ثقافة وفنون نُشر

حكاوينـــــــــــــا ..

Imageكما هي مدينتنا لم تتغير بل ظلت آسيرة زمن بعيد فيه صورتها القديمة تزين معالمها كأنها حلي نفيسة وثياب عروس بكر تتنهد غزلا بالشعر الحائر بين عامية بيرم التونسي وحداثة محمود درويش لتستوقفني في رحلة الذهاب إلي دار أمي العتيقة وأنا لا أري غيرها دارا تستحق الثناء رغم رحيل كل الأحباب لتبقي هي الحقيقة التي دونتها في مذكراتي يا طالعة من بيت أبوها ؟
وهنا تكمن الحكاية كيف نفارق الزمن دون معطيات تكفل لنا حوارا مفتوحا مع عقل نستوضح منه حقيقة المدينة الكبيرة والتي لم تعد تمنحك سوي البكاء فقد ترملت النساء وأستبدلت المنازل بالخيام وجفت الحدائق وعلق النهر لافته بالبنط العريض عفوا لايوجد ماء ؟
أدركت كيف كان شاعرنا محمود درويش حدائيا يلبي نداء الحق رغم كل الأقنعة التي حاولت أن تمنحه شمسا وهواء وبحرا أصطناعيا ؟ لكنه لم يأب غير رؤية المدينة بعين شاعر لم يفقد عقله وبصره وأحتفظ بمشاعره النبيلة تجاه قضية وطن يعاني من قهر الأسماء المركبة والأناشيد البائسة والحلي الزائفة والتماثيل الشاحبة
وغير ذلك تكالب الحواة علي أحيائها يروضون الثعابين ويحيون الموتي ويدجلون علي المارة بما يشبه زواج العانس من أمير أعالي البحار ؟
حكاوينا هي حكاوي مدينتنا القديمة والتي توجهت إليها بعد غياب طويل عسي أن أجد صوت أمي من بين الأطلال المنسية في دارنا العتيقه ؟ لكي تعيد إلي الرشد في معترك الحكاية والحكو والحكواتي الذي رحل هو الآخر دون مقدمات !
عجيبة أمر هذه الدار التي كانت تستقبل كل الأفندية والبكاواتية والمأموراتية والباشواتية أين هم الآن رحلوا كما رحلت أمي ولم يبق منها غير الصوت الذي أبحث عنه ليل نهار في لعبة السلم والثعبان ؟ نعم كنت أجيدها في الأيام الخوالي من طفولتي السعيدة والتي ربطتني بعالم الحقيقة وجعلتني منشدا ومتيما بكل المبدعين من أمثال طه حسين .. لطفي السيد .. شيكيب أرسلان .. بشارة خوري .. محمد حسين هيكل قاسم أمين الخ مرورا بأمير دولة الشعر محمود درويش .
الذي جعلني علي مقربة من دارنا العتيقة رغم صعوبة الوصول إليها نهارا وما أدراك الليل في رحلة الأهوال التي تجعلك تفكر مرارا وتكرارا في الأقدام علي مغبة هذه المغامرة من أقصي الشرق إلي أقصي الجنوب ؟

علامات استفهام يضعها الحكواتي في مدينة حكاوينا التي جف فيها النهر وعلقت لا فته هنا ماء وزرع ووجه حسن لتبقي دارنا عنوانا لزمن رغم كل التعاويذ ومعها صدي الصوت العبقي لأمي التي جالستها وجالستني لكي تعرف ما الذي أتي بي إلي هنا رغم قسوة الظروف وفداحة المغامرة لتشهد أنني رجل لا يعرف غير أداء رسالته وقيمتها مهما تغيرت كل الأزمان ليبقي صوتها محفورا في ذاكرتي وقصائد درويشنا عميقة تظلل صحراءها وتروي أشجارها وتمنحنا بعض الأمل في حكاية قادمة.

 بقلم عبدالواحد محمد
كاتب مصري
abdelwahedmohaned@yahoo.com


 

مواضيع ذات صلة :