آراء وأقلام نُشر

الإدارة والمسئولية

 

ذلك أنه في مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي قد انطلقت الثورات في أوطانها تحت الشعار القومي العربي الاشتراكي الديمقراطي.

وكان القائمون بتلك الثورات يحلمون في بناء الغد العربي الوحدوي لكن الأداة التي وجدوها أمامهم لتحقيق مثل هذا الحلم أداة غير مناسبة للواقع المنظور، ما بالكم عن الواقع المؤجل حدوثه، ولهذا كانت النتيجة كارثية للدولة الوطنية والقومية.

المنظرون للثورات القومية العربية، الاشتراكية، الديمقراطية الوحدوية كانوا يتلمسون الواقع القومي لثورات أوروبا في القرن الثامن والتاسع عشر ولم يدركوا أن الديناميكية الأوروبية متفاعلة وقادرة على التطور التكنولوجي، المنظور البنائي الاجتماعي السياسي، وفي نفس الوقت ديناميكية تفصل بين التنظير للسياسات القومية والفوق قومية وبين الإدارة الوطنية المتطورة والقابضة لسير الحياة في المصانع والمتأجر والإدارات الحكومية وإدارة الشركات والبنوك وغير ذلك.

فالإدارة هي التي بنت ألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية لأن الإدارة تمتلك قدرات الدفع بعجلة النمو المعرفي والتكنولوجي والتطبيق العملي، كما تمتلك وضوح الرؤية للمستقبل.

الإدارة تنطلق أيضاً من مشروعية القانون فالكل محكوم بالقانون وفي نفس الوقت تسمح بانطلاق الإبداع في كل مجال وتفسح للمبدعين الطريق في بلورة مشاريعهم.

الإدارة مرتبطة بالشفافية في ممارسة أعمالها وفي تنفيذ مشروعاتها وفي ضمان حقوق العاملين بها.

الإدارة تقبل بالرأي والرأي الآخر وتدعم كل الخيارات وتتيحها أمام العاملين حتى تتحقق لهم الحرية التي هي في جوهرها تتمثل في أن يحقق كل فرد الاختيار المناسب له من جملة اختيارات أمامه، لأن من لا يجد إلا اختياراً واحداً إما كذا أو كذا فهو ليس حراً وإنما هو مضطر وفي الاضطرار عدم القناعة والإحساس بالقهر.

الإدارة ترتكز على المعلومات الصحيحة لتخطيط المشاريع التنموية وتضعها أمام المستثمرين وأمام الرجال المغامرين المبدعين الذين يجدون ضالتهم في تلك المشاريع المدروسة والمخططة والقائمة على المعلومات الإحصائية الصحيحة.

الإدارة تتعامل مع رجال المال والأعمال المبدعين بمنطلق الرعاية والتوجيه والرقابة، الرعاية في التشجيع لهم في منحهم الضمانات القانونية والامتيازات ومنحهم الوقت اللازم والمناسب لتنفيذ مشروعاتهم وإعداد وتأهيل الكادر البشري الوطني الذي ستقوم عليه تلك المشاريع تأهيلاً علمياً وعملياً وفكرياً ليكون ولاء العامل لله والوطن ولشركته التي يعمل فيها فيخلص ويتقن عمله ويطور من خبراته.

الإدارة: تعني القدرة على الإحاطة بمواقع الثروات الطبيعية ومعرفة جدواها والتوجيه في استيعاب القدرات البشرية المؤهلة من الشباب والشابات على المدى القريب المنظور والمدى البعيد المرتبط بالنمو السكاني بحيث يجد أبناء اليوم وأبناء الغد مواقع لهم في العمل والإنتاج وفي الحياة الحرة الكريمة، فضلاً عن مسئولية الإدارة في الرقابة على حماية البيئة لتظل صالحة للعطاء وللحياة.

الإدارة هي الدولة بكل ما تمثله من أرض وإنسان ونظام اجتماعي واقتصادي فإذا استطاع الساسة أن يهيئوا المناخ للإدارة المدنية بكل أبعادها لتكون الإدارة قائدة للحياة فإن المستقبل المشرق لليمن الأرض والإنسان واضح أمام أعيننا وعلينا التوجه نحو بناء الثقة بين الحاكم والمحكوم وتعزيز مشروعية الدولة الوطنية المدنية القانونية وسنصل إلى بر الأمان.


 

مواضيع ذات صلة :