آراء وأقلام نُشر

من جديد.. الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد

 كانت ولا تزال الدول المانحة والداعمة لليمن حريصةعلى دعم أنشطة من شأنها تعزيز الشفافية والتقليل من نسبة الفساد المالي والإداري الموجود في اليمن، حيث مارست ضغوطاً مختلفة على النظام السابق من أجل اتخاذ إصلاحات اقتصاديةومالية وقضائية وربطت إمكانية تدفق المساعدات الدولية بمدى قدرة اليمن على التقليل من وجود الفساد في مختلف المجالات، ولهذا اضطر الرئيس السابق لإنشاء ما سمي بالهيئةالوطنية العليا لمكافحة الفساد بموجب القانون رقم 39 لسنة 2006 على أنها أعلى هيئةوطنية مستقلة في الجمهورية اليمنية لها صلاحيات قانونية في مكافحة الفساد وتعقب ممارسيه.

تم إنشاء الهيئة من أجل العمل خلال اتجاهين متلازمين  لمكافحة الفساد، يتمثل الأول بالجانب الوقائي وذلك من خلال التوعية والتثقيف للمجتمع.أما الاتجاه الثاني فيتمثل بالجانب العلاجي وذلك من خلال التحري والتحقيق في قضاياالفساد.

وإذا ما حاولنا تقييم أداء الهيئة خلال السنوات الماضية، سنجد أنها لم تقدم شيئاً يستحق مقارنة بما كان يتوقعه الناس منها. كان أداؤهاضعيفاً فيما يخص جانب التوعية الوقائية والتعريف بقوانين مكافحة الفساد ومخاطره وتأثيراته السلبية على التنمية. أما في الجانب العلاجي المتمثل بالتحقيق في قضايا الفساد الكبيرةالتي تم إبلاغ الهيئة بها منذ سنوات فقد فشلت فشلاً ذريعاً. 

هناك أسباب كثيرة أدت إلى عدم فاعلية هيئة مكافحةالفساد، على رأسها، وجود فساد في الهيئة نفسها. إضافة إلى عدم استقلاليتها وتأثرها المباشر بالمناخ السياسي المتقلب والمسيطر على الأجواء اليمنية منذ سنوات. 

أيضاً من العوامل التي أدت إلى إضعاف أداء هيئةمكافحة الفساد، عدم توظيف كفاءات متخصصة ونزيهة وكافية. فمن غير المنطقي أن تمارس الهيئةالوطنية العليا لمكافحة الفساد مهامها المتمثلة بالتحقيق والتحري في قضايا فساد بملايين الدولارات وإرجاع هذه الأموال لخزينة الدولة وذلك بواسطة خمسة أفراد يقومون بمهمة التحري،وستة آخرين من النيابة العامة للتحقيق، وقاضي واحد يحكم في قضايا فساد عملاقة..! 

إن عدم وجود إرادة سياسية صادقة في مكافحة الفسادالمستشري في اليمن؛ أفرغ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من مضمونها، فأصبحت بلا أهميةولا تأثير، فهي لا تملك قرارها ولا تستطيع محاسبة كثير من الشخصيات المتنفذة والناهبةللمال العام وإعادة ما نهبوه لخزينة الدولة. 

ولهذا عندما أحالت الهيئة قضية رجل أعمال معروف إلى القضاء وهي قضية مثبتة بالدلائل والإثباتات (كما يقول بعض أعضاء الهيئة وتشير بعض التقارير الصحفية)؛ قام قاضي الهيئة بتبرئته، بل إن المتهم رفع دعوى قضائية ضد الهيئةبتهمة التشهير وتم تغريم هيئة مكافحة الفساد حوالي 200 مليون ريال مما دفع الهيئة إلىاستئناف الحكم..! 

هناك أمثلة كثيرة تثبت بأن وجود الهيئة لا يعني الكثير بالنسبة لمن يرتكبون جرائم الفساد..!! لأكثر من مرة تصدر الهيئة مذكرات تمنع سفر بعض الشخصيات النافذة المتهمة بقضايا فساد كبيرة، لكن هؤلاء المتهمين حتى اليوم يخرجون عبر المطارات ويتجولون حول العالم..! 

أما ما يخص إقرارات الذمة المالية، فمنذ عام2008 وأعضاء الهيئة يهددون بنشر أسماء شخصيات ترفض تقديم إقراراتها الرسمية بشأن الذمةالمالية إلى الهيئة رافضين بذلك تنفيذ القانون الخاص بإقرار الذمة المالية.. لكنهاإلى اليوم لا تمتلك الشجاعة التي تمكنها من نشر حتى اسم متخلف واحد..! 

عن الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، هناك تفاصيل تشيب الرأس، لكن الجديد أنها مُقدمة خلال الأسابيع القادمة على عملية تجديدوتغيير أعضائها ال 11 بعد خمس سنوات من الفشل .! 

518 شخصا (كثير منهم وكلاء وزارات ومعروفين بالفساد والفشل) رشحوا أنفسهم لعضوية الهيئة للمرحلة القادمة..!تأملوا.. 518 شخصاً شغروا مناصب حكومية وغير حكومية في السابق يريدون اليوم مكافحةالفساد في اليمن..!! لو حرص نصفهم في السابق على مكافحة الفساد في مرافقهم وأماكنهم لكان وضعنا أفضل ولما احتجنا  لهيئة وطنية لمكافحة الفساد أو لثورة تغيير..! أعتقد أن السبب الرئيسي لتهافت كثير من الشخصيات على عضوية الهيئة، هو أن هذه العضوية أبسط طريقةللإثراء السريع.. فمرتب العضو الواحد 749000 ريال شهرياً.. (هذا المرتب الأساسي فقط غير البدلات والمكافَآت الكبيرة والسفريات إلى أنحاء العالم)..! 

أكثر ما يهمني في هذه النقطة، هو أني كمواطن يمني أملك الحق في أن أعرف ما هي الآلية والمعايير التي يتم من خلالها اختيار 11 عضواً من بين 518 متقدماً..! أما إذا كانوا سيوزعون مقاعد الأعضاء ال11 على أساس المحاصصة الحزبيةوبعيدا عن الكفاءة والنزاهة؛ فعلى الدنيا السلام.. أُفضّل في هذه الحالة إلغاء الهيئةنهائياً، فهي إلى الآن لم تقدم لنا جديداً..!


صحيفة مال وأعمال العدد (99) 27 يونيو 2012م


 

مواضيع ذات صلة :