الاتجار بالوظائف العامة.. تمنح الوظيفة لمن يدفع أكثر!
بقلم / أحمد عبدربه علوي
تكدس باص العطالة بالرواد من خريجي الجامعات والدبلومات الذين فقدوا الأمل في العثور على وظيفة بعد أن وجدوا أن الوظائف جميعها مشغولة نتيجة لعدم تطبيق القوانين والأنظمة واللوائح المتعلقة بالتقاعد لمن تجاوز أحد الأجلين حتى يتمكنوا لشغل الوظائف التي يشغلونها مخالفين للأنظمة واللوائح المراعية، كما فقدوا الأمل بعد أن تخلت الجهات المختصة عن وعودها بتوفير فرص العمل وتبخرت الوعود الوردية التي ظلت تعلنها تلك الجهات المعنية بتوفير فرص عمل، حتى من تجاوز سن التقاعد لم يحال إلى التقاعد ليتمكن هؤلاء الخريجون الجامعيون وغيرهم العاطلون عن العمل مما أدى ذلك إلى أن ظهرت على السطح جماعات تستغل رغبة الشباب في الحصول على وظيفة مقابل مئات الآلاف من الريالات بغرض التوسط لهم في القطاعات الحكومية لإيجاد فرص عمل، وهذا ما هو جاري الآن مع سماسرة الوظيفة الحكومية في بلادنا.
أيضا هناك سماسرة مكاتب تسفير العمالة اليمنية إلى الخارج وكله من قبيل النصب واستغلال حاجة الشباب إلى العمل واستيلاء هذه الجماعات "سماسرة الوظيفة الوهمية" والتسفير بهم للعمل في الخارج الوهمي على أموال من تتوافر له الأموال من الشباب ودفعها لهؤلاء السماسرة من أجل الحصول له على عمل يوفر له كسب لقمة العيش، وكان لا بد من معرفة رأي أحد الشباب من الذين يبحثون عن وظيفة، أن سألته فيما يجري عن هذه القضية، وأجابني وقائلاً: إن الأبواب كلها أغلقت في وجه الشباب فالقطاع العام لايمكن أن يستوعب كل الخريجين، أما القطاع الخاص فقد تأثر مؤخراً بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد بالإضافة إلى تشبث من بلغوا الأجلين بكل امتياز منقطع النظير ولم يحالوا إلى التقاعد حسب قانون التقاعد النافذ وبالتالي فأي شخص سيقول لي سأوفر لك فرصة عمل مقابل 350 ألف ريال وأكثر ساضطر إلى الموافقة ليس أمامي حل آخر لأنني لا أملك مثل هذا المبلغ كي أدفعه ثم لا أضمن جدية هذا العرض واخشى أن يكون الشخض نصاباً فيضيع المبلع والوظيفية معاً، وأنا أعتقد أنه فعلاً من باب النصب ولن أثق في شخص كهذا إلا إذا كان معروفاً ومصدر ثقة.
كما استمعت إلى أحدهم وهو يقول: أنا خريج محاسبة من كلية التجارة جامعة صنعاء وهو تخصص مطلوب وكما سمعت بأن الدولة تخصص درجات وظيفية لهذا التخصص ولكني لا أملك المال حتى أشتري وظيفتي ممن يبيعونها كما فعل بعض زملائي الذين دفعوا مبلغ 250 إلى 300 ألف ريال وحصلوا على الوظائف رغم أنه لم يمر عام واحد على تقديم طلب التقدم للحصول على الوظيفة.
أيضاً يقول عبدالملك نعمان: أنا خريج إعلام 2006م قال لي صديق عمري في مرة أنه يستطيع إيجاد فرصة عمل في إحدى المؤسسات حيث يعمل هو ولكن ذلك سيكلفه حوالي 250 ألف ريال وأكد لي أن هذا المبلغ سيدفعه للموظفين الذين سيتبعون إجراءات تعييني وأن التعيين سوف يكون بداية تعيين تحت التدريب لمدة عام واحد ثم أحاول خلال هذه الفترة التجريبية التدريبية العمل بصورة جدية على إثبات كفاءتي كي أحصل على راتب ثابت بعد مرور سنة، وأنا ووالدي وافقنا على ذلك ولكنه بعد مدة اعتذر وأكد أن ذلك فيه خطورة على وظيفته، وتأكدت حينها أنه قال ذلك من باب لعبة المصالح والرشاوي وبعد أن شعر بالخطر تراجع باعذار واهية، ومنذ ذلك الحين وأنا لا أصدق مثل هؤلاء وأفكر في البدء بمشروع صغير بالمبلغ الذي كنت سأدفعه كرشوة.
أما الحاج عبدالخالق سائق تأكسي فيقول: ابني محمود خريج تجارة منذ عامين ولم يستطع الحصول على فرصة عمل مناسبة أو وظيفة في الحكومة مثل أيام زمان ولكنه يعمل الآن في "سوبر ماركت" واستطاع بأمانته ومجهودة كسب ثقة صاحب المحل، وزاد مرتبه هذا أكرم له ألف مرة من أن يدفع رشوة لأي شخص يتوسط له ويجد له وظيفة.. إنهم مجموعة من النصابين استغلوا حاجة الشباب في الحصول على وظيفة ويبيعون لهم الوهم والحكومة تتفرج كأن هؤلاء الشباب ليسوا يمنيين.
وبالبحث وجدنا أن الموظفين بالقطاعات الحكومية المختلفة استطاعوا بالتعاون مع زملائهم إيهام الشباب أنهم يستطيعون توفير وظائف لهم بعقود مؤقتة مقابل عشرات الالآف من الريالات ومن أجل إتمام الحبكة اقنعوهم أنهم على صلة بكبار المسئولين وكبار الموظفين وهم الذين سيستفيدون بالمبالغ "الريالات" التي سيحصلون عليها منهم وأنهم مجرد واسطة لتسهيل الأمور.
وقد شملت هذه الأمور معظم المؤسسات والهيئات الحكومية وبات لكل مكان سعر معين للوظيفة فيه، لقد أصبح الشباب يعيش في يأس وإحباط دفع الكثير منهم إلى الانتحار والبعض يعاني حالة نفسية وإحباط وتذمر والبعض إلى الانحراف بسبب البطالة وعجز الشباب عن تلبية احتياجاتهم فكل خريج يتمنى الحصول على وظيفة حتى ولو كانت بالرشوة، وبذلك وجد هؤلاء النصابون فرصة سانحة لاستغلال هؤلاء الشباب بدعوى توفير فرص عمل لهم، وغالباً ما يقع هؤلاء الشباب ضحية لهؤلاء النصابين حتى ولو صدقوا وأتاحوا لهم وظيفة..
ولذا لابد أن نبحث أسباب انتشار هذه الصورة والسبب يعود إلى حاجة الشباب إلى عمل في المرتبة الأولى ثم ضعف أخلاقيات وسلوك هؤلاء الموظفين، إضافة إلى تأخر الحكومة وعجزها عن حل مشكلة البطالة وتأخر أجهزة الرقابة عن ضبط هذه السلوكيات والتحري عن أي شخص يتم تعيينه في ظروف غامضة غير واضحة.. ولحل هذه المشكلات يجب البحث عن حل جذري للمشكلة وإرساء وإخضاع جميع مقومات العمل والموظفين أو الرقابة المستمرة وتحديد سلطات ومسئوليات كل موظف لا يتعداها وتطبيق نظام الحكومة الالكترونية للتقليل من الاتصال المباشر بين الموظفين والجمهور لمحاربة جميع صور الرشوة..
والدولة هي المسئولة، خلاف أن هذه المسألة في غاية الخطورة لأنه يعطي الشباب فكرة سيئة عن مجتمع لا يعترف بتكافؤ الفرص يفتقر إلى مبادىء العدالة لأنه يعلن أن من معه مال يتعلم في جامعات خاصة ثم يدفع لبعض الأشخاص ويحصل على وظيفة مناسبة في الوقت الذي يعجز فيه شباب آخرون عن تلبية احتياجاتهم الأساسية فيؤدي بهم الأمر إلى الحقد على القادرين ممن يدفعون، ويؤدي إلى ضعف إحساسهم بالولاء والانتماء لأن الشباب يعاني بشدة ويتوقع أن تقف الدولة إلى جانبه وتوفر له عملاً يبدأ به حياته، ولكنه يجد أن الدولة أيضاً تعجز عن مساندته وتحاول خداعه بأرقام لا أساس لها من الصحة عن فرص عمل غير موجودة.. وبذلك ظهر هؤلاء الناس سواء كانوا جادين أو محتالين يستولون على أموال الشباب التي غالباً ما تكون «تحويشة عمر والديه» أو ذهب والدته تبيعه كي يشق بها الابن طريقه، وهم يعلمون أن الشباب في أمس الحاجة إلى الوظيفة..
الدولة مسئولة في الحالتين لأنها تضع نظماً هلامية تتيح لهؤلاء النصابين التغرير بالشباب واستغلالهم، وكان الأولى والأحرى بها أن تكون واضحة وتحدد الإجراءات لتقدم الشباب للوظائف. دعونا نعترف أن كل ذلك من باب الرشوة والمعروف أن الرشوة لها آثارها على المجتمع وعلى الاقتصاد الوطني حيث يثري شخص دون وجه حق ثراء فاحشاً من أموال هؤلاء الشباب الذي يريد فرصة عمل. وتتمثل خطورة انتشارها على إفساد القيم ويصبح كل شاب من أسرة غنية يعتمد على الرشوة للحصول على فرص عمل، وبالتالي يتعدى على حقوق خريج آخر ربما أفضل منه علمياً في قدراته، ولكنه لا يملك المال، ومن هنا تخلق نوعاً من التفرقة الاجتماعية والظلم الاجتماعي بالتأكيد له نتائج سيئة على نفسية الشباب، ومن هنا يشعر أنه لن يحصل على حقه إلا إذ أصبح غنياً فيتجه للجريمة والتطرف الديني الجديد ويبحث عن أية وسيلة تحقق له الثراء ويفقد الثقة في المجتمع ويرفض الإيمان بأي مبدأ سامي. ودون أن نشعر نخلق مجتمعاً جديداً لا يؤمن بتكافؤ الفرص من خلال إقرار مبادىء الواسطة والرشاوي فمن يستطيع الدفع تنقضي مصالحه ويحصل على ما يريد وتستقر مبادىء أن المادة هي المسير الحقيقي لكل أمورنا، بالتالي يكون الهدف الحصول على المال بأية وسيلة.
وفي الأخير.. إن الذي دعاني إلى كتابة هذا الموضوع هو بعد أن شاهدنا «مافيا بيع الوظائف» أن انتشرت بصورة مكثفة في الفترة الماضية والحالية استغلوا حاجة الناس الغلابة للوظائف واقنعوهم بقدرتهم على توظيفهم في أماكن متميزة في شركات كبيرة وفي جهات حكومية متعددة، بل وصل الأمر إلى تسهيل دخول بعض الكليات وأصبحت الوظيفة لمن يدفع أكثر..
موقع معلوماتي ترويجي وخدمي؛ تأسس عام 2004 يواكب جديد الشركات والأعمال ويهتم بالأخبار الاقتصادية في كافة المجالات.. من : مؤسسة الاستثمار للصحافة والتنمية
الاستثمار نت :
من نحن؟
تواصل معنا
هيئة التحرير
محرك بحث دولي للأخبار الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وأطلق في أكتوبر 2017