وإلى الآن لا زالت القضيّة منظورة، ولم يصدر فيها حكم حتى يومنا هذا".

وأشارت المفتي إلى أنه يفترض أن تعمل اللجان التحكيمية وفقا لقانون العمل وينظم إجراءاتها قانون المُرافعات, وأن الإشكالية القائمة هي أن تشكيل أعضاء اللجان يتم من عدّة أطراف - وللأسف- لا يكتمل حضورهم جميعا أثناء الجلسات لحل النزاعات العمالية, "أعمل محامية منذ 18 عاما، وحضرت عدة جلسات لهذه اللجان ولم أجد يوما أن أعضاء اللجنة حاضرون جميعا, دائما ما يتغيّب شخص أو شخصان".

يجب أن تعالج

وترى المفتي أنه نتيجة لذلك تمّت مخالفة النص القانوني في مهام وإجراءات تلك اللجان، وبروز إشكالية عرقلة صدور الأحكام, وتقترح لمعالجة ذلك إما تعديل النص القانوني بحيث يكون المحكم في اللجنة التحكيمية فردا واحدا, أو إيجاد آلية منظمة لكيفية تواجد أعضاء اللجنة جميعا مع توفير مواردها وإمكانياتها وكيفيتها وتحديد مهامها وعمل الكتبة، وكافة الإجراءات اللازمة, ولا يمنع مشاركة القطاع الخاص في التمويل, لافتتا إلى أن القضايا العمالية مستمرة ويشترط الاستعجال في إنجازها كما هو وارد في القانون, وأن ذلك لن يتحقق ما لم تتوفّر الإمكانيات للجان.

وفيما يتعلق بمعالجة الوضع الراهن، أكدت المفتي إمكانية إنشاء محكمة عمالية متخصصة مثلها مثل المحاكم التجارية, وزادت: "وإذا لا زلنا مصرين على فكرة اللجان التحكيمية بدلا من المحاكم، كونها أسهل وأسرع في تسيير القضايا العمالية -وهو الهدف الذي أنشأت من أجله- بالرغم أنها لم تكن كذلك ولا زالت تعاني نفس إشكاليات المحاكم, إلا أنني أرى أنه يجب على الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية ووزارتي الصناعة والتجارة والعمل والاتحاد العام لنقابات عمّال اليمن أن يضعوا آلية حقيقية لعمل اللجان، وتنفيذ الأحكام لتحقيق هدف إنشائها".

وأوضحت أن القضايا العُمالية -في كلا الحالتين- تتطلب قضاء متخصصين في هذا الجانب، وأن يكون القُضاة على علم بأحوال العمّال وأوضاعهم والأحوال التجارية ومنشآت أرباب العمل وكيفية استغلال العمّال وغيرها, ونوهت إلى أن تلك الإشكاليات دائما ما يغفلها القُضاة؛ كونهم غير مختلطين بها, وأنها إشكالية يجب أن تُعالج.

نفى وجود مماطلات

من جانبه، نفى وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لقطاع علاقات العمل، علي محمد أحمد، وجود أي مُماطلات في ظل عمل اللجان التحكيمية الجديدة, موضحا أن اللجنة التحكيمية الحالية لشمال أمانة العاصمة أنجزت أكثر من 160 قضيّة عُمّالية خلال الشهرين الماضيين, وأنه ينبغي التحقق من كل ما يُقال حول هذا الجانب، سواء من هذا الطرف أو ذاك.

موضحا أن اللجان التحكيمية القائمة حاليا وصلت إلى تسع لجان، بعد أن كانت لجنة واحدة في أمانة العاصمة؛ وأصبحت لجنتان: لجنة لشمال الأمانة وأخرى لجنوب الأمانة ومحافظة صنعاء, وبقية اللجان في محافظات ومناطق: تعز, الحديدة, عدن, المكلا, سيئون, إب, وأنها تقوم بأعمالها على أكمل وجه, وأي لجنة تُماطل أو تُعرقل صدور الأحكام، وتم التأكد من ذلك سواء بشكوى أم بغيرها، يتم استبدالها مباشرة, وأن الأعضاء العاملين فيها ملمون بالقانون وقضايا العمل، ومن خريجي الشريعة والقانون.

وأضاف: "قضايا العمل معقّدة وشائكة؛ كونها قضايا حقوقية ينظمها القانون الذي لا يستوعبه الجميع، وغير مطّلعين عليه، بمن فيهم عمّال لهم حقوق ولا يتابعونها, وآخرون يمارس عليهم ظلم ونحن لا أحد يفهم، ولا يشتكون, ولهذا نحسم القضايا التي تصلنا بقدر ما نستطيع، ونحكم فيها بشكل سريع جدا, وفيما يتعلق بالعامل أحمد مارش أو غيره سيتم معالجته معالجة قانونية".

استبداله بسبب تماطله

واعترف المسؤول الحكومي بوجود إشكالية قانونية في عمل اللجان، وقال: "إما أن تكون محكمة أو لجنة وتضبط, والمشكلة حاليا أن اللجان تُشكّل من قبل ثلاثة أطراف: عضو من كل طرف (وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل, والاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية, والاتحاد العام لنقابات عمال اليمن), ويصدر بعد الترشيح وزير الشؤون الاجتماعية والعمل قرارا بذلك بموجب قانون العمل, وللأسف العضوان التابعان للطرفين الأخيرين متطوّعين، ولا يتم ضبطهم من قبل القائمين عليهم, ولا سلطة لنا عليهم، ولا نستطيع إلزامهم بالحضور الجماعي، سوى استبدالهم في حال مُماطلتهم أو عرقلتهم للقضايا, وحاليا طلبنا من الاتحاد العام للغرف التجارية استبدال ممثلهم في اللجنة التحكيمية بجنوب الأمانة بسبب تماطله في توقيع عدّة أحكام".

مؤكدا عدم وجود الإمكانيات اللازمة للجان، وأن ما يتواجد لديها حاليا بسيط جدا, حيث بلغ 2 مليون ريال, وأن الإشكالية القائمة بالرغم من شحة المبلغ هي صعوبة استخراجه من وزارة المالية، حيث يتم عرقلة ذلك, بدليل أنه تم ترحيل مبلغ الجزء الثاني من العام الماضي، ولم يسلّم للجنتين حتى اليوم.

572 قضية متلاعب فيها

وفيما يتعلق بعدد القضايا التي أنجزتها اللجان خلال العام الماضي، أكد الوكيل إشكالية الجانب الإحصائي لديهم بسبب وجود 572 قضية كان فيها تلاعب (مُماطلة وتأخير وعدم تنفيذ أحكام وأحكام وقّعت ولم تنفّذ) من قبل لجنة جنوب الأمانة السابقة، والتي تم استبدالها بلجنة أخرى سرّعت في التنفيذ إلا أن ذلك أدى إلى استنفار بعض أصحاب الأعمال؛ كونها حجزت عليهم أموالا وممتلكات بهدف إعطاء العمّال حقوقهم وفقا للقانون.

مبينا أن أيا من طرفي النزاع ممّن تُصدر بحقهم أحكام من قبل اللجان في حال شعر أنه ظُلم عليه الاستئناف لدى محكمة الاستئناف التابعة لوزارة العدل، كما هو منصوص في القانون. وفي الوقت ذاته، أشار إلى "أن جميع الأحكام التي رفعت من اللجان لم يتم الطعن في أي منها حتى الآن وجميعها تمت الموافقة عليه في محكمة الاستئناف, وهو ما يدل أن القُضاة جيدون".

ويضيف أحمد: "صحيح أن إنشاء اللجان التحكيمية كان بهدف التسهيل والتسريع في حل النزاعات العمالية، وقد تم الجلوس مع وزير العدل ومناقشته حول هذه الإشكالية، وأن قضايا العمّال معلقة وتتأخر، وغيرها بهدف معالجتها بشكل قانوني, وأن تُشكّل محاكم عمّالية كالمحاكم التجارية, كوننا حاليا نقوم بعمل القضاء, حكم اللجنة التحكيمية يعتبر حكم محكمة ابتدائية، ولا توجد لدينا إمكانيات, وأبدى الوزير استعداده في التعاون بحل مشاكل العمّال، وطلب منّا تصوّرات للمُعالجة، وهو ما نعده حاليا لمعالجة هذه القضية".

سنُعين شخصا آخر!

وفيما يتعلق بانحياز ممثلي الاتحاد العام لنقابات عمّال اليمن في اللجان التحكيمية للعمّال، أثناء حل النزاعات، نفى رئيس الاتحاد العام لنقابات عمّال اليمن محمد الجدري صحة ذلك؛ كون اللجان قضائية والقضاء مستقل, وأن ممثل العمّال بحكم القانون لا يمكن أن ينحاز لا إلى العامل ولا إلى رأيه الشخصي، إلا في حدود ما خوّله القانون، بحيث تكون الأحكام الصادرة مقبولة أمام وزارة العدل والجهات الأخرى, معترفا بأنهم كاتحاد عام للعمّال يتحيزون إلى العمّال سواء في عمل نقابي أم في غيره, وأنهم يكلّفون أشخاصا بالتنسيق مع نقابة المحامين اليمنيين لدعم العمّال ممّن لديهم قضايا أمام اللجان التحكيمية.

مبينا أن مُمثل الاتحاد العام لنقابات عمّال اليمن في اللجنة التحكيمية بالأمانة تم اختياره؛ كونه عضو مكتب تنفيذي وأمين دائرة الشؤون القانونية وخريج شريعة وقانون, وأن مسألة التغيّب عن حضور جلسات اللجان إذا ثبتت وأبلغنا بذلك من قبل وزارة العمل، فلا شك أننا سنعين شخصا آخر بديلا عنه.

طالب بقانون يحميهم..

وفيما يتعلق بدور الاتحاد العام في قضيّة العمّال في القطاع غير المنظّم، أكد الجدري أن الاتحاد العام عقد خلال الفترة السابقة ورش عمل وحشد رأيا عاما كاملا للالتفات إلى قضيّة هؤلاء؛ كونهم شريحة هامة من العمّال, موضحا أن الاتحاد يجدد مطالبته باستيعابهم في قانون يحدد مهامهم وحمايتهم، خاصة حقوقهم التأمينية. وأضاف: "نكرر -كما وجهنا سابقا- استيعابهم داخل النقابات المتشابهة، فالذي يعمل في مجال الكهرباء ينظم إلى نقابة الكهرباء، والسائقون إلى نقابة السائقين، وهكذا. أما العاملون بالأجر اليومي ندعوهم إلى أن يشكّلوا تنظيما نقابيا، وسندعمهم ونرعاهم، وندافع عن حقوقهم".

وأضاف: "وبدأ الاتحاد حاليا بتشكيل مُنظمات نقابية للعاملين في القطاع غير المنظّم، وكذا العاملين بالأجر اليومي, ونحن الآن في طور تكليف إدارة من الاتحاد العام لإجراء مسح كامل بعموم محافظات الجمهورية لمعرفة حجم هذه الشريحة ودراسة قضاياها بما فيها مسألة عقود العمل والتأمين لوضع الحلول المناسبة".

كفالة الحقوق!

في المقابل, يؤكد عدد من رجال القانون جهل المجتمع اليمني والعمّال بحقوقهم القانونية, خاصة العاملين في القطاع غير المنظّم, والذين هم أكثر الشرائح استغلالا لحقوقهم من قبل أرباب العمل, معتبرين أن القانون لم يهمل هذه الشريحة, وأن العامل إذا تقدّم وأثبت حقوقه بأن عمله لفترة من الزمن لدى أحد أرباب العمل حتى وإن كان لا يملك عقد عمل -بالرغم أن العقد شريعة المتعاقدين- فالقانون هنا يضمن بطريقة توضيحية سلسة للجهة المختصة أو المحكمة بتحقيق الحق المهضوم وتقريره، والدليل على ذلك أن هناك قضايا منظورة أمام اللجان التحكيمية, والتي تنظر في كثير من القضايا خاصة بالعمّال الذين لا يوجد لديهم عقود عمل, موضحين أهميّة كيفية كفالة الحقوق بأي وسيلة سواء بعقد عمل أم باتفاق شفهي أمام شهود أم بكشف راتب أم بأوراق أم بأي شيء آخر.

مشروع العمل اللائق!

من جهته، أكد وكيل علاقات العمل بوزارة العمل صحة ما يقال إن ما يصل إلى اللجان التحكيمية من قضايا العمّال ليست إلا جزءا يسير، بينما لا يتقدّم الغالبية لطرح مشاكلهم, وأوضح أن هذا الموضوع بحاجة إلى رفع وعي العمّال وأصحاب العمل وكل الجهات التي تتعامل معهم بما فيها النقابات، والتي لا تستوعب قضايا العمل وحقوق وواجبات العمال.

وأضاف: "لدينا حاليا مشروع العمل اللائق المدعوم من منظمة العمل الدولية، ونأمل فيه خيرا برفع القدرات والقيام ببرامج تطوير الوعي العمّالي، وقد تم في ديسمبر الماضي تدشين أول دورة تدريبية في تفتيش العمل، وقريبا سننفّذ الدورة الثانية حول هذا الموضوع، وسيحضرها جميع الأطراف (العمال, أصحاب العمل, والحكومة) لمناقشة ماهية الواجبات والحقوق والإطلاع على كافة القضايا الدولية واتفاقيات العمل العربية والدولية وقانون العمل، وبموجبهم يتم نقلها للعمال كلا من موقع عمله, ونحاول اختيار الأشخاص الذين لديهم القُدرة على التأثير في مواقع العمل, وكذلك لدينا برنامجان آخران ضمن هذا المشروع (مكافحة عمل الأطفال والتشغيل) , خصوصا وأننا أنجزنا الإستراتيجية الوطنية للتشغيل, ولكن هذه القضية (قضية التشغيل) صعبة ومعقّدة، فكثير من الجهات تعمل في التشغيل, ونعاني من وجود مؤسسة وطنية مركزية للتشغيل تهتم بوضع السياسات وتطبيقها في هذا المجال، وكذا الإحصاءات".

مؤسسة وطنية للتشغيل

وأشار الوكيل إلى أن وزارة العمل قدّمت تصورا إلى مجلس الوزراء لإنشاء مؤسسة وطنية للتشغيل تشترك فيها جميع الجهات المعنية حاليا بالتشغيل أسوة بتجارب البلدان الأخرى, وهي ضمن مشروع وطني (برنامج للتشغيل), وتعتبر الأولوية الثانية ضمن الأوليات العشر المقدّمة إلى المجلس بخصوص برنامج فخامة رئيس الجمهورية, وأن هناك دائرة في المؤسسة ضمن التصوّر للقطاع غير المنظّم, وتُعالج كافة القضايا المتعلقة ليس في القطاع غير المنظّم فقط بل وفي جميع القطاعات.

موضحا أن قانون العمل الجديد متطوّر، وتم وضعه بمشاركة جميع الأطراف والشّركاء من مستشاري منظّمتي العمل الدولية والعربية والمكتب التنفيذ لمجلس التعاون الخليجي لوزراء الشؤون الاجتماعية والعمل؛ كون اليمن عضوا فيه, وأنه حاليا يُنظر في وزارة الشؤون القانونية.

750 ألف عامل

وبالرغم من ذلك، يؤكد الجدري أن حجم العمّال المنضوين في الاتحاد العام لنقابات عمّال اليمن 750 ألف عامل موزعون في ثلاثة آلاف مرفق عمل، وجميعهم لديهم وعي قانوني وايجابي؛ كون اللجان النّقابية تقوم بتوعيتهم في هذا الجانب. مضيفا: "أما بقية المرافق التي لا توجد فيها لجان نقابية، تجد أحيانا صاحب العمل لا يطلّع على القانون، والعامل لا يعرف ما هي حقوقه، وما هي واجباته، وهو ما ولّد فجوة وجهلا كبيرا في هذا الجانب, بالرغم من أن القانون أوجب على جهات العمل أن تعلّق لائحة في مكان عام بالعمل، تبيّن فيه الحقوق والواجبات".

منوها بأن مسؤولية رفع الوعي لدى العمّال بهذا الجانب، وما يتضمّنه من عقود عمل وتأمين ونقابات مسؤولية مشتركة بين الاتحاد العام للعمّال والاتحاد العام للغرف التجارية ووزارة العمل لتوعية العمّال, وكذا جهاز التفتيش في وزارة العمل، والذي يجب أن يلعب دورا في هذا الجانب.

رسالة للعمّال والنقابات

واختتم وكيل علاقات العمل بوزارة العمل حديثه بالقول: "يقع على عاتق العمّال النهوض بالتنمية وبناء ومستقبل البلد, لذا عليهم أن يطّلعوا على جميع أنظمة وقوانين العمل بشكل صحيح ومتعمّق وفهم ووعي حتى لا يتم تضليلهم، وأن تكون مطالبهم منطقية ومعقولة، أي أنها في مجال العمل ولا تخرج عنه, وأطالب القيادات النقابية بالتعقّل في أي إجراء يُتّخذ، ممّا يستوجب دراسته والتشاور حوله والاتفاق من قبل الشركاء الاجتماعيين الثلاثة للوصول إلى طريق منطقي وعقلاني للجميع، لا أن ينفرد أي طرف لوحده باسم العمل والعمّال".

ماذا يقول القانون؟!

تؤكد المواد 137, 135, 136, 143 من قانون العمل النافذ رقم 5 لسنة 1995, بخصوص اللجان التحكيمية ومنازعات العمل وتسويتها, أن قرارات لجان التحكيم تصدر بأغلبية أعضائها, وتكون قراراتها مسببة وموقّعة من جميع الأعضاء، وللعضو المعترض طلب تدوين اعتراضه في مسودة القرار, وأن الدعاوى المتعلّقة بقضايا العمل من القضايا المستعجلة.

وأنه مع مُراعاة قانون التحكيم تكون قرارات اللجان التحكيمية نهائية وغير قابلة للطّعن في الدعاوى التالية: التي لا تتجاوز قيمتها ستين ألف ريال, والمتعلّقة بوقف قرارات الفصل من العمل, والمتعلقة بتغريم العاملين. ولا يجوز للجان التحكيمية أن تحكم بعقوبة سالبة للحُرية.

مشيرا إلى أنه على رئيس اللجنة التحكيمية أن يحدد عقد أول جلسة للنّظر في النزاع خلال فترة أقصاها عشرة أيام من تاريخ رفع الدعوى, وعلى اللجان التحكيمية أن تنهي النّظر في الدعوى المرفوعة إليها وتصدر قرارها خلال فترة لا تزيد عن ثلاثين يوما من تاريخ أول جلسة.

صحيفة السياسية


 

مواضيع ذات صلة :