الأبعاد الاستراتيجية والاقتصادية لقرارات هيكلة القوات المسلحة
بقلم / د . طـه أحمد الفسيل
يمثل "بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها" أحد أهداف الثورة اليمنية، وأحد المتطلبات والشروط الضرورية للحفاظ على المصالح الوطنية لليمن وكذلك لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، المتكاملة والشاملة. وقد ساهمت الاختلالات العديدة التي رافقت بناء القوات المسلحة خلال السنوات الماضية في تهديد المصالح الوطنية نتيجة عدم الأخذ في الاعتبار الموقع الاستراتيجي لليمن وطول سواحله البحرية، حيث تم إهمال القوات البحرية والجوية، وما ترتب على ذلك من ظهور فراغات عسكرية وأمنية في المناطق الصحراوية لليمن وفي شريطها الساحلي البحري الطويل على البحر الأحمر والمحيط الهندي، مترافقاً مع فراغ تنموي وسياسي كبير في هذه المناطق، الأمر الذي دفع - ويدفع - العديد من القوى والدول الإقليمية والدولية إلى الاستفادة من هذا الفراغ لتحقيق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية من خلال محاولتها ملء هذا الفراغ والاستفادة منه بصورة أو بأخرى. وعلى المستوى الوطني شكل ضعف وغياب الاستقرار الأمني أحد عوامل التخلف الاقتصادي والتنموي في بلادنا.
وفي هذه المقالة سنحاول إبراز، بإيجاز، الأبعاد الاستراتيجية والاقتصادية لعملية هيكلة القوات المسلحة والتي ستساهم في ضمان المصالح الوطنية لليمن على المستوى الإقليمي والدولي، على أن يتم تناول هذه الأبعاد على المستوى الوطني في الأسبوع القادم إن شاء الله.
فمن المعروف بأن مصالح القوى الإقليمية والدولية في اليمن تتسم بالتشابك والتعقد وتساهم بصورة أساسية في الدفع باتجاه تلك القوى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية وضمان استمرارها في اليمن. وبدون شك فإن عملية هيكلة القوات المسلحة على أسس وطنية سوف تساهم من ناحية في تعزيز مكانة اليمن إقليميا ودوليا، وفي الوقت نفسه حماية المصالح الوطنية لليمن. فمن ناحية أولى فإن موقع اليمن الاستراتيجي والجغرافي الفريد في جنوب الجزيرة العربية يجعل من بلادنا العمق الاستراتيجي لمنطقة الخليج العربي، التي تعتبر أهم منطقة منتجة ومصدرة للنفط والغاز الطبيعي في العالم كونها تحتوي على حوالي 62٪ من الاحتياطي العالمي المؤكد للنفط، والذي يتوقع أن يستمر إنتاجه لمدة ثمانين عاماً على الأقل، وكذلك على حوالي 40٪ من الاحتياطي المؤكد للغاز الطبيعي. كذلك تعتبر منطقة الخليج العربي سوقاً رئيسية وأساسية لمنتجات وخدمات الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك السلاح، حيث تمثل دول مجلس التعاون الخليجي الست أهم الدول المستوردة للسلاح في العالم. وبعد أن كان الصراع السياسي الأيديولوجي هو الصراع السائد في فترة الحرب الباردة، اصبح الصراع الاقتصادي وصراع المصالح يحتل المرتبة الأولى في أولويات النظام الدولي المعاصر، ولذلك أصبحت منطقة الشرق الأوسط، وبالذات منطقة الخليج العربي (بما فيها اليمن) تحتل بؤرة الاهتمام في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
ويتعزز هذا الموقع الاستراتيجي بالأهمية الجغرافية الاستراتيجية لمضيق باب المندب، والذي يشكل أحد المضايق البحرية الهامة على خريطة الملاحة العالمية لأنه المعبر الرئيسي لتدفق النفط من دول الخليج العربي إلى الدول الصناعية الكبرى (حوالي 3.5 مليون برميل يومياً) تشكل ما يزيد عن 4.2٪ من الطلب العالمي على النفط ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى حوالي 5٪ في العام 2030م.
وتشكل القرصنة البحرية في خليج عدن والتي تنامت بشكل ملحوظ منذ نهاية 2006م وما أدت إليه من انتشار عسكري واسع للسفن والمدمرات العسكرية البحرية للقوى الكبرى الإقليمية والدولية مؤشراً على مدى أهمية مضيق باب المندب في الملاحة البحرية العالمية، وفي الوقت نفسه يثير تساؤلاً حول مدى استغلال هذه القوى لظاهرة القراصنة للانتشار العسكري في هذه المنطقة البحرية في خليج عدن.
ويمثل الموقع الاستراتيجي لليمن ثروة اقتصادية وتنموية هامة لم نتمكن من الاستفادة منها حتى الآن لعوامل وأسباب محلية وخارجية، يأتي في مقدمتها المنطقة الحرة في عدن، خاصة في ظل انعدام الاستقرار الأمني والسياسي في اليمن، بما في ذلك ضعف القوات البحرية. وإذا كانت المناطق الحرة تعد إحدى الوسائل الاقتصادية والاستثمارية الرامية، وأداة من أدوات تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحفز وتنشيط النمو الاقتصادي من خلال ما تتيحه هذه المناطق من إمكانيات وفرص لاستخدام الموارد المحلية ونقل التكنولوجيا والخبرات الفنية والإدارية، وتعزيز الصادرات السلعية والخدمية والصادرات غير التقليدية، وتنشيط قطاعي النقل والخدمات، ومن خلق لفرص عمل جديدة ومن رفع وتحسين مهارات العمالة الوطنية. فإن الموقع الجغرافي يشكل أحد أهم مقومات نجاح هذه المناطق. وتاريخياً، تعتبر المنطقة الحرة في عدن من أقدم وأهم المناطق الحرة، حيث تم إعلان ميناء عدن ميناءً حراً في عام 1850م، ليصبح في مطلع عقد الستينيات من القرن العشرين ثاني أهم ميناء في العالم بعد ميناء نيويورك، وذلك قبل الانقطاع الحضاري الذي حدث بعد عام 1967م.
ولذلك يمكن أن تشكل المنطقة الحرة في عدن فرصة اقتصادية واستثمارية لليمن إذا ما توفرت لها عوامل الأمن والاستقرار وكذلك الأمر نفسه بالنسبة للجزر العديدة سواء في البحر الأحمر أو المحيط الهندي. يضاف إلى ذلك تشكل خدمات نقل النفط من دول الخليج العربي أحد مقومات تكامل اليمن مع هذه الدول.
يضاف إلى ذلك فإن طول الساحل اليمني بثرواته السمكية والأحياء البحرية ثروة اقتصادية وغذائية كبيرة لليمن أصبحت مطمعاً لكل السفن التي تأتيها من كل اتجاه في ظل غياب قوات بحرية قوية. كذلك اصبحت اليمن معبراً لتهريب البشر والسلع الممنوعة بما في ذلك المخدرات، الأمر الذي دفع بعض دول الجوار لإقامة الحواجز والموانع على حدودها مع بلادنا. وبدون شك فإن الفراغ الأمني برا وبحرا في بلادنا أحد الأسباب والدوافع لذلك.
كذلك، سوف تساهم إعادة بناء قواتنا المسلحة في تقليل مخاطر الصراعات الإقليمية مع المصالح الغربية التي جعلت من اليمن إحدى ساحاتها، مما انعكس سلباً على اليمن سياسياً واقتصادياً وساهم في تقويض أمنها واستقرارها. ويشكل الصراع الإيراني مع الدول الغربية مثالاً على ذلك. فإيران تسعى إلى فرض هيمنتها على منطقة الخليج العربي (تطلق عليه إيران "الخليج الفارسي")، ومواجهة النفوذ والوجود العسكري الأمريكي والغربي في المنطقة. في المقابل تركزت اهتمامات السياسة الأمريكية منذ العام 1949م على حماية مصالحها الاقتصادية والنفطية في منطقة الخليج العربي لضمان السيطرة على سوق النفط العالمي، وبالتالي العمل على منع وجود قوات معادية للولايات المتحدة الأمريكية وتهديدات محتملة للمنطقة، داخلية أو خارجية، قد تؤثر على إمدادات النفط والغاز أو تسيطر على نفط هذه المنطقة. وفي ظل تنامي الصراع الإيراني الأمريكي وتزايد القدرة النووية والعسكرية الإيرانية، أصبح الخطر الإيراني يشكل تهديداً مباشراً على استقرار دول منطقة الخليج العربي خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين.
وفي ظل تنامي هذا الخطر وحالة الاستقطاب الإقليمي الذي تشهده المنطقة العربية والعلاقات الوثيقة التي تربط اليمن بالولايات المتحدة والدول الغربية عموماً وجدت إيران ضالتها في اليمن، كون تدخلها يحقق لها ثلاثة أهداف في وقت واحـد تتمثل في؛ تهديد أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، وتهديد مصالح الولايات المتحدة من أجل أن تدفعها إلى تقديم تنازلات جوهرية فيما يتعلق بحق إيران في امتلاك الطاقة النووية والاعتراف كذلك بحقها في لعب دور سياسي في المنطقة.
ويتمثل الهدف الثالث في محاولة إيران وبعض القوى الغربية في إضعاف قوة الدولة اليمنية اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً باعتبارها تشكل البعد الاستراتيجي والمخزون البشري لدول مجلس التعاون الخليجي الست، حيث ترى في التقارب اليمني الخليجي تهديداً لمصالحها الاقتصادية والسياسية.
كلنا أمل بأن تشكل قرارات الأخ رئيس الجمهورية نقطة تحول جوهرية في بناء يمن قوي وقادر على تحقيق مصالح اليمن الوطنية والحفاظ عليها، وأن يحفظ بلادنا من طمع الطامعين ويجعل كيدهم في نحورهم، إنه على ما يشاء قدير. "إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الله العظيم.
موقع معلوماتي ترويجي وخدمي؛ تأسس عام 2004 يواكب جديد الشركات والأعمال ويهتم بالأخبار الاقتصادية في كافة المجالات.. من : مؤسسة الاستثمار للصحافة والتنمية
الاستثمار نت :
من نحن؟
تواصل معنا
هيئة التحرير
محرك بحث دولي للأخبار الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وأطلق في أكتوبر 2017