الميزة النسبية الاقتصادية البحتة هي فكرة رائجة ومشهورة في نظريات الاقتصاد الدولي، فالميزة النسبية قد تكون طبيعية أساسها ما وهب الله هذا البلد أو ذاك من موارد طبيعية أو بشرية أو جغرافية تكون مصدراً للميزة النسبية.
وقد تكون الميزة النسبية ميزة مكتسبة ، بمعنى أن مصدرها هو دور السياسات والبرامج الاقتصادية للدولة وشراكة الفعاليات الاقتصادية الأخرى في خلق الميزة النسبية مثل أن يركز بلد ما على تطبيق استراتيجية موجهة نحو تطوير القدرات التقنية أو التكنولوجية، فيكتسب هذا البلد ميزة نسبية منافسة في انتاج السلع ذات المكون التقني المرتفع. هذا النوع من الميزة الاقتصادية يطلق عليها ميزة مكتسبة تم إيجادها واكتسابها.
وفي عالم اليوم أضحت الميزة النسبية المكتسبة في أي بلد تسابق وتتقدم على الميزة النسبية التلقائية التي تتمتع بها بلدان أخرى، بل وتطور مفهومها إلى نسق جديد وهو مفهوم التنافسية على مستوى الدول ، بمعنى أن تنافسية أي بلد تتوقف على قدرتها في إنتاج سلع بأحسن جودة وأقل سعر ، وعلى كلٍّ حال، فإن في كلٍّ خير ، للبلد الذي يتمتع بميزة نسبية طبيعية ومكتسبة معاً.
ولكن ما يهمنا في هذا المقال هو الربط بين مفهوم الميزة النسبية الاقتصادية البحتة وبين المضمون المكاني للنموذج التنموي الجديد في اليمن.
فالعلاقة بينهما هي علاقة وثيقة لأن المضمون المكاني في بُعده المحلي – الوطني يعتمد على تنوع الخصائص الاقتصادية والجغرافيا في محافظات الجمهورية ، وهذه الخصائص بدورها تعتمد بصورة أساسية على مفهوم الميزة النسبية الاقتصادية البحتة، وكذلك فإن البُعد الاقليمي والدولي للمضمون المكاني للنموذج التنموي يتكئ على الميزة النسبية وهي بدورها تحدد نطاق واتجاه مسار الشراكة الاقتصادية بين اليمن وأشقائها الاقليميين وأصدقائها الدوليين، لذلك فإنه يمكن اطلاق برنامج تنموي أو برنامج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يتصف بالتنوع، على مستوى المحافظات بيد أن هذا التنوع مصدره الأساسي هو طبيعة الميزة النسبية في بعدها الاقتصادي البحت. أي أن هذا المفهوم لا شأن له بالبُعد السياسي الذي ليس هو محور هذا الحديث في اطلاق برامج متنوعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وبطبيعة الحال فإن البرامج المتنوعة للنموذج التنموي هي مرغوبة ومطلوبة بصرف النظر عن الشكل السياسي الذي تقوم عليه الدولة اللامركزية.
دعنا نطلق على البرنامج التنموي بمضمونه المكاني الوطني – برنامج التميز الاقتصادي لمحافظات الجمهورية - ، أو برنامج – الميزة النسبية الاقتصادية للمحافظات .
ووفقاً لهذا التوصيف فإنه يمكن أن يتخذ هذا البرنامج أحد شكلين رئيسيين هما:
أ) الشكل الأول هو التكامل الاقتصادي المحلي ، وفي هذا الشكل تقسم محافظات الجمهورية إلى مجموعة وحدات محلية متجانسة اقتصادياً، ولها نفس الخصائص الاقتصادية التي تمكنها من التمتع بالميزة النسبية الاقتصادية ، ويمكن أن يطلق عليها مناطق التميز الاقتصادي أو المناطق الاقتصادية ذات الميزة النسبية المتشابهة. ووفقاً لهذا التوصيف فإنه يمكننا اقتراح المناطق الاقتصادية الآتية:-
* منطقة التميز الزراعي وتشمل محافظات مثلاً (إب، الجوف، الحديدة، لحج، أبين ، صعدة ، عمران) حيث تتميز هذه المحافظات بالانتاج الزراعي ، وبطبيعة الحال، فإن أولوية التنمية في هذه المحافظات هو الانتاج الزراعي مما يجعلنا نُطلق على هذه المنطقة بالمنطقة الزراعية في اليمن.
* منطقة التميز الصناعي وتشمل محافظات مثلاً (صنعاء، تعز ، عدن ، حضرموت ، الحديدة). ويطلق عليها بالمنطقة الصناعية.
* منطقة التميز السياحي وتشمل محافظات مثلاً (مأرب ، إب ، المحويت ، حضرموت ، عدن). ويطلق عليها بالمنطقة السياحية.
* منطقة التميز الصناعي الاستخراجي (الموارد النفطية والمعدنية) وتشمل مثلاً محافظات (مأرب، شبوة ، الجوف ، حضرموت، حجة، والضالع ، وعمران). ويطلق عليها بالمنطقة الصناعية الاستخراجية.
* منطقة التميز البحري وتشمل مثلاً محافظات ( عدن ، والحديدة ، وحضرموت ، أبين ، المهرة ، والمخاء). ويطلق عليها بالمنطقة الاقتصادية الساحلية.
* منطقة التميز الصناعي التقني وتشمل محافظات مثلاً (أمانة العاصمة، عدن ، تعز). ويطلق عليها بالمطقة التكنولوجية.
إن تقسيم المحافظات إلى مناطق ميزة نسبية اقتصادية يسمح بتركيز أولويات التنمية في المحافظات طبقاً لمعيار الميزة النسبية، وتُنشئ التكامل بين المحافظات المختلفة ولا يضير ذلك أن نفس المحافظة قد يكون لها أكثر من ميزة نسبية.
إن الهدف الجوهري من هذا التقسيم هو امكانية عمل برامج تنموية متخصصة (استراتيجية) يتم تنفيذها في مناطق التميز بصورة متكافئة مما يعزز التخصص والتنوع ويحقق مقاصد التنمية المتوازنة.
* الشكل الآخر هو : تقسيم محافظات الجمهورية إلى مناطق اقتصادية التي قد تأخذ مصطلح اقاليم اقتصادية في إطار دولة مركزية بسيطة، أو دولة لا مركزية (لايهم الشكل)
إن ما يُقصد بمفهوم المنطقة الاقتصادية هنا أنها جزء مكاني من الدولة تتوفر لها مجموعة من الخصائص الاقتصادية والجغرافية والاجتماعية المتشابهة. علماً أنه لا توجد صيغة واحدة لشكل محدد للمنطقة الاقتصادية، فالصيغ تتعدد وتتنوع لكن التركيز هنا هو على المنطقة الاقتصادية ذات الخصائص والمصالح الاقتصادية المتشابهة والتي تقع داخل نطاق الدولة الواحدة -أي التركيز على الاقليم أو المنطقة الاقتصادية - فالإقليم الاقتصادي هو تلك المنطقة الاقتصادية التي يتوفر لها خصائص اقتصادية متشابهة تحقق لها نوع من التكامل الاقتصادي بين الموارد الطبيعية والبشرية، وقد تختلط بعض الخصائص الجغرافية مع الخصائص الاقتصادية، حيث قد يتوفر للمنطقة أو الاقليم الاقتصادي خصائص جغرافية واحدة مكوناً بذلك اقليماً ساحلياً أو جبلياً أو وادياً أو اقليماً نهرياً. بيد أن تركيزنا هنا هو على الخصائص الاقتصادية مع مراعاة خاصة لبعض الخصائص الجغرافية في إطار الدولة وهذا يستلزم ما يلي:-
- تقسيم الجمهورية إلى مناطق ذات خصائص اقتصادية متشابهة، يكون منها وبصورة أساسية خصائص الميزة النسبية.
- يراعى في هذا التقسيم أن يكون للمنطقة الاقتصادية مقومات اقتصادية مثل المقوم الزراعي والبحري والصحراوي والموارد الطبيعية. لكن حجر الزاوية في تكوين المنطقة الاقتصادية هو الميزة النسبية الاقتصادية البحتة، فتكوينها هو بدلالاتها الاقتصادية وليس السياسية.
- ويراعى هذا التقسيم أن كل منطقة اقتصادية تتوازن نسبياً مع المناطق الأخرى لينتج بذلك حوافز للتكامل وجذب الاستثمار.
- توزيع الدعم المركزي والموارد وسياسات الانفاق تخضع لمعايير عديدة اقتصادية واجتماعية معروفة منها :
1) تطبيق جاد لمبدأ العدالة الاجتماعية فيما يتعلق بتنمية وتطوير الخدمات الأساسية للمواطنين في الوحدات الادارية المحلية (سواء محافظات أو أقاليم) .
- مستوى الخدمات المتوفرة حالياً وكلما كان هذا المستوى متدنياً، فإن هذا يؤهل المحافظة إلى دعم أكبر .
- حجم الإيرادات المحلية ، وكلما كانت متدنية ، ينبغي أن تحصل على نسبة أكبر مع ملاحظة امكانية وقدرة المحافظة على تغطية الموارد المحلية.
- حجم السكان في المحافظة ومستويات النمو الاقتصادي فيها.
- الأولويات الاقتصادية والاجتماعية للمحافظة.
- مستوى التباين التنموي في المحافظة مقارنة بالمحافظات الأخرى.
- مبدأ الاشتقاق أو الاستحقاق – فإذا توفر في المحافظة موارد طبيعية (موارد نفطية)، فإنه ينبغي أن تمنح نسبة اضافية إلى نسبة الدعم المركزي لهذه المحافظة.
2) إن اطلاق برنامج التميز الاقتصادي للمحافظات(برنامج الميزة النسبية الاقتصادية للمحافظات) يُمَكِّن من تركيز التنمية الاقتصادية في كل المحافظات بشكل متوازن وطبقاً لهذه الميزة، إضافة إن أنه يسهم في خلق الميزة النسبية التي تتوفر للمحافظة أو في أكثر من محافظة.
3) ويرتبط بالمضمون المكاني المحلي للنموذج التنموي اعطاء المحافظات ذات النسب المرتفعة في مؤشر الفقر والبطالة اهتمام أكبر في برامج مكافحة الفقر والبطالة من خلال برامج الرعاية الاجتماعية وبرامج تنمية المشروعات الصغيرة والأصغر والمشروعات الاقتصادية كثيفة العمالة.