ثقافة وفنون نُشر

إشكالية التاريخ اليمني القديم في محاضرة لـ"منارات"

Imageقال الدكتور عبد الله علي الكميم, عضو مجلس الأمناء في مركز "منارات": إن موقع اليمن المتميز القريب من خط الاستواء,

والمتأثر بمناخات متعددة ورياح مختلفة, وإحاطته ببحرين مهمين, وتنوع تضاريسه, كل هذه العوامل وغيرها قد جعلت من اليمن مكانا عبقريا على أن بعدها عن مناطق الجليد إبان الحقب الجليدية السابقة قد أكسبها ميزة أخرى تضاف إلى ميزاتها.
ولفت النظر في محاضرته التي ألقاها عصر اليوم في المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل"منارات"بعنوان " التاريخ اليمني القديم وإشكالياته" إلى أن جزيرة العرب مما بقي من آثارها وبما يشهد به الكثير من مؤرخي العالم كانت محورا حضاريا حيويا في العالم القديم, فانطلاقا من دراسات علمية قامبها عدد من علماء الآثار والتاريخ؛ ثبت أن الحضارة الإنسانية الأم نشأت في جزيرة العرب وفي جنوبها على التخصيص وأن معظم السكان الذين استقروا في وادي النيل وعلى ضفاف الرافدين وفي بلاد الشام _ أي شمال الجزيرة العربية حتى جبال آرارات من بلاد الأناضول - إنما هم عبارة عن هجرات كبرى صادرة عن شبه الجزيرة العربية خرجوا منها في موجات متعددة قبل التاريخ وبعده. وأشار إلى أن التاريخ العالمي القديم منقوص ويكتنفه الكثير من الغموض وأن هنالك الكثير من النقاط السوداء والحلقات المفقودة والأسرار والمفاتيح بل والأسئلة الحاشرة التي هي بحاجة إلى إجابات عنها والكشف عن ذلك الغموض المحدق بها أو قد دفعتهم هذه العوامل وغيرها إلى المزيد من البحث والتنقيب والغوص في معاني الكتب والمراجع وفي الميادين التي كانت قصية عنها ولم تأخذ منها اليمن ما يراه وقد وجدواضالتهم واهتدوا إلى هدفهم عبر تلك الومضات والإشارات التي كانت تلمع من بطون الكتب ومن أجساد الأرض اليمنية فاتجهوا إلى المصدرين وأمعنوا البحث والدرس فوجدوا ضالتهم وتمكنوا من كشف الكثير من الغموض وتوصلوا إلى الطريق الصحيح الموصل إلى الكنز المفقود الثاوي في أحشاء الأرض اليمنية بل لقد مسكوا أطراف الخيوط الكفيلة بإزالة العتمة والتشويش حول تاريخ العالم القديم تاريخ الإنسان ولا أبالغ إذا ما قلت أنهم قد تمكنوا من الإجابة على الكثير من الأسئلة التي كانت حائرة وأقول: الكثير لأن الطريق لا يزال أمامنا جميعاً طويلاً وعريضاً وعميقاً بطول وعرض الأرض اليمنية وعمق أماكن تواجد الكنوز الأثرية نظراً لعمق الزمن الذي نشأت فيه الحضارات اليمنية العربية الإنسانية والسؤال هو ما الذي توصل إليه هؤلاء العلماء والباحثون في تاريخ وأرض اليمن حتى الآن؟ والجواب باختصار شديد هو: لقد وصلوا وأجمعوا أو كادوا يجمعون على القناعات والحقائق الآتية: 1
. أن اليمن هي المهد الطبيعي الأول للإنسان العاقل والمفكر والقادر على بإدارة.
2. أن اليمن هي البلاد التي تمكن فيها الإنسان لأول مرة من ابتكار واستعمال النار، والزراعة، استئناس الحيوان، الكتابة، اكتشاف المعادن، عمارة المدن، صناعة السفن، بناء ناطحات السحاب من القصور، بناء السدود، تحنيط الموتى. صناعة الكثير من المعادن، شق الأنفاق، وبناء الجسور والطرق استخراج وصناعة الكثير من المعادن.
 3. إن اليمن هي الموطن الأول لرسل الله وأنبيائه منذ نوح ثم هود ومن بعدهما صالح وذو الكفل وذو القرنين وإبراهيم وذو النون وشعيب وتبع وغيرهم من المئات الذي أرسلوا إلى قوم قحطان وسبأ وحمير والتبابعة وغيرهم (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير)
4. إن اليمن هي المهد والمنبع والمنطلق لتلك الموجات البشرية العربية القديمة التي عرفت بالسامية منذ أكثر من ثمانية آلاف عام وأنها قد غطت كلا من أرجاء الجزيرة العراق والشام ومصر ووصلت إلى أجزاء من أوروبا وأقصى المغرب العربي والهند والصين وأن هؤلاء الفاتحين قد ينقلوا بكتابتهم وثقافتهم وعلومهم وأنهم قد أثروا كثير من ثقافات وحضارات هذه الشعوب كما تأثروا بحضاراتهم وثقافاتهم. وحدد الكميم إشكاليات كتابة تاريخ اليمن القديم
أولاً : اعتماد الكثير من المؤرخين القدامى والمحدثين على ما ورد في التوراة: اعتمد بعض المؤرخين الأقدمين كما لا يزال يعتمد بعض المحدثين على ما ورد في التوراة المزيفة عن تاريخ اليمن القديم رغم أنها قد احتوت معلومات مبتسرة ومشوهة ومتناقضة عن تاريخ اليمن في نفس الوقت لأنها قد وضعت وفقا لأهواء وأغراض كهنة وزعماء اليهود الذين نظروا إلى الشعوب الأخرى وتاريخها بكثير من التعالي والغرور باعتبارهم أقل منهم رقيا وتحضرا وأوهن منهم في مستوى العرق والدم وأدنى في السلم والقدم. وإذا كان اليهود قد شوهوا الأسفار الخمسة الأولى من أسفارهم وهي المنسوبة إلى موسى (ع) وأنهم قد أضافوا إليها (41 سفراً)من أعمال كهنتهم وحكمائهم أو كلها قد وضعت بعد موسى واستمر وضعها إلى أيام عيسى عليه السلام وإلى أواخر القرن الثالث بعد الميلاد بل إنها خضعت باستمرار للتعديل والتغيير والتبديل حسب أغراض الكهنة وفقا للأغراض والظروف المستجدة والتطورات المتلاحقة مما جعلها أشبه بموسوعة من وضع البشر.
ثانياً: ضآلة وضعف واضطراب كتابات اليونانيين والرومانيين عن تاريخ اليمن رغم مبالغات من نقل عنهم.
 ثالثاً: عدم الاعتماد أو الرجوع إلى القرآن الكريم بما يكفي باعتباره أهم مرجع عن تاريخ اليمن وتاريخ عاد بالذات.
رابعاً: تأثر وخضوع الكثير من المؤرخين في بداية عصر التدوين لآراء الفقهاء والمحدثين الذين يرون في ذلك تمجيداً للمشركين.
خامساً: الاستخفاف بالمصادر اليمنية القديمة المكتوبة وإهمالها.
 سادساً: الركون إلى ما كتب المكتشفون والمستشرقون وما قدموا من معلومات واعتبارها مسلمات علمية.
سابعاً: اعتبار عاداً وثموداً من الأمم البائدة في حين أنها أمتان باقيتان بنص القرآن.
ثامناً: عدم الركون والاعتماد على الكادر اليمني في عمليات الإدارة والبحث والتنقيب ...الخ.
 تاسعاً: الاستمرار في إتباع الطرق والمناهج والمفاهيم الخاطئة التي أتبعت في كتابة ما هو موجود من تاريخ اليمن المشوه، والعمل على نشرها عبر أجهزة الإعلام والثقافة والتربية المختلفة حتى صارت جزءاً من وعي المجتمع العام.
 عاشراً: التنافس والنفاسة!! أحد عشر: الكتابة بدون علم أو شعور بالمسئولية والصراعات غير المسئولة.
أثنا عشر: ما ترتب على أحداث سقيفة بني ساعدة. لا شك أن الخلاف الذي دار في سقيفة بني ساعدة بين المهاجرين والأنصار رضوان الله عليهم أثناء اجتماعهم من أجل اختيار خليفة للمسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عمق الجراح ووسع من شفة الخلاف وأعاد إلى الذاكرة ما كان بين الفريقين من تباين حول بعض القضايا. وقد أدى هذا الخلاف وتبادل الاتهامات والكلمات الجارحة إلى توتر العلاقات بين الطرفين حيث استشهاد زعيم الخزرج سعد بن عبادة رضي الله عنه وكان لهذه الواقعة وما بعدها آثار بالغة على التاريخ اليمني.
ثالث عشر: إخراج اليمن من منطقة الشرق الأدنى. أطلق المؤرخون اليونانيون والرومان على منطقة نشؤ الحضارات الفرعية اسم منطقة – الشرق الأدنى. وكان يفترض أن تكون اليمن على رأس هذه المناطق التي بعثها الخارجة وهي مصر والشام والعراق وبلاد فارس إلا أنهم حينما زحفوا على المنطقة لم يستطيعوا الوصول إلى اليمن لأسباب منها البعد الجغرافي وكثرة الثعابين التي تحرس غابات اللبان والموز والبخور وغيرها من أشجار الأقاوية ...الخ. لذلك فإنهم قد حذفوها من الخارطة وكتبوا عن تاريخ وحضارات اليمن العظيمة من بعيد مستفيدين من أحاديث الرواة ومن مكتبة الاسكندرية حينها!! وجذا جذوهم كل من جاء بعدهم من المؤرخين العرب وغيرهم وتأثر بهم معظم المؤرخين المعاصرين!! لهذا فقد جاء تاريخ اليمن غامضاً ومضطرباً وسقيماً مههلاً وهو ما يؤسف له حقاً ويتطلب الانتباه له وإعادة كتابته كما هو في الواقع وفي أصدق المراجع (القرآن الكريم).

 

مواضيع ذات صلة :