القضايا الاقتصادية التنموية على طاولة الحوار الوطني ومشروع الدستور اليمني الجديد
بقلم / د . طـه أحمد الفسيل
وفي إطار التفاعل الوطني مع جهود اعضاء الحوار الوطني، وخاصة فريق التنمية، واستنادا إلى تصريحات أمين عام مؤتمر الحوار التي اشار فيها إلى أن مخرجات هذا الحوار ستشكل أساس الدستور اليمني الجديد، وهو أمر في غاية الأهمية، فإن من واجبنا الإشارة إلى أنه رغم أهمية المواضيع التي تم بموجبها تقسيم فريق التنمية المستدامة إلى أربع مجموعات، فإن هذه المواضيع وهذا التقسيم يعد تالياً لقضايا ومسائل أساسية في خطوتين سابقتين لكل المواضيع والقضايا الاقتصادية والتنموية، بما في قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية:
الخطوة الأولى تتمثل في تواصل المتحاورين إلى توافق مجتمعي وسياسي وطني حول طبيعة الأهداف الاقتصادية التنموية والاجتماعية التي يتوخاها غالبية الشعب وتلبي أمالهم وتطلعاتهم، استناداً إلى التشخيص العلمي والموضوعي لطبيعة أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والتحديات والمشاكل التي تواجهنا، وبعد ذلك يتم تحديد الأسس والمبادئ الاقتصادية للنظام الاقتصادي اليمني والتي من شأنها المساهمة في تحقيق تلك الأهداف، على أن تتم ترجمتها لاحقاً في مشروع الدستور اليمني الجديد. بعبارة أخرى يتم اختيار النموذج بناء على الأهداف التي تم تحديدها والتوافق عليها وليس قبلها، بحيث يتم اختيار نموذج اقتصادي تنموي بديل غير النظام الرأسمالي الليبرالي الحر. ويمكن أن يمتد الأمر إلى تحديد الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، بحيث تعكس بصورة أساسية تطلعات اليمنيين وتضحياتهم كأفراد وكمجتمع.
وبناء على ذلك، تتمثل الخطوة الثانية في اختيار النظام الاقتصادي. ونعتقد بأن ممثلي الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية الممثلة في مؤتمر الحوار الوطني أمام ثلاثة خيارات رئيسية، يتضمن الأول التوافق على تحديد هوية الاقتصاد اليمني في نظام اقتصاد السوق الاجتماعي البيئي نظراً لما يتميز به من مرونة ومن توازن بين الكفاء الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وبكونه نظام غير إيديولوجي، وأنه يتضمن آليات السوق الحر التي تتفق مع توجهات مجتمع المانحين لليمن. وينطبق الأمر نفسه بالنسبة لنموذج التنمية المستدامة، الشاملة والعادلة. والخيار الثاني يتمثل في بذل الجهود لتطوير نموذج خاص باليمن، بينما يتمثل الخيار الثالث في عدم تحديد شكل النظام الاقتصادي اليمني بصورة محددة في الدستور اليمني الجديد، وإنما يمكن تحديد المقومات الأساسية للنظام الاقتصادي التنموي اليمني المقترح، وبحيث تتسم هذه المقومات من ناحية بالتجانس والتكامل فيما بينها، وتحقق من ناحية أخرى آمال وطموحات الشعب اليمني وتطلعاته لحياة كريمة. ومن بين القضايا والمسائل التي يجب تضمنها في هذه المقومات، تحديد الأهداف الاقتصادية التنموية والاجتماعية المتوخاة، وكذلك طبيعة الأدوار الاقتصادية الاجتماعية والتنموية للدولة، القطاع الخاص والمجتمع المدني، وملكية الثروات والموارد الطبيعية وكيفية الاستفادة منها، جوانب العدالة الاجتماعية، وتقسيم السلطات الاقتصادية. ويستند الخيار الثالث المقترح إلى ما يلي :
> إن الاختلافات والخلافات بين الأنظمة الاقتصادية في العالم لم تعد حالياً جوهرية وإيديولوجية بحيث اصبح التقارب فيما بينها كبيراً، وأن معظمها يتراوح في الوسط وبعضها يجنح لليمين والبعض الآخر لليسار.
> إن ذلك سوف يحد من الخلافات بين الأحزاب والقوى السياسية اليمنية، بما في ذلك حسم الجدل حول نظام الاقتصاد الإسلامي المطروح من قبل بعض الأحزاب والقوى السياسية.
> هناك العديد من المبادئ والأركان التي لا يوجد خلاف حولها بين هذه الأحزاب والقوى مثل العدالة الاجتماعية، الملكية الفردية، أهمية القطاع الخاص، تحديد أدوار الدولة والقطاعين الخاص والمجتمع المدني، اقتصادياً واجتماعياً وتنموياً، وكذلك تكامل دور الدولة مع أدوار القطاعين الخاص والمدني.
> المرونة وعدم الجمود، وبالتالي سهولة التوصل إلى اتفاق حول المبادئ والأركان العامة لشكل النظام الاقتصادي المأمول لليمن الجديد.
ونظراً لطبيعة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسة في اليمن نرى أهمية تحديد الأهداف الاقتصادية التنموية والاجتماعية المنشودة، وبعد ذلك يتم تحديد شكل النظام الاقتصادي الذي سيتم التوافق عليه (أو على الأقل ملامح هذا النظام)، كون ذلك سيحد من الاختلالات والاختلافات مستقبلاً. كذلك، يتطلب النموذج الاقتصادي التنموي الجديد التزاماً دستورياً من قبل الدولة بالتنمية والعدالة الاجتماعية، والفاعلية الاقتصادية التنموية. ايضاً، من الأهمية تحديد نصوص الدستور اليمني الجديد بصورة واضحة وجلية طبيعة الأدوار الاقتصادية والاجتماعية والتنموية لكلاً من الدولة (بما في ذلك مسئوليتها الاقتصادية والاجتماعية في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين ومحدودي الدخل وتقديم الخدمات الاجتماعية والخدمات الخاصة بالمرافق)، وكذلك القطاع الخاص والملكية الفردية، ثم دور المجتمع المدني.
وفي هذه القضية، نخلص إلى أنه بغض النظر عن شكل النظام الاقتصادي الذي سيتم التوافق عليه لليمن الجديد وتسميته، فإن الأهم يتمثل في أن يكون النظام المختار قادراً على معالجة الاختلالات الاقتصادية وتحقيق تنمية مستدامة، وفي الوقت نفسه موجها نحو التوظيف والتخفيف من الفقر، محققاً للعدالة الاجتماعية بكافة مكوناتها بما في ذلك ارتباط النمو الاقتصادي بالعدالة التوزيعية، الأمر الذي سوف يساهم في تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين. ويتمثل العنصر الرابع في أن يكون قادرا على توفير الخدمات والسلع التي تشبع الحاجات الأساسية لغالبية المواطنين.
ومن الأهمية الإشارة إلى أن تأسيس نظام سياسي واقتصادي واجتماعي في اليمن يُعد أحد أهداف الثورة اليمنية المعاصرة (ثورة فبراير 2011م)، وأن ذلك يتطلب بالضرورة أن يؤسس مشروع الدستور اليمني القادم لعقد اجتماعي جديد يقوم على أساس ومبادئ صريحة تؤسس مستقبلا للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المرجوة التي تلبي طموحات وآمال الشعب اليمني وتطلعاته وتضمن له الحياة الكريمة والعيش الكريم، وكذلك وسائل تطبيقها. صحيح أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية، بحكم طبيعتها، هي إجراءات تتبدل وتتكيف ويشترط فيها أن تتأقلم لزوما مع المشاكل المطروحة، إلا أنه من المستحب كذلك أن تتوفر أرضية ومرجعية دستورية لهذه السياسات بحيث لا تنحرف أو تزيغ عن مرتكزات العقد الاجتماعي المتفق عليه والمتضمن في الدستور.
كذلك، يعاني الدستور اليمني الساري -في الجانب الاقتصادي التنموي- من أوجه قصور عديدة، كما أنه لم يعد مواكبا للتطورات والأحداث التي شهدتها الساحة اليمنية، والساحة العربية فيما يعرف بثورات الربيع العربي، وكذلك بالنسبة للتطورات الدستورية الحديثة وفي الدول الديمقراطية خاصة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ويتمثل مصدر الخلل الأول في الدستور اليمني الساري يتمثل في الأسس الاقتصادية وبالذات المادة السابعة التي تنص " يقوم الاقتصاد الوطني على أساس حرية النشاط الاقتصادي بما يحـقق مصلحـة الفرد والمجتمع، وبما يعزز الاستقلال الوطني وباعتماد المبادئ التالية،." ودستورياً، تعتبر حرية النشاط الاقتصادي -عادة- امتداداً طبيعياً للملكية الخاصة وصيانتها، ولذلك تقنن التشريعات الدستورية كلاً من حرية نشاط القطاع الخاص وتنظيميه.
في المقابل يلاحظ أن المادة 7 في الدستور اليمني الساري أطلقت العنان الحرية الكاملة لكافة الأنشطة الاقتصادية بدون توجيهها نحو تحقيق أهداف اقتصادية تنموية وطنية محددة، وكذلك دون تحديد طبيعة الدور الاقتصادي التنموي والاجتماعي، والرقابي الإشرافي للدولة، ودون تحميل القطاع الخاص مسئوليات ومهام محددة. وقد أدى كل ذلك إلى جعل الغلبة للمصالح الشخصية للأفراد وسيادتها كدافع أساسي لكافة الأنشطة الاقتصادية والتنموية، لا في القطاع الخاص فحسب وإنما في ايضاً في كافة أنشطة الدولة وقطاعاتها. لذلك لم يحظى دافع تحقيق مصلحة المجتمع اليمني أي أهمية إلا في إطار المصالح الشخصية. وقد أثبتت التجربة خلال السنوات الماضية أن هذه الحرية كانت لها نتائج وخيمة الأداء الاقتصادي اليمني وعلى الأوضاع المعيشية والاجتماعية للمواطنين.
يضاف لما سبق، يعد الدستور قانون القوانين وهو الوثيقة العليا التي تنظم كافة القوانين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأن الاقتصاد هو مرتكز أساسي ومن بين أهم مفاصل الحياة وهو الذي يهتم بتحقيق أهداف التنمية المستدامة والإنسانية الشاملة والعادلة وفي مقدمتها رفع المستوى المعيشي لكافة أفراد المجتمع، فإن الارتباط والعلاقة بين الاقتصاد والدستور علاقة أساسية، بحيث من المفترض أن تعكس السياسات والتوجهات العامة التي تتبنها الدولة مستقبلا في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية طبيعة تنظيم هذه الجوانب في الدستور نصاً وروحاً.
موقع معلوماتي ترويجي وخدمي؛ تأسس عام 2004 يواكب جديد الشركات والأعمال ويهتم بالأخبار الاقتصادية في كافة المجالات.. من : مؤسسة الاستثمار للصحافة والتنمية
الاستثمار نت :
من نحن؟
تواصل معنا
هيئة التحرير
محرك بحث دولي للأخبار الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وأطلق في أكتوبر 2017