آراء وأقلام نُشر

تذليل الصعوبات والعوائق أمام العمالة اليمنية في اسواق العمل الخليجية

 

 

تحتل قضية الهجرة والمهاجرين أهمية متزايدة على المستوى الدولي وفي العلاقات الدولية نظراً لاتساع وتنوع الآثار الاقتصادية الناتجة عنها،على المستوى الاقتصادي والاجتماعي في الدول المستقبلة والدول المصدرة لها ،الأمر الذي ساهم في تزايد عدد المهاجرين في الوقت الحاضر،وفي جعل إنتاجيتهم ودخولهم تشكل أحد العوامل الهامة في تخفيض أعداد الفقراء وفي المساهمة في تعزيز القدرات البشرية على المستوى العالمي.

ويقدر عدد المهاجرين الدوليين بحوالي 214 مليون مهاجر في العالم في 2010،يمثلون حوالي 3% من إجمالي سكان العالم، كما ارتفعت تحويلاتهم من حوالي 132 مليار دولار عام 2000 إلى 440 مليار دولار عام 2010. ويقدر البنك الدولي حجم تحويلات المهاجرين عبر القنوات الرسمية المتدفقة للدول النامية في عام 2011بحوالي 315 مليار دولار أمريكي بزيادة 8% عن عام 2010م. ولذلك،تشكل تحويلات المهاجرين في مجملها ما يزيد عن ضعف حجم المساعدات الإنمائية التي حصلت عليها الدول النامية من جميع المصادر. 

وتعتبر دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أحد أهم المناطق، عربياً وعالمياً، من حيث حجم تشغيل العمالة الأجنبية الوافدة والتي يقدر عددها بحوالي 14 مليون وبما يزيد عن 140 جنسية جلهم من شبه القارة الهندية. ووفقا لمنظمة الهجرة العالمية يقدر عدد العمالة الأجنبية الوافدة في السعودية بــ 7.3 مليون عامل وفي دولة الإمارات العربية بــ 3.3 مليون وذلك في عام 2010م. وتشير بعض التقديرات أن العمالة الأجنبية الوافدة يشكلون ما لا يقل عن 40% من جملة السكان في السعودية والبحرين، وغالبية السكان في بعض دول المجلس، مثل قطر87% و 70% من سكان دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت. وفي عام 2010م شكلت تحويلات المهاجرين في دول مجلس التعاون الخليجي الست 58% من إجمالي تحويلات المهاجرين إلى دول جنوب أسيا ، مقابل 28% فقط من إجمالي التحويلات للدول العربية. وقد ارتفعت تحويلات العمالة الوافدة في السعودية من 26.5 مليار دولار عام 2009م إلى حوالي 27.1 مليار دولار و 28.5 مليار دولار في عامي 2010م و 2011م، وفقاً لبيانات البنك الدولي. وزادت هذه التحويلات عن 11.7 مليار دولار سنويا خلال الفترة 2009-2011م.

وفي اليمن، فإنه بالإضافة إلى ما تساهم به الهجرة الخارجية من استيعاب جزء من فائض العمالة اليمنية ومن مختلف الفئات والمناطق اليمنية، وما تساهم به تحويلاتهم المالية في توفير مصادر دخول لعائلاتهم وأسرهم، فإنها شكلت، وما تزال، مصدراً هاماً من مصادر النقد الأجنبي ولتمويل خطط التنمية في اليمن. كما ساعدت تحويلات العمال اليمنيين في دعم ميزان المدفوعات اليمني، حيث ساهمت في بعض السنوات في تحويل العجز في ميزان المدفوعات إلى فائض. فوفقا لبيانات البنك المركزي اليمني ساهم الفائض الذي حققه ميزان التحويلات الجارية، والذي زاد عن 1,548 مليون دولار في المتوسط سنوياً خلال الفترة 2000-2010م في دعم وضع الحساب الجاري، وبالتالي الميزان الكلي لميزان المدفوعات، ويرجع ذلك بصورة أساسية إلى تحويلات وعوائد المغتربين والعاملين اليمنيين في الخارج، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي. 

كما تبرز أهمية تعزيز هذه التحويلات مستقبلاً في ظل توقع استمرار عجز كلِ من ميزاني الخدمات والدخل، وكذلك توقع استمرار تذبذب وضع المساعدات الخارجية بين العجز والفائض في ظل استمرار السحب من القروض الخارجية والانخفاض النسبي في التزامات أقساط القروض، وكذلك توقع انخفاض صافي استثمار شركات النفط الأجنبية (التدفق للداخل– التدفق للخارج)، فمع بداية تشغيل مشروع الغاز الطبيعي المسال سيتم البدء بتحويل "استعادة تكاليف الإنتاج والاستثمار" إلى الخارج لحساب شركات الغاز الأجنبية.

ويتبين من خلال تحليل واستقراء مؤشرات سوق العمل الخليجي توفر العديد من فرص العمل المتنوعة التي تسمح باستيعاب العمالة اليمنية الماهرة ومحدودة المهارة وغير الماهرة وذلك لاعتبارات عديدة، يأتي في مقدمتها عدم صحة الفهم الشائع بأن سوق العمل الخليجي في حاجة فقط إلى العمالة ذات المهارات الفنية والمؤهلات العلمية العالية، حيث تشير مؤشرات سوق العمل الخليجي، بحسب المستوى التعليمي،إلى أن 86%، 74.1%، 66.7% من العمالة الوافدة المشتغلة في كل من المملكة العربية السعودية، سلطنة عمان ودولة الكويت على التوالي هم من ذوي المهارات المحدودة التي تحمل مؤهلاً علمياً دون الثانوي أو يقراً ويكتب أو أمي، وبما يمثل حوالي 82% في المتوسط من إجمالي قوة العمل الوافدة في هذه الدول الثلاث. 

وفي المملكة العربية السعودية، التي تعد الموظف الأكبر للعمالة الوافدة في سوق العمل الخليجي، تصل نسبة العمال الذين يقرأون ويكتبون فقط إلى حوالي 60.7% من إجمالي المشتغلين في القطاع الخاص، ترتفع هذه النسبة إلى حوالي 77% عند إضافة العمال الأميين. وهذا الوضع يعطى الفرصة الكاملة لاستيعاب المزيد من العمالة اليمنية، ليس فقط الماهرة وإنما أيضاً وبشكل أكبر العمالة محدودة المهارة، الأمر الذي سيلبى احتياجات أسواق العمل الخليجية، وفي الوقت نفسه المساهمة في الحد من اختناقات سوق العمل اليمني وفقاً للدراسة التي أعدتها وزارة التخطيط والتعاون الدولي في عام 2010 "رؤية لاستيعاب العمالة اليمنية في أسواق العمل بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، خاصة وأن وزارة العمل السعودية قد أكدت في مايو 2012 بأن الطلب على العمالة الوافدة سيستمر في التزايد خلال السنوات القادمة وذلك بحوالي400 ألف وظيفة سنوياً.

ونظراً للتركز الملحوظ للعمالة الوافدة المشتغلة في سوق العمل الخليجي في أنشطة التجارة والمطاعم والفنادق والإصلاح والبناء والتشييد وبنسبة تصل إلى63% من إجمالي العمالة الوافدة المشتغلة حالياً في دول المجلس (بدون الإمارات وقطر)، فإنه يمكن للعمالة اليمنية المنافسة في هذه الأنشطة بكفاءة، وبالتالي المساهمة في توظيف جزء غير بسيط من العمالة اليمنية. وينطبق الأمر نفسه عند النظر إلى توزيع العمالة الوافدة في دول المجلس بحسب قطاعات الملكية (حكومي/خاص) حيث تقدر نسبة العمالة الوافدة المشتغلة في القطاع الحكومي بحوالي 32% من إجمالي العمالة المشتغلة فيه، وبالتالي فإن هنالك إمكانية لاستيعاب العمالة اليمنية في القطاع الحكومي الذي يخضع لقرارات الحكومة بشكل مباشر، وذلك إلى جانب القطاع الخاص. 

وبالإضافة لما سبق، تتميز العمالة اليمنية عن غيرها من العمالة الوافدة في دول المجلس من عدة نواحٍ اجتماعية وأمنية وسياسية واقتصادية ودينية، فهي من ناحية أولى ستؤدي دورها في تماسك النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع الخليجي وفي المحافظة على هويته المتميزة، وثقافته الإسلامية والعربية. ومن ناحية ثانية ستساهم في تعزيز الترابط السياسي والأمني بين اليمن ودول المجلس. كما تتميز العمالة اليمنية اقتصادياً بانخفاض حجم تحويلاتها النقدية مقارنة بالعمالة الأجنبية الوافدة والتي تستنزف جزءاً كبيراً من موارد السعودية من النقد الأجنبي. ولذلك تشير وزارة العمل السعودية إلى أن كل موظف سعودي يقابله 10 موظفين وافدين يعملون وينتجون نحو 98 مليار ريال سعودي يحولونها إلى بلدانهم سنوياً وفقاً لصحيفة الحياة السعودية، الثلثاء 29 مايو 2012م.في المقابل، يتم إعادة تدوير تحويلات المغتربين والعاملين اليمنيين في دول المجلس والاستفادة منها في نفس الإقليم، الأمر الذي يساهم في تعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بين الجانبين بصورة كبيرة. 

ومع التسليم بأن دول العالم تتبنى إعادة العديد من السياسات والإجراءات لتنظيم عملية الهجرة الوافدة واستقدام العمالة الأجنبية، إلا أن نظام الكفالة في دول مجلس التعاون الخليجي يعتبر حالة خاصة. ففي إطار قوانين العمل الخليجية لا يحصل العمال المهاجرون الأجانب على تأشيرة دخول وتصريح إقامة إلا تحت رعاية أحد مواطني دول المجلس،يسمى الكفيل أو صاحب العمل الراعي، وهو الذي يكون مسئولا عن العامل الوافد ماديا وقانونياً. وعادة يستوجب على العامل الوافد التوقيع على وثيقة "عقد العمل" من وزارة العمل لهذا الغرض. وإذا ثَبُـت أن العامل الوافد قد أخل بالعقد يتعين عليه مغادرة البلاد فورا وعلى نفقته الخاصة. وتفرض نظم الكفالة كذلك،قيودا على مستويات عديدة، بما فيها القيود على حق إعادة جمع شمل الأسرة والامتناع عن دفع الأجور. 

وعلى الرغم من أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي قاطبة تستقبل في الأغلب عمالة غير عربية جلها أسيوي، إلا أن دولتي السعودية والكويت كانتا تقليدياً تستضيفان على أراضيهما في الغالب عمالة عربية في قطاعات العمل المختلفة. لكن التغيرات التي شهدتها المنطقة العربية بعد الاحتلال العراقي للكويت في أغسطس 1990م جعلت من المعطى السياسي المتغير الأساسي في تفضيل العمالة الآسيوية على العمالة العربية. وكانت العمالة اليمنية– وما تزال- هي الأكثر تضرراً، بحيث لم تتمكن رغبة القيادات السياسية الخليجية واليمنية -وفي مقدمتها مبادرة الملك عبدالله ملك المملكة العربية السعودية لاستيعاب العمالة اليمنية- في إحداث تحول حقيقي في موقف دول المجلس تجاه استيعاب العمالة اليمنية، رغم تلاشى أسباب الاحتلال ومرور الزمن، وكذلك رغم المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة العديدة التي يمكن للطرفين الحصول عليها من تيسير انتقال العمالة اليمنية واستيعابها في سوق العمل الخليجي.

ولذلك يشكل البعد السياسي التحدي الأهم والأبرز الذي يواجه العمالة اليمنية واستيعاب المزيد منها في اسواق العمل الخليجية؛ متمثلاً في عدم وجود إرادة سياسية حقيقية من قبل حكومات دول المجلس، بما في ذلك عدم وضع تصور لإطار عمل تنفيذي لتهيئة وتطوير المؤسسات التعليمية ومراكز التأهيل والتدريب لبناء قدرات قوة العمل اليمنية بما يواكب الاحتياجات المتنوعة والمتزايدة في سوق العمل الخليجي، وكذلك عدم وجود آلية محددة متفق عليها لتسهيل انتقال العمالة اليمنية واستيعابها في أسواق العمل الخليجية.في الوقت نفسه، لا سيما أن هذه العمالة لا تزال مستثناة من نظام الحصص المعتمد لاستقدام العمالة الأجنبية في بعض دول مجلس التعاون الخليجي. 

ويزيد من تعقد المشكلة، أن إجراءات الحصول على تأشيرة العمل تتسم بالتطويل والتعقيد والتكلفة العالية من خلال مرورها بسلسلة من الوسطاء والسماسرة بحيث تصل تكلفتها احيانا إلى حوالي خمسة عشر ألف ريال سعودي، خاصة في ظل نظام الكفالة واستغلالها في المضاربة ببيع وشراء تأشيرات استقدام العمال. فضلاً عن البيع الوهمي لفيز العمل وبدون أي ضمانات قانونية تؤمن بالفعل فرص العمل. كذلك يتحمل العامل اليمني حوالي 2000 ريال سعودي رسوم استقدام للتأشيرة الواحدة، فضلاً عن 200 دولار كرسوم للإقامة وتنمية الموارد. كما يتم فرض رسوم باهظة على عملية انتقال العمال من كفيل إلى آخر بمبلغ يصل إلى حوالي 4000 ريال سعودي. الأمر الذي يتجاوز إمكانيات العمال اليمنيين في تسديد تلك المبالغ خاصة وأنهم من ذوي الدخول غير المنتظمة والمحدودة جداً. 

وبشكل موجز، يمكن القول بأن من شان زيادة تدفق العمالة اليمنية في سوق العمل الخليجي أن يعمل على تعظيم المنافع للطرفين(اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي)،ومن تلك المنافع تعزيز درجة التكامل بين أسواق السلع وأسواق العمل خاصة في ظل الروابط التجارية الكبيرة بين اليمن والخليج. فزيادة تحويلات المغتربين اليمنيين تقود إلى زيادة واردات اليمن من دول الخليج ومن ثم تحسين وضع الميزان التجاري لدول الخليج وتحريك جهازها الإنتاجي بشكل أسرع. كماأن العمال اليمنيين في كثير من الأحيان يقومون بتحويل جزء كبير من دخولهم على شكل واردات سلعية من دول الخليج وذلك على عكس باقي جنسيات العمالة الوافدة التي غالبا ما تقوم بتحويل دخولها بشكل كامل إلى بلدإنها الأم بما يضر بموازين مدفوعات دول المجلس. كما أن تحسن الأوضاع المعيشية في اليمن يساعد في تعزيز أمن واستقرار المنطقة خاصة وأن اليمن تمثل العمق الاستراتيجي لدول المجلس وبوابتها الجنوبية نحو أفريقيا.


 

مواضيع ذات صلة :