آراء وأقلام نُشر

لماذا يستخف الإعلام العربي بعقولنا..؟

من المؤكد أن الدعايات في الإعلام العربي بحاجة لعكاز الدراسات الأكاديمية ومعايير النزاهة الأخلاقية واحترام ذكاء المشاهد.

على امتداد سنوات من الرقابة على الإعلام، لم يتحسن المحتوى الدعائي في الوطن العربي، لا من ناحية الفكرة، ولا التنفيذ رغم توفر أحدث التقنيات والموارد المالية.

كما لا يوجد ما يشير إلى الاستناد إلى أي دراسات أكاديمية حول ربط التسويق الهادف بالاستهلاك دون استهبال المستهلك العربي.

وللأسف، غالباً ما يتم استخراج النقد من جيب الرجل كما يخرج الثعبان بفعل المزمار من سلّة الحاوي، وذلك عن طريق الإقناع «بالقوة» من قبل النصف الحلو المتخصص في إنقاذ الاقتصاد لأن المرأة هي المستهدفة في غالبية الإعلانات.

إنني أطرح هنا مثالاً متعلقاً بدعاية تلفزيونية مخصصة لحفائض الأطفال، موجهة للأمهات العربيات. يتم الترويج لها باللهجة المصرية عن طريق فضائية عربية مشهورة، لها نصيب الأسد من المشاهدة بسبب محتواها الترفيهي.

«مشهد الدعاية يعرض أم في مقتبل عمرها، ذات صحة جيدة ومظهر نظيف، وحولها مجموعة من الأطفال يرقصون. تسأل الأم في الدعاية المصحوبة بالغناء والموسيقى ابنها الصغير الذي يجيد الرقص، والالتفاف، والتصفيق، والغناء، وفمه ممتلئ بالأسنان رغم ارتداءه الحفاضة.. » إيه الحفاضة اللي تريحك يا طفلي؟ فيرد الطفل الذي يصفع الحفاضة الملتصقة بمؤخرته وهو يرقص فرحاً، مجيباً على سؤال والدته ذاكراً الاسم التجاري للحفائض المعلن عنها.

مثل هذه الدعاية التي تستهين بذكاء المشاهد العربي وتدلدل لسانها استخفافاً به، ترسل بأكثر من رسالة إعلامية ضمنية. من أهمها، أنه من المقبول أن تمنح المرأة ساعات من وقتها للعناية بمظهرها العام، لكن من الصعب عليها أن تمنح طفلها الذي أصبح في سن يسمح له بالرقص والغناء، وأضحى خبيراً في أنواع الحفائض، بضعة دقائق من وقتها لتدريبه على استخدام المرحاض.

الرسالة الإعلامية المختفية بين الصورة والنصّ تشير إلى أنه من المقبول أن يتمتع الطفل بذكاء وقدرات تمكنه من فهم السؤال، والإجابة عليه، وكأن مؤخرته حقل للتجارب على الأسماء التجارية للحفائض، حيث يمتلك الطفل الحكمة والخبرة للتمييز بين العلامات التجارية ليذكر اسم المنتج الذي يلائم مؤخرته. لكن هذا الطفل الخارق القدرات ذاته، يتعذر عليه أن يلفظ أي لفظ بسيط تستخدمه الأمهات لتعليم أطفالهن كيف يعبرون عن حاجتهم إلى الذهاب إلى المرحاض.

مثل هذه الدعاية لا تعتبر إساءة شديدة للطفولة واستخدامهم كأدوات للتسويق فقط، بل تعتبر أيضاً وسيلة لتكريس المزيد من كسل الأمهات، وتشجيعهن بالتنويم المغناطيسي الدعائي على إهمال أولادهن عن طريق رسالة إعلامية مسمومة، مفادها أنه لا بأس من أن يصل الطفل إلى سن تبدو فيها أنيابه الواضحة، قابلة لتمزيق كتف خروف، وفي نفس الوقت أن تبقى مؤخرته مدرعة بالحفائض لأطول سنوات ممكنة، لاختصار وقت وجهد الأمهات ولتوفير المزيد من الوقت الممنوح لهن لطلاء أظفارهن.

لا أستبعد أبداً أن تكون الأم المستهدفة في مثل هذه الدعايات تعيش مستوى من الرفاهية يسمح بوجود خادمة أيضاً تقوم بمهمة تغيير الحفائض، لأن تغيير الحفائض أصبح على ما يبدو مهمة استراتيجية غاية في التعقيد، ولا تجيد لصق شرائطها امرأة عادية القدرات والمواهب.

الرسالة الدعائية المدسوسة بين السطور تشير إلى أن المرأة التي تعرف كيف تصطاد بأنوثتها رجلاً وتقنعه بالزواج منها، وتحمل منه وتضع طفله، لا تعرف كيف تقنع طفلها باستخدام مقعد التواليت المخصص للأطفال. للأسف هناك عشرات الدعايات والإعلانات للأسماء التجارية للحفائض في الإعلام العربي، لكن لا يوجد دعاية واحده لمقعد الحمام المخصص للأطفال.

الأم ليست مجرد وعاء، ورحم المرأة ليس شقة مفروشة بعقد مؤقت مدته تسعة شهور، والزواج ليس بنزهة مفتوحة المدة. الأمومة كالأبوة، هي مسؤولية وأمانة كبرى.

وعلى من لديها أي شك بقدراتها على تحمل عبء تشكيل شخصية طفل، أو من تشك بقدراتها على منح طفلها الوقت ليتعلم الضروريات، أن لا تجري لاهثة خلف الثوب الأبيض.

وعلى المشاهد العربي مسؤولية الإشارة بإصبع الانتقاد لفضح كل عمل إعلامي تافه أو غير متقن، ينتقص من احترام ذكاءه ويستغبيه.


 

مواضيع ذات صلة :