تقارير اقتصادية نُشر

صناعة الأدوية في سورية تدق ناقوس الخطر: الرسوم الحكومية الجديدة تهدد القطاع

يمر قطاع صناعة الأدوية السوري بواحدة من أصعب مراحله بسبب تداعيات الحرب، وتُطرح تساؤلات جدية حول مستقبل الصناعة الدوائية في البلاد،

صناعة الأدوية في سورية تدق ناقوس الخطر: الرسوم الحكومية الجديدة تهدد القطاع

بعد أن فرضت وزارة الصحة مؤخراً رسوماً بالدولار على معامل الأدوية المحلية، حيث أصبحت رسوم تجديد ترخيص معمل دوائي 1500 دولار بعد أن كانت 200 ألف ليرة سورية فقط (نحو 18 دولاراً)، وكذلك ارتفع رسم دراسة إضبارة (ملف) مستحضر دوائي محلي إلى 750 دولاراً، وتم رفع رسم ترخيص العيارات (الجرعات) الدوائية إلى 200 دولار بعد أن كان 50 ألف ليرة سورية فقط.

ووصف عاملون في القطاع القراراتِ بـ"الارتجالية"، والتي أثارت موجة استياء في أوساط الصناعيين، الذين حذروا من انهيار هذا القطاع الحيوي، مؤكدين أن الخاسر الأكبر سيكون المواطن السوري، مع اقتراب البلاد من فقدان أمنها الدوائي.

وقال الدكتور عمار معتوق صاحب معمل "يونيفارما" للأدوية إنّ "قطاع الدواء مر بأزمات كبيرة في عام 2019 بسبب جائحة كورونا وارتفاع سعر الصرف، لكنه تعافى في عام 2023 واستمر كذلك إلى أن أصدرت وزارة الصحة تعرفة رسوم غير منطقية لا تساهم في دعم الصناعة الوطنية، بل تؤثر عليها سلباً في المستقبل".

ولفت في تصريح لـ" العربي الجديد" إلى أن "الرسوم تحتاج إلى دراسة مع أصحاب معامل الأدوية، فارتفاع التكاليف سوف يؤثر على المستهلك مباشرة ويتسبب بخروج مستحضرات من دائرة التصنيع ما يفتح المجال أمام سوق التهريب".

 ونبّه إلى أن "تجديد تراخيص مستحضرات معمله يكلفه 275 ألف دولار، إضافة إلى فرض ضرائب مع الرسوم"، واصفاً ذلك بـ"غير المنطقي"، ومتمنياً على الوزارة أن تعيد النظر في هذه الرسوم من أجل المحافظة على جودة الصناعة الدوائية السورية، كاشفاً أن الرسوم ستؤثر على 90 معملاً في الخدمة.

رسوم بالدولار على منتجات تباع بالليرة

بدوره شدد أصحاب معامل الأدوية في حلب في تصريح لـ" العربي الجديد " على أن "وزارة الصحة، بصفتها وزارة خدمية وليست ربحية، من واجبها تأمين الدواء وحماية هذا القطاع الحيوي، وليس تحميله أعباء مالية قد تؤدي إلى إغلاق المعامل وتسريح العمال، وتزيد من اعتماد البلاد على الاستيراد في ظروف اقتصادية غير مستقرة".

وأوضح صاحب معمل طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "الرسوم المفروضة مؤخراً على قطاع الأدوية اتُّخذت بطريقة ارتجالية من دون الرجوع إلى لجان فنية مختصة"، وهو ما اعتبره "خرقاً للأطر القانونية السارية، وفي مقدمتها المرسوم التشريعي رقم 9 الذي ينظم آلية فرض الرسوم وطريقة التعامل معها".

وأضاف أن "ما قامت به وزارة الصحة من فرض رسوم بالدولار يتجاوز صلاحياتها، لأن هذا الملف من اختصاص وزارة المالية، ويجب أن يخضع للنقاش ضمن لجنة اقتصادية وبمشاركة أصحاب معامل الأدوية، لضمان اتخاذ قرارات واقعية وعادلة".

 كما انتقد بشدة "فرض الرسوم بالدولار على معامل تنتج أدويتها محلياً وتُسعّر بالليرة السورية"، واصفاً ذلك بأنه "يشكل عبئاً غير منطقي على قطاع يعاني أصلاً ضغوطاً كبيرة".

وأكد أن "هذه السياسات لا تهدد فقط الصناعيين، بل تمس بشكل مباشر الأمن الدوائي الوطني"، محذراً من أن "انهيار هذا القطاع سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الأدوية أو انقطاعها، ويجعل سورية أكثر اعتماداً على الاستيراد، ما يعرض حياة المرضى للخطر"، وأشار إلى أن "معظم الدول التي تُصدّر الأدوية تعفي هذا القطاع من الضرائب بهدف دعمه، في حين أن سورية تفرض ضرائب حتى على المنتجات المُصدّرة، ما يُعدّ خرقاً واضحاً لمبدأ دعم المنتج الوطني".

وأضاف أنه "رغم كل التحديات فإن معامل الأدوية تسدد ضرائب سنوية تراوح بين 33% و40% من أرباحها لصالح وزارتي المالية والشؤون الاجتماعية، وهو ما يشكّل عبئاً كبيراً على الصناعيين، خاصة في ظل غياب أي حوافز أو إعفاءات تشجيعية".

ولفت إلى أن "الصناعة الدوائية السورية كانت تصدّر أدويتها إلى 56 دولة قبل الحرب، بينما تقلّص هذا العدد اليوم إلى 26 دولة فقط، وتراجعت قيمة الصادرات من 200 مليون دولار سنوياً إلى أقل من 20 مليوناً، نتيجة الحرب والسياسات غير الداعمة".

وأكد أن "عشرات المعامل باتت مهددة بالإغلاق، مما ينذر بزيادة معدلات البطالة في بلد يعاني أصلاً ضائقة معيشية". وقال إن "المعمل الذي يمتلك 200 مستحضر دوائي، يدفع سنوياً نحو 150 ألف دولار لتجديد التراخيص، وهناك معامل تدفع ما يزيد عن 400 ألف دولار سنوياً، وهي مبالغ ضخمة لا يتحملها أي مُنتِج في ظروف كهذه"، وختم بالقول، إن "بعض المعامل دُمرت خلال الحرب، وأخرى تضررت جزئياً، وكان من الأجدر دعمها وإعفاؤها من الضرائب لتتمكن من النهوض، لا التضييق عليها بقرارات لا تخدم الصناعة، بل تُهددها، وتضع الأمن الدوائي السوري على المحك".

ارتفاع أسعار الأدوية

من جانبه، أكد الصيدلاني شهرزاد إبراهيم، أن "أسعار الدواء الحالية تعد مرتفعة جداً بالنسبة للمواطن السوري مقارنة بدخله حيث كان ينتظر انخفاضها لا العكس، وأن السوق المحلية لا تتحمل أي رفع إضافي لأسعار الأدوية"، مشيراً لـ"العربي الجديد" بـ"وجود معلومات عن دخول معامل أدوية خليجية بالاستثمار من شأنها منافسة المنتج الدوائي السوري".

من جهته، قال الخبير في الشأن الاقتصادي عامر شهدا لـ" العربي الجديد" إن "المواطن ليس لديه القدرة على شراء الدواء نتيجة ارتفاع أسعاره، وفي حال زادت الشركات الدوائية من أسعار منتجاتها بعد قرارات الرسوم الجديدة، فسينعكس ذلك على معدلات التضخم وسعر صرف العملة السورية"، مشيراً إلى أن "أسعار الدواء في سورية اقتربت من أسعار دول الجوار".

وأكد أن وزارة الصحة السورية "يجب أن تضبط أسعار الأدوية بما يتناسب مع دخل المواطن"، منتقداً في الوقت ذاته "ترك أمر رفع الأسعار لأصحاب المعامل بنسبة تفوق 100% من نسبة زيادة الرسوم"، مطالباً بـ"منع تصدير أي منتج دوائي قبل تأمين حاجة السوق المحلية بالكامل، مع ضمان الالتزام بالسعر".

 

(الدولار = 11 ألف ليرة سورية تقريباً)


 

مواضيع ذات صلة :