كم تبجحنا - وما زلنا - بالشعارات الكاذبة، وكم رفعنا من لافتات زائفة للمزايدة السياسية والتأثير على البسطاء وعوام الناس نحو هذا الاتجاه أو ذاك التيار، وكم نكثنا عهوداً وأخلفنا وعوداً في سبيل مصالحنا الخاصة ومكاسبنا النفعية. ولم تكن اليمن في كل تلك المبادرات والمناسبات لا أولاً ولا ثانياً ولا حتى أخيراً، بل لم تكن موجودةً على الإطلاق في ذهن من رفعها وإنما مجرد ورقة تستغل لمزيد من المكتسبات وتحقيق أهداف لا تخدم البلاد لا من قريب ولا من بعيد.والأخطر في ذلك هو عدد الأفراد الذين يشاركون في هذه المخادعات والكم الأكبر الذي يقع تحت تأثيرها مرة تلو الأخرى. فهل آن الأوان أن نصحو اليوم ونتعامل مع القضايا العامة كما هي ودون مبالغة في حب اليمن أو تقديس الواجب، وأن يكون ذلك بعيداً عن الاستغلال الرخيص للعواطف والمشاعر، وفي ذات الوقت تقدير المسئولية تجاه الأعمال المنوطة بكل منا وتحمل المسئولية جراء أي تقصير.
وأقول هذا الكلام لموقفين متشابهين واجهتهما خلال الثلاثة الأيام الأخيرة، أحدهما الاحتفال الذي أقامته مشكورة مؤسسة اليمن للتنمية السياسية والثقافية بحضور رئيس الوزراء لإطلاق حملة للحفاظ على مدينة صنعاء التاريخية بعد أن تعرضت المدينة هي وشقيقتها زبيدللتهديد بسحبهما من قائمة التراث الإنساني. وقد لا يلحظ العابر أي جديد في ذلك، وهنا بيت القصيد. فنشاطنا وأعمالنا لا تقوم إلا على مسائل وقضايا ترتبط بشكل أو بآخر قليلاً أو كثيراً بطرفٍ أجنبي، وكأننا لا ندرك أهمية المدينة ولا نملك الاهتمام الكافي بها لو تُركنا دون ذلك التدخل أو التهديد! فهل هذا يجوز أو يمكن أن يقبله العقل السليم. لسنا دون شك ضد المساعدة أو النصح من الداخل أو الخارج، من الشقيق أو الصديق، ولكن نستغرب أن نصبح عاجزين عن القيام بمسئولياتنا في حال تأخر الشقيق أو تلكؤ الصديق، خاصة والكثير من هذه المسئوليات يمكن تمويلها من الأموال والمخصصات العبثية في موازنة الدولة. بل والأغرب أننا ننتظر دائماً حتى تصل الأوضاع إلى أسوأ حالاتها لنقوم بالإصلاح أو التدخل في حين كان يمكن تنفيذ تلك الأعمال وإجراء الصيانة في وقتٍ مبكرٍ وبأقل التكاليف. وينطبق على هذا المثال حالات كثيرة في مشاريع الدولة المبعثرة شرقاً وغرباً وفي ظل استهتار المسئولين وطمع المقاولين والمنفذين من ناحية وغياب المساءلة والمحاسبة من ناحية أخرى.
أما الموقف الثاني فيتعلق بحضوري اجتماع تشاوري في بيروت حول مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية والتي تستهدف أساساً تحسين وضبط إيرادات النفط والغاز بالنسبة لليمن من خلال مطابقة مدفوعات الشركات المنتجة مع الإيرادات التي تسجلها الجهات الحكومية، وكذلك نشر تلك البيانات وإتاحتها للجميع من باب تعزيز الإفصاح والشفافية. وقد ارتبطتُ شخصياً بهذه المبادرة منذ اقترحها البنك الدولي على الحكومة اليمنية عام 2005 في إطار مصفوفة الإصلاحات والحكم الجيد، حيث عملت مع آخرين لتبنيها والدفع بانضمام اليمن إلى هذه المبادرة، وهو ما تم حتى صدور القرار الجمهوري رقم 155 في أكتوبر 2012 بشأن إنشاء وتنظيم المجلس اليمني للشفافية في الصناعات الاستخراجية والذي تأخر كثيراً لينص القرار على تشكيل المجلس اليمني للشفافية وتحديد أهدافه ومهامه. ومع ذلك، فإن الحكومة اليمنية ممثلة بالمجلس الذي يضم عدداً لا بأس به من منظمات المجتمع المدني لم تقم بأعمالها خلال تلك المدة الطويلة، وبشكل خاص إعداد التقرير الذي بقيت تؤجله من سنة إلى أخرى، حتى أصدرت المنظمة قراراً بتعليق وضع اليمن التمثيلي كخطوة أولى يستتبعها شطب اليمن كلية من المبادرة. وهنا بدأالمجلس يتحرك، وإن دون المستوى المأمول لطبخ تقرير خلال فترة قصيرة جداً لن يحقق المطلوب، وبعيداً عن المصداقية في تقديم البيانات الصحيحة لا من الجهات الحكومية ولا من الشركات النفطية. وهنا أطرح تساؤلاً أساسياً على هذا المجلس، وهو: هل أن إعداد التقرير هو لغرض تلبية متطلبات المبادرة في حدها الأدنى، أم أن لدينا إيماناً حقيقياً وقناعة أننا بحاجة لضبط حسابات هذا القطاع الهام الذي يُمثل حوالي ٪70 من موارد الخزينة العامة ويتعرض للنهب والعبث على طول سلسلته ابتداءً من الاستكشافات التي تمتد لسنوات طويلة دون الحصول على بيانات ونتائج، إلى الانتاج الذي لا يضبطه إلا أمانة الشركات الأجنبية إن وجدت، إلى التصدير الذي تحمله ناقلات دون رقابة فاعلة، إلى احتساب تكاليف الإنتاج التي تُخصم من قبل الشركات وتشمل ضمن ما تشمل الرشاوى والأتاوات وكذلك المصاريف الخاصة بالمديرين والخبراء بما في ذلك فواتير التسوق والمطاعم، وأخيراً إلى الإيرادات التي تُحصلها خزينة الدولة كمتبقي تجود به أيدي الشركات النفطية على البلاد.
وبعد هذا كله، هل يجوز لنا أن نتعامل مع هذا الموضوع كرد فعل لقرارات المبادرة الدولية أم كضرورة وأولوية تحتمها علينا الحاجة لكل ريال أو دولار يضيع على الدولة جراء التهريب والفساد، بل والفسوق بهذا البلد الذي نتغنى به ليلاً ونهاراً، ونخدعه ونخونه في كل لحظة وعند كل فرصة تحين لأحدنا لتحقيق مآربنا ومصالحنا الخاصة. ألا يكفي هذا الكفر، وخاصة عندما يعتز البعض ويفخر بأن الظروف الحالية والمجتمع الدولي والإقليمي هو الذي يمنع احترابنا ويحمي وحدتنا وكأن اليمن لا يستحق منا حماية أو حرصاً لولا موقف المجتمع الدولي. حقيقةً لقد بلغنا مبلغ سوءٍ لا نظير له، ووالله لو استطاع البلد أن ينطق لتبرأ منا وطلب أن نكف عن نطق اسمه أو الإشارة إليه، هذا إذا لم يدعنا إلى مغادرة أراضيه حتى لو كان ذلك إلى الجحيم.
وأقول في الختام، لم يعد من مجال أمامنا سوى التغيير الحقيقي والجذري بدءاً بنوايانا وأفكارنا ولتنعكس بعد ذلك على أفعالنا وأعمالنا. ويجب أن لا نحكم على أحدٍ كان من كان إلا من خلال نتائج عمله، ونتائج عمله فقط، وفيما تحققه تلك الأعمال والنتائج للبلاد والعباد وليس لتعزيز مكانته أو تمديد بقائه على كرسيه أو توسيع ثروته، فهل لنا أن نعقل، أم على قلوب أقفالها؟
موقع معلوماتي ترويجي وخدمي؛ تأسس عام 2004 يواكب جديد الشركات والأعمال ويهتم بالأخبار الاقتصادية في كافة المجالات.. من : مؤسسة الاستثمار للصحافة والتنمية
الاستثمار نت :
من نحن؟
تواصل معنا
هيئة التحرير
محرك بحث دولي للأخبار الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وأطلق في أكتوبر 2017