آراء وأقلام نُشر

أزمة المشتقات النفطية: الأسباب و الحلول!

من المعيب في حق النخب السياسية ( سلطة و معارضة) استخدام معانات الناس كوسيلة للكسب السياسي الرخيص. فليس صحيحا ان انعدام المشتقات النفطية في اليمن هو بسبب تعمد السلطة إخفاءها من الأسواق كما تدعي ذلك أحزاب اللقاء المشترك. و كذلك فليس صحيحا ان ذلك بسبب الاعتصامات كما يدعي ذلك المؤتمر. و لكن الصحيح هو ان سوء الإدارة يمثل السبب الأساسي لازمة المشتقات النفطية في اليمن.
فمن الواضح الجلي ان هذه المهاترات بين الطرفين قد أضافت إلى معانات الناس الشي الكثير. فقد تسببت استعداء بعض مكونات المجتمع للبعض الأخر. و ما كان ينبغي ان يحدث ذلك لو كان هناك حرص من الطرفين على مشاعر الناس. و لكن غياب ذلك فقد استمراء الطرفان التمتع بتبادل الاتهامات و ان كان ذلك على حساب مشاعر الناس العادين. و كذلك فلو كان هناك إحساس وطني لديهما لبادرا لمناقشة الأسباب الحقيقة و الحلول المقترحة و عدم ربط ذلك بالصراع السياسي القائم بينهما.
انه لا يمكن تبرير تصرف الطرفين على هذا النحو فما ترتب على السماح لهذه الأزمة بالتفاقم على الناس جميعا ليس بالهين. فالمشتقات النفطية سلعة أساسية و إستراتيجية بكل المقاييس و المعايير. فعليها يعتمد نقل المواد الغذائية و حفظها و إعدادها. و بالتالي فان عدم توفرها يؤثر و بشكل كبير على غذاء الناس و خصوصا الفقراء منها. و كذلك فان ذلك يؤثر على تواصل الناس و تنقلاتهم و خصوصا المرضى منهم و الذين يتأثرون بالإضافة الي ذلك من خلال اضطراب الخدمات الصحية المقدمة لهم مما يؤثر ذلك سلبا على حياتهم و آلامهم.
و كذلك فانه لا يخفى على احد أهمية المشتقات النفطية كمادة إستراتيجية مؤثرة على مجمل النشاط الاقتصادي. فالمصانع لا تعمل بدون توفر هذه المواد و بالتالي فان غيابها يعني توفقها مما يعني تسريح العاملين فيها و خلو الأسواق من منتجاتها. فالمزارع تعتمد على المشتقات النفطية في ري المزروعات و في حصادها و في نقلها إلى الأسواق و في حفظها و لا شك ان انعدامها يؤثر سلبيا على المزارعين و العامين و المستهلكين.
وتعتمد المؤسسات الحكومية على هذه المشتقات بشكل كبير في القيام بمهامها. فانعدامها يؤثر على تواجد العاملين فيها و على تكاليف تنقلاتهم و تنقلات المستفيدين و على دخولهم الحقيقية. و في دولة يعاني من ظاهرة الفقر المدقع فيها ما لا يزيد عن 50% من سكانها ان ذلك سيعمل على توسعها لتشمل ما لا يقل عن 80% من السكان.
وإذا كان الأمر على هذا النحو فانه كان على جميع القوى السياسية اخذ ذلك بالجديدة التي يستحقها. و لو تحقق ذلك لجعلها تتعامل مع هذه الأزمة على اعتبارها أولوية قصوى على اي شيء أخر مثل الثورة أو المشاركة في السلطة أو اي اعتبار أخر.
ان السبب الرئيسي في نظر لهذه الأزمة هو سوء الإدارة فيما يتعلق في إدارة عملية تسويق النفط الخام و تكريره و خزنة توزيعه. و لذلك فان حلها لا يمكن ان يتحقق إلا من خلال إصلاح إدارة المشتقات النفطية. فإدارتها في الوقت الحاضر يتم وفقا لترتيبات قديمة كنت جزاء منها عندما كنت و كيلا لوزارة المالية. و تقوم هذه الترتيبات على أساس ان يتم بيع نفط مأرب الخام لمصافي عدن بالسعر الدولي و لكن المصافي لا تسدد قيمة ذلك فورا. فتقوم المصافي بتكريره و بيعه دينا إلى شركة النفط بالأسعار الدولية زائدا مبلغا لتعويض المصافي عن الفاقد في عملية التكرير نظرا لقدم المصافي و لتضخم نفقاته و عماله. و بعد ان تقوم شركة النفط بشراء المشتقات من المصافي تقوم بتوزيعه و بيعه لمحاطات التوزيع الخاصة و إلى المؤسسات الحكومية مباشرة. و تقوم بعد ذلك بتحصيل قيمته بالسعر المحدد من قبل الدولة. و تقوم بعد خصم نسب العمولات للمحطات و نسبة الشركة تورد الصافي إلى حساب وزارة المالية.
ووفقا لهذه الترتيبات يتم تشكيل لجنة في كل شهر من وزارة المالية و مصافي عدن و شركة النفط لعمل التسويات اللازمة بين الإطراف الثالثة دفتريا. و تقوم وزارة المالية نتيجة لذلك بتغطية الفارق بين السعر الدولي للمشتقات والمبالغ المحصلة. تتم هذه التسويات محاسبيا و دفتريا. و بمقتضى ذلك فان وزارة المالية تعكس الفارق من حساب دعم المشتقات إلى حساب الحكومة العامة.
لقد كانت هذه الترتيبات ضرورة في ذلك الوقت و لذلك فقد كانت مؤقتة. ولذلك فقد كان يجب تطويرها منذ زمن طويل. و بالفعل فقد حاولت فعل ذلك عندما توليت مسئولية وزارة المالية و لكن لقصر فترة بقائي فيها لم اتكمن من انجاز ذلك. و لسوء الحظ فقد توقفت هذه الجهود بعد خروجي منها.
لقد كان تطوير هذه الترتيبات ضروريا لتلافي الفجوات التي ظهرت عند تطبيقها و المتمثلة في طول فترة المحاسبة و في التراكمات لدى الجهات الحكومية و خصوصا لدى وزارة الكهرباء و الجيش و بعض الجهات الحكومية.
و قد كان تطوير هذه الترتيبات ضروري لتلافي حدوث أزمات متكررة في المشتقات النفطية. فالتطبيق الحرفي لها هو الذي تسبب في حدوث ألازمة الحالية كما تسبب في سابقاتها. فعندما توقف ضخ النفط من مأرب توقفت مصافي عدن عن التكرير بحجة انه ليس لديها مبالغ مالية لاستيراد النفط الخفيف من الخارج و الذي يتطلب فتح اعتمادات كافية لهذا الغرض و حملت إدارة المصفاة وزارة المالية مسئولية. و على الرغم من ذلك فلم تتحرك شركة النفط لمعالجة هذا الاختلاف بحجة انه لا يتوفر لديها هي الأخرى مبالغ كافية و لا خبرة في استراد المشتقات و لا المخازن الكافية و لا سفن الشحن و حمل إدارة الشركة كلا من مصافي عدن ووزارة المالية مسئولية ما قد يترتب على ذلك. و تجاهلت وزارة المالية الأمر بحجة انه ليس لديها مخصصات لذلك
و من وجهة نظري فان وزارة المالية تتحمل الجزء الأكبر من المسئولية لأنه لديها مخصصات للدعم كان يمكن ان تستخدم لتوفير اعتمادات الاستيراد المشتقات النفطية إما من خلال مصافي عدن وأما من خلال شركة النفط لو وفرت لها الاعتمادات الكافية من حساب مخصصات الدعم. صحيح ان ذلك كان يتطلب تغير الترتيبات الحالية لكن ذلك كان ممكنا. فالترتيبات الحالية قد أعدتها وزارة المالية و صدرت بقرار من وزير المالية.
وألان و بعد حدوث هذه الأزمة و التي تعد الأخطر من نوعها فان تطوير الترتيبات أصبح ضروريا لمعالجة هذه الأزمة و منع حدوث ما يشبهها في المستقبل. إذ لو تم تطويرها لتم معالجة هذه الفجوات و لا تم تجنب الأزمة الحالية.
و في هذا الإطار فاني اقترح ان يتم تطوير الترتيبات على ثلاث مراحل. على ان يتم الحرص على التناسق بينها من ألان بحيث يترتب على الانتهاء من المرحلة الأولى الدخول في المرحلة الثانية و بدون توقف.
في المرحلة الأولى يجب على وزارة المالية توفير الاعتمادات الضرورية لمصافي عدن كي يكون قادرا على استيراد الفارق بين طاقته الإنتاجية و الاحتياج الفعلي. فلا شك ان الاحتياج الفعلي بعد الأزمة سيكون اكبر من الاحتياج العادي و لكن توفير ذلك ضروري من اجل تحقيق الاستقرار في هذا السوق.
وفي المرحلة الثانية يجب تحميل شركة النفط مسئولية شراء المشتقات النقطة بدلا من مصافي عدن سواء من مصافي عدن أو استردادها من الخارج. و يمكن استغلال حاصل بيع المشتقات الناتجة من هدية المملكة العربية السعودية من النفط الخام و هدية دولة الإمارة لتمويل عمليات استيراد شركة النفط بدلا من توريدها إلى حساب الحكومة العام. و كذلك فانه يجب إعادة هيكلية شركة النفط من كل النواحي الإدارية و البنية التحتية و التمويلية.
و في المرحلة الثالث يجب تأهيل القطاع الخاص لتولي عملية الشراء من المصافي أو الاستيراد من الخارج. فمن الواضح ان عملية التأهيل ستكون أسهل في حال تحرير اسعار المشتقات النفطية و لكنها ممكنة حتى في ظل بقاء أسعارها مدعومة في ظل ترتيبات معينة
فمن اجل منع حدوث اي أزمة للمشتقات النفطية وإلى الأبد فانه لا بد من تمكين القطاع الخاص من القيام بمهمة شراء و توزيع واستيراد هذه المشتقات. فلو كان ذلك مجودا في الوقت الحاضر لما كانت هذه ألازمة بنفس الحدة. صحيح ان اسعار المشتقات النفطية سترتفع إلى مستوى الأسعار الدولية لكنها ستكون متوفرة. في هذه الحالة فانه لن يكون هناك سوق سوداء تبيع المشتقات النفطية بأسعار جنونية و لن يكون هناك طوابير طويلة. و ما من شك بان هذا الوضع أفضل بكثير من الوضع الحالي.
آلا هل بلغت اللهم فاشهد!


 


 

مواضيع ذات صلة :