جدل وتحقيقات نُشر

الفقر .. الجوع .. صورة لقصور التغذية في البلدان العربية

تواصلاً للموضوع السابق المعنون بـ الفقر يهدد أمن واستقرار الشعوب العربية .. رأت الزميلة إلهام محمد علي أن تتعمق أكثر في أهم الدراسات والبحوث ؛ والتوقعات التي غالباً ما نجدها تتحقق في مجتمعاتنا العربية .. لتخرج لنا بأهم الإستنتاجات خدمة للقارئ الكريم ..
تسهم عدة عوامل في مشكلات القصور الغذائي ، ومن العوامل المباشرة الإفتقار إلى الوسائل اللازمة لشراء كميات كافية من الطعام للإحتياجات اليومية ، والإفتقار إلى الإمدادات الغذائية .
وتشمل العوامل غير المباشرة التي تمثل الأسباب والنتائج في آن واحد ، الفقر والجهل والمرض والبطالة واللامساواة بين الجنسين ؛ كذلك الأوضاع المناخية الصعبة والكوارث الطبيعية وإخفاق السياسات التنموية وغياب الإستقرار السياسي والنزاع المسلح هي من العوامل المهمة الأخرى التي تسهم بصورة غير مباشرة
في إدامة دائرة الفقر والجوع والمرض والمعاناة.
وكما للفقر والبطالة ليسا مجرد ظاهرتين إقتصاديتين ، فإن قصور الغذاء والجوع ليسا بالضرورة ظاهرتين طبيعيتين أو حتميتين ؛ أو لانعدام الفعل الإنساني فالبلدان العربية التي تتعرض مجتمعاتها للقصور الغذائي والجوع هي التي تعاني الصراعات والحروب والأهلية أو الإحتلال الأجنبي ، بينما ينتج إرتفاع معدلات قصور
الغذاء في بلدان عربية أخرى من إنتشار الفقر فيها .
ويمكن إيجاز أسباب القصور الغذائي بتصنيفها في ثلاث فئات أساسية:

أولاً: نقص نصيب الفرد من الغذاء
تجري منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة كل عام تقييماً لنصيب الفرد من الطعام المتوافر باستخدام " قائمة موازين الأغذية " ؛ وهذة القسائم عبارة عن جداول حسابية لكميات المواد الغذائية المنتجة في بلد معين خلال سنة معينة ، تضاف إليها الكميات المستوردة أو المخزونة خلال تلك الفترة ، وتطرح منها الكميات
المفقودة جراء التلف خلال التخزين أو النقل ، أو التي تستعمل علفاَ للمواشي ، أو لأغراض أخرى غير الإستهلاك البشري .
ويصادر بعدها إلى تقسيم الحاصل على العدد الإجمالي للسكان في البلد ، وتحول عندئذ كل المواد الغذائية
المتوافرة إلى ما يعادلها من السعرات الحرارية بغرض قياس حصة الفرد من إمدادات الطاقة الغذائية .
ومن أجل تقييم الإمدادات الغذائية وأنماط التغذية في المنطقة اعتمادا على المعطيات المتوفرة ، قسمت البلدان
العربية إلى ثلاث فئات وفقاً لنسبة انتشار الجوع وقصور الغذاء في كل منها بين العامين 2002 و2004 .

وتشمل الفئة الأولى: البلدان التي تراوح فيها نسبة الإنتشار بين 2.5 و4% من السكان ، وهي الجزائر والسعودية وسوريا ولبنان ومصر .
الفئة الثانية : هي الوسطى التي تكون فيها نسبة الإنتشار بين 5 و19 % من السكان ، وتضم الأردن والكويت والمغرب وموريتانيا.
الفئة الثالثة : فتشمل السودان واليمن حيث تصل النسبة إلى 20 % وما فوق .

ولا يشمل التقييم كلا من الإمارات العربية المتحدة وتونس وليبيا التي لا يعتبر فيها الجوع وقصور الغذاء مشكلة إنسانية ، ولكن يمكن إضافة فئة رابعة وتضم بلداناً أبتليت بالنزاعات ، وهي الأرض الفلسطينية
المحتلة والسودان والصومال والعراق .

ثانيا: غياب الإنصاف في توزيع المواد الغذائية بالمجتمع العربي
تبين الإحصائيات البيانية الحصة التي يتزود بها الفرد من السعرات الحرارية في البلدان العربية في إطار مقارن بين الفترتين 1990 _ 1992 و 2002_2004 .
ثمة تفاوت جلي بين مجموعات البلدان الثلاث في توافر السعرات الحرارية ، التي ينخفض مستواها إلى حده الأدنى في السودان واليمن (النسبة العليا من إنتشار الجوع ) ، ويرتفع إلى مستواها الأعلى في بلدان الفئة الأولى ( النسلة الدنيا من انتشار الجوع ).
وتظهر المستويات المسجلة لنصيب الفرد من السعرات الحرارية ، التي تتراوح بين 2.000 سعرة ( في اليمن)
و 3.100 سعرة ( في مصر) مجموعاً إجمالياً أعلى من المستوى الأدنى المطلوب للشخص العادي للمحافظة على الوزن وعلى مستوى معتدل من النشاط .
من هنا فإن الإحصائيات تشير إلى أن تفسير إرتفاع نسبة انتشار الجوع في المنطقة إنما يكمن في التفاوت داخل كل واحد من المجتمعات في معدل توافر السعرات الحرارية لأفرادها ، ومن ثم في غياب الإنصاف في توزيع المواد الغذائية المتوافرة بينهم .
إذا نظرنا إلى التغير في معدلات توافر السعرات الحرارية بين الأرقام الأساسية للأهداف الإنمائية للألفية ( التي سجلت في 1990_1992) وبين الأرقام التي سجلت في 2002 _2004 ، فإننا لا نلاحظ أي تغير في لبنان والمغرب واليمن ونلمس زيادة طفيفة في البلدان الأخرى ، بإستثناء الكويت التي شهدت زيادة كبيرة في نصيب الفرد مقدارها 700 سعرة حرارية .

ثالثاً : محدودية توافر الغذاء وتأثيرها في أنماط الحمية والتغذية
تفيد الإحصائيات في هذا الصدد أن نصيب الفرد اليومي ( الذي يقاس بالغرامات / الشخص / اليوم ) من مختلف أنواع مصادر التغذية المتوافرة في البلدان العربية ، مع مقارنة المستويات في العام 2004 بالمستويات في العام 1990 ، ومقابلتها بنظائرها في بلد متقدم وهو اليونان .
وبينما تظهر الإحصائيات تفاوتا ملموساً في مستويات نصيب الفرد من الغذاء المتوافر للعام 2004 بين الفئات الثلاث للبلدان العربية فإنه على العموم لا يظهر التفاوت نفسه بين البلدان في الفئة الواحدة .
وتتناسب هذه المستويات تناسباُ عكسياً مع إنتشار الجوع وسوء التغذية ، تحتل الفئة الأولى المرتبة العليا في مجال الغذاء المتوافر لكل فرد وتراوح الكمية الإجمالية ، بين 2.200 غرام في اليوم في لبنان مثلاً حيث ينتشر
الجوع في أوساط 3 % من السكان ، إلى 1.500 غرام يومياً في السعودية ، حيث يعاني 4 % من السكان
من الحرمان من المغذيات.
في الفئة الثالثة تراوح معدلات نصيب الفرد بين 850 غراماً يومياً في اليمن ، حيث يعاني الجوع أكثر من ثلث
السكان و 1.150 غراماً في السودان ، حيث يقع أكثر من ربع السكان فريسة للجوع وقصور التغذية .
وبحسب الإحصائيات البيانية ؛ فقد سجلت الفئة الثانيه مستويات تقع بين تلك المسجلة في الفئتين الأولى والثالثة؛ غير أن المستويات المسجلة في تلك البلدان جميعاً تظل أقل بدرجة ملموسة من مستويات نصيب الفرد قياساً على وضع البلدان المتقدمة المتمثلة في اليونان .
عندما نتفحص مستويات نصيب الفرد من الغذاء المتوافر خلال العقد الممتد بين فترتي التقييم نجد أنها لم تتغير بدرجة كبيرة باستثناء حالة الكويت حيث تضاعفت هذة النسبة منذ العام 1990.
ويظهر لبنان والأردن واليمن ، وهي بلدان تنتسب على التوالي إلى الفئات الأولى والثانية والثالثة ،إنخفاضاً
طفيفاً في مستويات نصيب الفرد من الغذاء المتوافر ، ما يساهم دون شك في الإرتفاع النسبي لانتشار الجوع الذي شهدته هذة البلدان منذ العام 1990 .
ومقابل ذلك سجلت الجزائر والسودان وموريتانيا ارتفاعاً طفيفاً في نصيب الفرد من الغذاء المتوافر ، ما ساعد بالقدر نفسه، في تخفيف انتشار الجوع في تلك البلدان ، ما عدا السودان التي أسهم فيها تدهور الأوضاع في دارفور في تفاقم حدة القصور الغذائي منذ العام 2004.

الحبوب الأكثر توافراً بالبلدان العربية
ومن بين المواد الغذائية المتوافرة نلاحظ أن الحبوب تمثل الجانب الأكبر من الغذاء المتوافر في البلدان الأربعة ، فهي مصدر مهم من مصادر الطاقة والبروتينات وفيتامين ب المركب ، والقمح هو المادة الأولى بين أنواع الحبوب المستهلكة في البلدان العربية ، باستثناء السودان الذي يغلب فية أستهلاك الذرة السكرية.
ويأتي الشعير في المرتبة الثانية في بلدان شمال أفريقيا ، بينما يحتل الأرز والذرة المرتبة الثانية بين الحبوب الأكثر شيوعاً في المشرق ، والذرة وحبوب الدخن في البلدتن الأقل نمواً ( السودان واليمن ) .
ولم تحقق أي من هذه البلدان الاكتفاء الذاتي في مجال الحبوب التي تستهلكها إذا مازالت جميعها تعتمد على الإستيراد ، وإن بكميات متفاوتة.
وتتمثل النسبة الكبرى من واردات الحبوب بالقمح الذي ينتج في المناخات الجوية المعتدلة وتصدره البلدان الصناعية بالدرجة الأولى ويليه الشعير ثم الذرة إلى حد أقل ؛ وبلاحظ أن كميات الحبوب المستهلكة قد انخفظت قليلاً خلال السنوات القليلة الماضية في البلدان العربية ، ما عدا السعودية ومصر والمغرب وموريتانيا التي أستقرت فيها الكميات المستهلكة ولكنها ارتفعت من حيث نسبتها قياساً على معدل التزود الكلي بالسعرات.

الفواكه والخضر الأكثر أهمية
تشكل الفواكه والخضر المكون الغذائي الثاني الأكثر أهمية في معظم البلدان العربية باستثناء السودان وموريتانيا واليمن ، حيث ينخفض معدل تزود الفرد في هذه المواد الغذائية إلى ما يراوح بين 60 غراماً
و200 غرام في اليوم .
كما تعد منتجات الألبان والبيض من المكونات الغذائية الرئيسية ، وبخاصة في السودان وموريتانيا واليمن ،بل إن معدلات تزود الفرد من كميات منتجات الألبان المتوافرة في هذه تعادل نظائرها في الدول المتقدمة .وتعود الوفرة النسبية لهذة المنتجات في تلك البلدان ذات الدخل المتدني إلى انتشار مزارع إنتاج الألبان
فيها في السنوات الأخيرة.
تشكل منتجات اللحوم جانباً محدوداً من مجمل الغذاء المتوافر في البلدان العربية ، ويحتل الكويت ولبنان والسعودية والمراتب العليا من حيث استهلاك اللحوم ، التي تزود الفرد بما معدله بين 135و190 غراماً يومياً.
وتمثل الأسماك وأنواع المأكولات البحرية الأخري جزءاً بسيطاً من الاستهلاك الغذائي في البلدان العربية كافةً.

نمط التغذية في البلدان العربية يظل فقيراً
تغيرت أنماط التغذية في معظم البلدان العربية منذ فترة 1990 _1992م ،ففيما لا تزال الحبوب هي العنصر الأول في الوجبة العربية ، نجد فيها الآن مقادير أكبر من الفواكه والخضر ومنتجات الألبان والبيض والزيوت النباتية والسكر ، وإلى حد متواضع ، اللحوم والأسماك.
وعلى الرغم من هذا التوجه نحو التنوع الغذائي ،الذي يعكس تفضيلات المستهلكين القادرين على ابتياع كميات أكبر من الأطعمة المرتفعة الثمن ذات القيمة الغذائية المرتفعة ، فإن نمط التغذية بمجملة يظل مقارنة بما هو عليه في البلدان المتقدمة فقيراً في ما يحتوية من الأطعمة الواقية في المرض الغنية بالأملاح المعدنية والفيتامينات مثل : الفواكه والخضر ومنتجات الألبان والأسماك .

رابعاُ: مسببات أختلال التوازن الغذائي
قصور التغذية قد يسببه عدم تناول ما يكفي من الطاقة الغذائية أو الكمية المتوازنة أو نقص المغذيات بأنواعها
المختلفة ، فإن افتقار الطعام إلى المغذيات الكبرى ، وهي العناصر التي تزود الجسم بالطاقة ( مثل : البروتينات ، والشحوم، والنشويات) يسبب مشكلات صحية مثل الهزال والتقزم ونقص الوزن وانكماش حجم الجسم.
ويصح ذلك حتى عندما يكون مقدار التزود الكلي من السعرات كافياً ، غير أن مقادير المغذيات الكبرى من أصل متطلبات السعرات الكلية اللزمه لسلامة الوضع الصحي تتدرج على مدى واسع نسبياً : 55_75 % للنشويات و15_35 للدهون ، و10_15 % للبروتينات.
ويلخص مجمل الإحصائيات في ذلك الجامب أن مقدار التزود الإجمالي اليومي من المغذيات الكبرى قياساً على تزود السعرات الكلي للفرد وكيفية تغير المعدلات في الفترة الممتدة بين العامين 1990_1992 والعامين 2002_2004.
وتنطبق هذة المعطيات على البلدان العربية التي توافرت عنها البيانات ، بما فيها البلدان التي لا يعتبر فيها
الجوع مشكلة إنسانية .
تتسم نسب المغذيات الكبرى في الغذاء العربي على العموم بالتوازن ، بصرف النظر عن حجم الطاقة المتوافرة
كما لم تتغير هذه النسب بصورة ملحوظة منذ فترة 1990_1992.
ونلاحظ كذلك أن مصادر الغذاء الحيوانية تشكل ما يراوح بين ثلث إمدادات البروتين والدهون وربع هذة الإمدادات وبين 7و13 % من إمدادات الطاقة الغذائية المتوافرة في كل البلدان باستثناء السودان والكويت ولبنان وموريتانيا .
فالغذاء الحيواني في تلك البلدان يمثل ما يقرب من نصف مصادر البروتينات والدهون المتوافرة وخمس في الدول المتقدمة ؛ ولكن بينما يقدم الغذاء الحيواني مصادر غنية بالبروتين الحيواني العالي النوعية، فإنه يسبب في الوقت ذاته مستويات مرتفعة من الدهون الثلاثية المشبعة الضارة الناجمة خصوصاً عن تناول
كميات مرتفة نسبياً من منتجات الألبان والبيض ، ومقادير قليلة من الفواكة والخضر ( كما هو الحال في السودان وموريتانيا ) والتزود بمقادير كبيرة نسبياً من اللحوم ومنتجات الألبان والبيض ( كما هو الحال في
الكويت ولبنان ).
وينبغي مع ذلك ، أن ينظر بشىء من الحذر إلى هذة الأرقام التي قد تبدو مشجعة ، فهي لا تعكس بالضرورة مدى الإنصاف في توزيع الغذاء المتوافر في قطاعات المجتمع المختلفة .
كما لا تدل على مقدار التزود الفعلي أو التوازن الغذائي في أوساط الفئات الفقيرة الضعيفة ؛ فما تعرضة هذة الأرقام لا يعدو كونه صورة للاتجاهات العامة في توافر الغذاء والتزود به داخل كل فئة البلدان العربية على حدة .

خامسا: ترابط الغذاء بقوى العرض
كمية الطعام المتوافرة لأي مجتمع تعني التطورات في قطاعات إنتاج الغذاء ، ودينامية تبادل السلع مع العالم الخارجي .
وباختصار يرتبط توافرالغذاء بقوى العرض ( الذي يعتمد بدوره على عدة عوامل مثل الإنتاج الزراعي ،والوصول إلى الأسهم العالمية ، ونمو الصناعات الغذائية ، وحجم المعونات الأجنبية)، وكذلك على الطلب الذي يعتمد بصورة خاصة على مستويات حصة الفرد من الدخل.
ويبين الشكل 6_8 أن محاصيل الحبوب في بعض البلدان هو أدنى من المعدل العالمي ، وأن الإنتاج قد انخفض بين العامين 1990 و2005 في سبعة بلدان.
كما يوضح الشكل 6_9 الشوط الذي قطعته المنطقة في مجال تحقيق الإكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الرئيسية خلال الفترة الممتدة بين العامين 1990 و2004.
ومن جملة ما يوضحه هذا الشكل أن البلدان العربية بمجموعها تتمتع بدرجة من الإكتفاء الذاتي في مجال السلع الغذائية التي يقبل عليها الأغنياء ( مثل : اللحوم ، والأسماء والخضر) ، أكبر منها في مجال السلع التي يستهلكها الفقراء ( مثل : الحبوب ، والشحوم، والسكر ).
ويبين الشكل 6_10 مدى اعتماد البلدان العربية على استيراد المواد الغذائية إجمالاً في العام 2005 ؛ ويلاحظ أن نسبة الاعتماد في هذة الدول كافة ( باستثناء البحرين ) تزيد على المعدل العالمي .

هناك عوامل عديدة أسهمت في أعتماد البلدان العربية الكبيرة على استيراد المواد الغذائية :

أولا: اليمن
ففي اليمن وهي من البلدان الأقل نمواً ويعيش 80 % من السكان في الريف ، ويعمل 50 % من القوى العاملة في الزراعة.
ويؤدي شح المياه واعتماد المواطن اليمني على الغذاء المستورد إلى أنخفاض الإنتاجية الزراعية التي لا يتعدى إسهامها في الناتج المحلي الإجمالي 15 % ، ولا يستطيع مواكبة التكاثر السكاني ( 3.6 % سنوياً مقارنة بمعدل 2.6 % في البلدان العربية عموماً ) ، ومن نتائج ذلك تزايد أعداد من يعانون القصور الغذئي نتيجة لإنعدام سياسة الإرشاد في الغذاء.

ثانياً: الأردن
وفي الأردن وهو من بلدان الدخل المتوسط التي تعاني شح المياة والموارد الطبيعية الأخرى، ويمثل الإنتاج الزراعي 2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف 10 % فقط من القوى العاملة .
وعلى هذا الأساس فإن استيراد الموارد الغذائية أمر جوهري لتلبية احتياجات الأردن ؛ إلا أن أداء الإقتصاد الأردني يتأثر تأثرا بالغاً بعوامل خارجية ولا سيما تذبذب أسعار النفط واحتدام النزاعات في المنطقة.
وقد أسهم الضعف الإقتصادي الناجم على هذة العوامل في تقليص معدل التزود بالسعرات الحرارية للفرد الواحد من 2,820 سعرة في اليوم في الفترة 1990 _1992 إلى 2,670 سعرة في الفترة 2002 _2004 ،ما زاد بالنتيجة من إنتشار قصور التغذية.

ثالثاً: السعودية
في السعودية وهي من البلدان ذات الدخل المرتفع ، تمثل الزراعة 5% فقط من الناتج المحلي الإجمالي ويعمل فيها 7 % فقط من القوى العاملة .
وكان من نتائج ذلك أن راحت السعودية تعتمد اعتماداً يكاد يكون كلياً على المواد الغذائية المستوردة ؛ وعلى الرغم من النمو الإقتصادي الذي شهده البلد نتيجة للإرتفاع الأخير في أسعار النفط ، لم يتحقق أي تقدم في المساعي الرامية إلى القضاء على قصور سوء التغذية .
والواقع أن عدد من يعانونه قد أرتفع منذ الفترة 1990 _1992 ، ما يثير التساؤلات حول سياسات توزيع الغذاء والعدالة الإجتماعية والإتجاهات السكانية.

رابعاً: سوريا
ومن جهة أخرى في سوريا وهي من بلدان الدخل المتوسط يعمل 33 % من السكان في القطاع الزراعي
الذي يسهم بربع الناتج المحلي الإجمالي ويشغل ثلث مساحة الأراضي السورية.
وقد تمكنت سوريا جراء الإستثمارات والتنمية الزراعية في السنوات الأخيرة من تجاوز حدود الإكتفاء الذاتي
في معظم المواد الغذائية المهمة ، فحققت التحسن في أداء صادراتها التجارية في مجال الفواكه والخضر والبذولا والحبوب وزيت الزيتون .
وأسهم توسع القطاع الزراعي في إضافة 200 سعرة حرارية في اليوم إلى معدل تزود الفرد من إمدادات الطاقة الغذائية المتوافرة ، قياساً على ما كانت عليه الحال منذ الفترة 1990 _1992 ، وهي زيادة تكفي للتقليل من انتشار قصور التغذية بنسبة 5 إلى 4 % ، غير أنها لا تكفي لتقليص عدد ما يعانون القصور الغذائي الناجم عن التكاثر السكاني ( بمعدل 3.1 %) .

نظرة عامة:
يؤكد التحليل أعلاه النتائج التي خلص إليها مختلف الدراسات من أن تأثير التنمية الإقتصادية في التخفيف من حدة الجوع إنما يعتمد على طبيعة النمو الإقتصادي بقدر اعتماده على مدى هذا النمو ووتيرته .
ويظل تأثير التنمية الزراعية في الجهود الرامية إلى استئصال الجوع وسوء التغذية أكبر من تلك المترتبة على التنمية الصناعية في المراكز الحضرية .
وفي البلدان العربية تفاقمت مخاطر الاعتماد المفرط على الأسواق العالمية لتأمين الحاجات الغذائية في ربيع العام 2008 ، عندما تصاعدت أسعار المواد الغذائية في العالم بصورة مفاجئة .
ففي أواسط ذلك العام ارتفعت هذه الأسعار بنسبة 40 % عما كانت علية في ذلك الوقت من العام الذي سبقه ،
وشعر بوطأة هذا الإرتفاع سكان البلدان العربية كافة تقريباً بما فيها بلدان الخليج الغنية مثل : ( الإمارات و السعودية ) .
ومن هنا تقتضي الحكمة أن تحاول الحكومات العربية الإستفادة مما هو متوافر لديها من المياه والأراضي الصالحة للزراعة من أجل تحقيق الإكتفاء الذاتي في الإنتاج الغذائي .

-------
الموضوع السابق الجزء الأول
الفقر ينتشر بين 38% من سكان اليمن .. الجوع يهدد أمن واستقرار الشعوب العربية


 

مواضيع ذات صلة :