سياحية وترفهية نُشر

" كوشأداسي " عروس تركية تسحرك بجمالها

Image

الجسر بتركيا

يعتبر محبو السفر والترحال الصدفة فرصة جميلة ومناسبة في كثير من الأحيان، لكي يحظوا بمكان جميل وجديد في خريطة رحلاتهم السياحية، فالصدفة تقودك إلى الوصول إلى مناطق سياحية لم تكن تتوقع أن تكون بالجمال الذي يبقى في الذاكرة، وهذا ما حدث معي أثناء زيارتي الأخيرة لتركيا، حيث دخلت أحد مكاتب السياحة وطلبت منه تذكرة سفر إلى ازمير، فطلب مني أن أجرب زيارة مدينة كوشأداسي ولن أندم، وقال إن النصيحة مجانا.
جهزت كل لوازم السفر وركبت الطائرة، ولم أفكر في شيء إلا عندما قال كابتن الطائرة إننا نحلق الآن فوق مطار د. صبري، وهو اسم المطار القريب من كوشأداسي، نظرت من نافذة الطائرة فلم أر سوى مجموعة من الآثار الحجرية تنتشر على مساحة كبيرة من الأرض، فتمنيت لحظتها لو أن الطائرة تعيدني معها إلى اسطنبول، وسألت نفسي «كيف أطير هذه المسافة من أجل مدينة لا أعرفها!»، لكن بعد أربعة أيام في ربوع هذه المدينة الرائعة حمدت ربي أنني وجدت من دلني عليها.
أول مفاجأة قابلتها في هذه الرحلة هي مطار د. صبري.. فمساحة قاعة المغادرين والقادمين لا تتعدى 10 × 10 امتار والطائرة التي تهبط هي ذاتها التي تغادر ويعمل فيه موظفان للجوازات وثالث للحقائب فقط، لذلك لم نستغرق فيه سوى عشر دقائق لأن عدد المسافرين لم يتجاوز العشرة. سار التاكسي بي في طريق اسمه تورغوت أوزال مسافة تجاوزت عشرين كيلو مترا، سألت السائق عن المدينة وهل هي سياحية، فأجابني ان ألذ ما فيها اللحم وسكت (!) وتركني في حيرتي وفضلت أن أكتفي بهذه الإجابة المختصرة جدا وأستمتع بمناظر الجبال والبحر الجميل في ربوع أوزال إلى أن أصل إلى الفندق، وعند وصولي كانت المفاجأة الثانية في انتظاري على قارعة الطريق.. فاسم الشارع الذي يقع فيه الفندق OK وعندما سألت التاكسي عن حقيقة الاسم قال إنه «أوغل» OKL ولم يعجبه سؤالي فحرك شاربه الغليظ وانطلق.

نزلت إلى الشارع بعد أن وضعت حقيبة سفري وبدلت ثياب الرحلة، لم يكن الفندق يبعد عن كورنيش المدينة سوى أمتار معدودة، وقفت على الواجهة البحرية ونظرت إلى البحر الجميل الذي يبعث في النفس الراحة وأرقب الشمس وهي تستعد لتوديع الساحل والمدينة، بل تركيا كلها، كان منظرا بديعا، جلس السياح على قارعة الطريق يرقبونه وكأنهم يشاهدونه لأول مرة، ولم ألتفت إلى الشمس البرتقالية الجميلة لأنها بالنسبة لكل الخليجيين أصبحت كأنها فرد من الأسرة، بل ظللت أنظر إلى عدد السياح في هذه المدينة التي لا نعرفها.. إنهم يفوقون عدد السياح الكويتيين إلى القاهرة في شهر أغسطس.

مدينه يدفع الكثير من أجل زيارتها


غابت الشمس.. وعاد السياح إلى المقاهي التي كان أصحابها ينتظرونهم عند كل مقعد ليدعوهم إلى الجلوس فيها وتذوق أشهى أنواع السمك الذي لا يوجد له مثيل إلا في مطاعمهم! جلست في أقرب مقعد قابلته خوفا من ألا أجد بعد ثوان مقعدا خاليا من كثرة عدد السياح الذين عادوا من منظر مغيب الشمس، ولم أكد أجلس حتى جلس أمامي في نفس الطاولة شاب تركي يتحدث اللغة العربية بركاكة، ابتسم لي، وقال «هل تحب أن أريك كوشأداسي الحقيقية؟»، فقلت وهل هناك أخرى غير حقيقية، فضحك وأشار إلى السياح الجالسين حولنا «كل هؤلاء يدفعون مبالغ كبيرة جدا من أجل أن يشاهدوا مدينتنا الجميلة، أما أنت فيمكن أن تدفع مبلغا متواضعا مقابل ذلك»، اعتذرت منه وأخبرته بأنني أحب أن أكتشفها بنفسي، ثم أخبرني الغرسون أن هذا الشاب وأمثاله أحد العروض الجميلة الخاصة التي يقدمها المطعم لرواده لكي يستمتعوا بمشاهدة هذه المدينة الرائعة كما قال.   
عدت إلى الفندق مبكرا فوجدته مزدحما جدا بمجموعة من السياح اليابانيين، كانوا يرتدون ملابس زاهية الألوان بطريقة غريبة، فسألت أحدهم عن سر هذه الثياب، فابتسم وقال إنهم يستعدون لزيارة مدينة أدالاند من الآن، وهي مدينة ترفيهيه مائية جميلة جدا يأتي السياح إلى كوشأداسي من أجلها، دفعني الفضول لأسأل موظف الاستقبال عن هذه المدينة، فقال إنها أكبر مدينة مائية في تركيا تقريبا، يأتي السياح إليها لأنها الوحيدة في العالم التي تستخدم ماء البحر، ثم أسر لي «إنها مقامة أصلا في البحر»، ولا أعلم لماذا أخبرني بالموضوع سرا، وقررت أن تكون هذه المدينة برنامجي ليوم غد.                  

         

Image

أسطنبول


استيقظت مبكرا في اليوم التالي لكي أذهب إلى أدالاند، لم أجد في المطعم كرسيا فارغا مع أنني استيقظت مبكرا، كان جميع أعضاء الوفد الياباني جالسين فيه منذ الصباح الباكر، هل يمكن أن يكونوا متحمسين إلى هذا الحد للذهاب إلى هذه المدينة التي يفترض أن تكون للصغار والشباب وليست لكبار السن؟ لفت نظري هذا الموضوع وفضلت أن أكتشفه بنفسي عندما أذهب إلى هناك، ركبت مع التاكسي وسار بنا هذه المرة في شارع اسمه أتاتورك محاذ للواجهة البحرية، في الطريق نصحني السائق أن أزور مدينة فانتاسيلاند لأنها جميلة أيضا، وتقع في المكان نفسه الذي تقع فيه أدالاند، وعادة يذهب السياح إليهما معا، كانت المدينة رائعة حقا وتستحق أن يزورها السائح، كان أول سؤال لي لماذا يحرص السياح على زيارتها خاصة كبار السن؟ أجابتني موظفة الاستقبال الحسناء وقالت لثلاثة أسباب، أولها لأنهم ينتظرون ارتفاع الشمس وهي تعكس أشعتها على الألعاب، وثانيها لأنهم هنا يستخدمون مياه البحر، وثالها لأن فيها أحواض تدليك و«جاكوزي» كبيرة وفي الهواء الطلق أمام الشمس المشتعلة كما قالت.

متحف القطارات


عدت من رحلة أدالاند وفانتاسيلاند مرهقا للغاية، فالألعاب فيها تحتاج إلى لياقة شبابية، فلم أجد أفضل من الاستسلام إلى نوم عميق استعدادا لليوم التالي، وحين استيقظت صباحا وجدت دعوة أنيقة تحت باب الغرفة لزيارة متحف القطارات، خلال نصف ساعة كنت أجلس في لوبي الفندق ضمن المجموعة التي ستغادر إلى المتحف، طاف بنا الباص في مزارع ووديان وجبال وصخور إلى أن وصلنا إلى المكان المحدد، وكل ذلك لم يتجاوز 15 كيلومترا، كان من أجمل المتاحف التي زرتها في حياتي، قرية قديمة كانت محطة للقطارات القادمة من أوروبا إلى الشرق، حولتها بلدية المقاطعة بمنازلها ومحلاتها وقطاراتها وشوارعها إلى متحف كبير مفتوح في الهواء الطلق، وكأنها تعيد الزائر إلى الوراء قرنا من الزمان.
بعد ساعتين من التجول في أنحاء المتحف جلسنا في أحد المقاهي التابعة له، جاء إلينا الجرسون، وكأنه كان خارجا من إحدى صفحات مخطوطة قديمة، تخيلت لحظتها أنه سيتلو علينا «فرمانا» من الباشا أو السلطان العثماني، لم يطل انتظاره عندنا، بل نصحنا أن نجرب الشاي الريفي اللذيذ، وكان محقا جدا.. لم أتذوق مثل هذا الشاي إلا في ربوع سريلانكا فقط، ومن لطيف الجلوس في مقاهي المتحف كثرة الباعة المتجولين الذين يعرضون ثيابا ومصنوعات جلدية يدوية الصنع.

شاطئ النساء


في اليوم التالي كان برنامجي زيارة « شاطئ النساء» كان اسمه مفاجأة غير متوقعة بالنسبة لي، دلني عليه أحد الباعة المتجولين في متحف القطارات، ركبت التاكسي وأنا أشعر بحرج شديد من سؤاله لأنه كما كنت أعتقد خاص بالجنس الناعم، ولكن عندما وصلت إلى الرصيف المقابل له كان الأمر مختلفا.. من أروع الشواطئ وأجملها على الإطلاق، سمي بهذا الاسم لأنه كان إلى عام 1993خاصا بالنساء فقط، ثم فتح بعد ذلك للجميع، يتميز هذا الشاطئ بزرقة مياهه وبياض ترابه وحنو شمسه، ولكن عليك أن تأتي إليه مبكرا لتحظى بمكان مناسب على البحر، وضعت فرشتي على التراب ثم ألقيت بنفسي وسط أمواجه الوديعة، لحظات.. أدركت بعدها أن للبحر في كوشأداسي معنى يختلف عن أي مكان آخر.

المصدر: القبس


 

مواضيع ذات صلة :