الدور الاقتصادي للدولة: الوظيفة الإنمائية وأبعادها (3-3)
بقلم / أ.د/ محمد أحمد الأفندي
ذكرنا في مقال سابق أن الحديث عن أي وظيفة اقتصادية للدولة في عالم اليوم يتطلب التأكيد أولاً على مبدأ ومعيار الفاعلية –فاعلية الدولة في أداء وظيفتها الاقتصادية حيث غدا هذا الشرط أو هذا المبدأ يشكل ضماناً رئيسياً للتوظيف الأمثل للموارد العامة للمجتمع وكفالة حق المجتمع في تحقيق تنمية مستدامة لكل الأجيال، مما يتطلب التأكيد على أن موارد المجتمع بما فيها الثروات الطبيعية بجميع أنواعها ومصادر الطاقة الموجودة في باطن الأرض وفوقها وفي المياه الإقليمية أو الامتداد القاري أو المنطقة الاقتصادية هي ملك الشعب تلتزم الدولة بتنميتها وتطويرها وتوزيع ثمارها بعدالة وإنصاف مع حفظ حق الأجيال القادمة منها.
إن التمسك بمبدأ الفاعلية يضمن استبعاد أي ممارسات سيئة متعلقة بإدارة الموارد أو سوء توزيعها ، كما أنها تقضي على كل أشكال الفساد المرتبطة بممارسة الدولة لوظيفتها الاقتصادية، ويمنع أن تغدو ممارسة السلطة مصدراً لمراكمة الثروة أو القوة أو الاحتكار .
ووفقاً لهذا المعيار وبالنظر إلى واقع التطور الاقتصادي والاجتماعي في اليمن فإن طبيعة الوظيفة الاقتصادية للدولة في اليمن هي وظيفة إنمائية بيد أن هذه الوظيفة تتكئ على روافع أساسية لابد من القيام بها فالوظيفة الإنمائية للدولة تستلزم ممارسة الدور الإشرافي والتصحيحي والرقابي والدور التحفيزي للنشاط الاقتصادي، بالإضافة إلى ممارسة الدور الوقائي باعتبار أن ذلك يضمن الاستخدام والتوظيف الأمثل والمتوازن للموارد العامة وتحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع.
وبداية فإن الوظيفة الوقائية تقوم بشكل جوهري على إطلاق برنامج واضح لمكافحة الفساد.
وهذا البرنامج هو مسئولية الدولة في المقام الأول وبالشراكة مع قوى المجتمع المدني ، ويتم تطبيقه في إطار أفق زمني محدد مع الأخ بعين الاعتبار الأولويات التالية:
* بناء المؤسسات الصحيحة باعتبارها العمود الأساسي لتجفيف منابع الفساد.
* تطوير السياسات التي تستهدف تحريم الجمع بين السلطة والتجارة وتغيير القيادات الاقتصادية والإدارية والسياسية التي لها فترات طويلة وتحوم حولها شبه الفساد .
* تطوير دور القضاء وأجهزة الرقابة والمحاسبة في أداء دورها، وهذا يتطلب إعادة بناء جهاز الرقابة والمحاسبة ليكون مستقلاً بحد ذاته عن السلطة التنفيذية. وينظم القانون أسلوب وطريقة اختيار قياداته وعلاقته مع السلطات الأخرى.
* تطوير النظام الانتخابي الذي يضمن اختيار سلطة تشريعية تمثل إرادة الناخبين وتتمكن من مجابهة الفساد.
* وضع معايير صارمة في اختيار وتشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتحديد طبيعة علاقتها مع أجهزة الرقابة الأخرى ومنع تضارب القوانين في ذلك.
* استرداد الأموال المنهوبة والمهدرة عينية أو نقدية أو حسابات بنكية أو أراضي الدولة والأوقاف .
* مراجعة وتصحيح السياسات الانفاقية للدولة وأساليب تحصيل الايرادات العامة.
* مراجعة وتطوير نظام المناقصات والمزايدات بما يعزز الفاعلية والشفافية.
* مراجعة جادة لأوضاع مؤسسات القطاع العام ومكافحة الفساد المتصاعد فيها.
* التطبيق الجاد للفترات الزمنية المحددة لقادة المؤسسات العامة والقادة الإداريين منعاً للفساد.
* مراجعة سلم الرواتب والأجور وتصحيحه بما يحقق العدالة الاجتماعية ويقضي على حوافز الرشوة والفساد.
* تصحيح فاتورة المرتبات والأجور التي تتضمن الوهميين في الجهاز المدني والعسكري للدولة.
* ومن مجالات الدور الاقتصادي للدولة هو توفير الخدمات العامة التقليدية – الدفاع والأمن – والقضاء باعتبارها سلعاً عامة يستحيل استثناء مواطن من منافعها .
* وبطبيعة الحال ، فإن هذا يتطلب تطوير وهيكلة القوات المسلحة والأمن وتحديد معايير واضحة فيما يتعلق بالقوام البشري للجيش والأمن ومتطلباته من المعدات العسكرية والبناء المؤسسي.
* وثمة نقطة جوهرية هي تحديد حجم الإنفاق العسكري في الموازنة العامة في ظل الإمكانات التي يمكن أن يتحملها الاقتصاد الوطني وكفاءة الاستخدام وبما يكفل أن لا تؤثر على الإنفاق الاجتماعي والتنموي ، فتجربة العقود الماضية أظهرت أن الإسراف في الإنفاق العسكري وهدر هذه الأموال ، كان له أثر سلبي على مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
* وللدولة دور كبير في مجال الخدمات الأساسية والبنى التحتية والمشاريع الإستراتيجية ومنها خدمات التعليم العام والفني والمهني وكذلك الصحة ، فهما حق لكل مواطن ، وتحقيق مجانية التعليم والزاميته في المرحلة الأساسية مع حق القطاع الخاص والمجتمع في الاستثمار في التعليم الأساسي والجامعي والتعليم الفني. ويدخل في ذلك مسئولية مكافحة الأمية ووضع البرامج اللازمة للقضاء على الأمية الأبجدية.
وكذلك فإن الصحة حق للجميع وهذا يستلزم زيادة الإنفاق العام على الصحة لتصل إلى ٪5 من الناتج المحلي الإجمالي، ومن خلال مظلة التأمين الصحي الفاعل الذي ينبغي أن يكون مجاناً لمن لا يستطيع الدفع ، والدولة مسئولة عن توفير العلاج للأمراض المستعصية، وفي حالات الطوارئ ، وأن تضع معايير الجودة والسلامة للمستشفيات العامة والاهتمام بالأطباء. وأن تعمم الرعاية الصحية على مستوى الريف وتضع من الوسائل والبرامج الفاعلة ما يحقق ذلك.
* ومن الخدمات الأساسية الكهرباء والمياه والمجاري والصرف الصحي مع فتح المجال للشراكة مع القطاع الخاص أو منحه حق الامتياز لبعض مجالات هذه الخدمات . وكذلك السدود والموانئ والنقل والاتصالات مع فتح الشراكة مع القطاع الخاص.
وللدولة دور في إنشاء ورعاية المؤسسات المعرفية والتكنولوجية ومؤسسات البحث العلمي مع فتح الشراكة مع القطاع الخاص. كما تقع على مسئولية الدولة تطوير الموارد الطبيعية والمائية والطاقة المتجددة.
وللدولة وظيفة إشرافية منها الدور التنظيمي لعمل الأسواق بما يكفل تحقيق المنافسة وتعميقها ومنع الاحتكار.
ومن الوظائف الاقتصادية للدولة هو تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال تطبيق سياسات اقتصادية مرغوبة تكفل تحقيق التنمية البشرية المستدامة والعدالة والتخصيص الأمثل للموارد العامة وتصحيح أخطاء آليات السوق أو انحرافات الأسواق عن مسارها الصحيح.
ومن متطلبات تحقيق الاستقرار الاقتصادي انجاز:
* استقرار الأسعار.
* زيادة معدل التشغيل.
الاستقرار الديناميكي للمتغيرات الاقتصادية الكلية (الموازنة العامة وميزان المدفوعات والإدخال والاستثمار والتجارة)
* زيادة فعالية الدولة في إدارة السياسات الاقتصادية المالية (كالسياسات المالية والنقدية وسياسات الدخل والأسعار)، بما يكفل ليس فقط تحقيق الاستقرار الاقتصادي وإنما في استمرارية الاستقرار كشرط ضروري لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
* التوظيف الكفء للسياسات الاقتصادية والمالية بما يكفل ترسيخ البيئة الصحيحة للمنافسة وآليات السوق وفي نفس الوقت تقليل (التكاليف الاقتصادية والاجتماعية) والآثار السلبية الناتجة عنها.
* وأن يكون لتلك السياسات دور استقراري وتحفيزي للنمو الاقتصادي ودور واجتماعي لتصحيح أو تصويب جوانب قصور السوق. وانطلاقاً من تلك الأولويات الاستقرارية والإنمائية والاجتماعية لسياسات الاستقرار الاقتصادي، فإن الإجراءات العاجلة لتحقيق ذلك ما يلي:
* تصويب السياسات الاقتصادية الخاطئة التي كان لها آثار اقتصادية واجتماعية. سلبية والبحث في خيارات أكثر كفاءة ونجاعة.
* تطوير النظام المصرفي. وتطوير آلياته وبما يكفل زيادة المنافسة وجذب المدخرات واستثمارها، وإدخال نظام الصكوك الإسلامية.
* إنشاء الأسواق المالية ووضع الضوابط والقواعد المنظمة لها.
* التقويم المستمر لآثار السياسات الاستقرارية.
* التدرج في عملية الانفتاح المالي ووضع الضوابط والقواعد المرنة وبما يمكن من الانفتاح الواعي للأسواق المصرفية والمالية المحلية في وجه المنافسة بصورة تدريجية إقليمياً ودولياً ويعزز إمكانات الاقتصاد اليمني في تعظيم الاستفادة من الأسواق الدولية.
* تطوير النظام الضريبي، والجمركي وفقاً لمبدئي العدالة والكفاءة.
* دعم قيام التكتلات الاقتصادية العربية والإسلامية ومنها الانخراط في الأسواق العربية والإسلامية المشتركة.
* بناء الأسواق الحرة مع الدول العربية المجاورة وتشجيع الاستثمارات المشتركة، وتنسيق السياسات الاقتصادية، إقليمياً وعربياً وإسلامياً، والانخراط في المشروعات العربية المشتركة مثل مشروع ربط المنظومة الكهربائية مع دول مجلس التعاون الخليجي ومشاريع النقل والمواصلات وغيرها.
* المشاركة في تقوية دور المؤسسات الاقتصادية الإقليمية العربية والإسلامية بما يمكنها من زيادة دورها في إطار التعاون الاقتصادي العربي والإسلامي.
* تطوير علاقة اليمن بالمؤسسات الاقتصادية الدولية والمنظمات الاقتصادية الدولية وبما يكفل تحقيق المصالح العليا للمجتمع اليمني.
* أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء- عضو الحوار الوطني الشامل رئيس المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية
موقع معلوماتي ترويجي وخدمي؛ تأسس عام 2004 يواكب جديد الشركات والأعمال ويهتم بالأخبار الاقتصادية في كافة المجالات.. من : مؤسسة الاستثمار للصحافة والتنمية
الاستثمار نت :
من نحن؟
تواصل معنا
هيئة التحرير
محرك بحث دولي للأخبار الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وأطلق في أكتوبر 2017