آراء وأقلام نُشر

بيئة الاستثمار... هل نحن في حاجة إلى قانون استثمار جديد؟؟؟

 

يشكل ضعف جاذبية البيئة الاستثمارية أحد التحديات التنموية والاقتصادية التي تواجه اليمن، وذلك رغم توفر فرص الاستثمار الكثيرة والمتعددة المتاحة والكامنة، وبخاصة في القطاعات الواعدة مثل السياحة والثروة السمكية والصناعات التحويلية. ويعود هذا الوضع إلى تضافر عوامل داخلية وخارجية أسهمت في إضعاف جاذبية البيئة الاستثمارية أهمها ضعف خدمات البنية التحتية والأحداث الإرهابية والاختلالات الأمنية. 

وتستند أهمية الاستثمار في الاقتصاديات الوطنية عامة من كونه يشكل القاطرة الدافعة والمحرك الرئيسي لعملية التنمية الاقتصادية، وقوة الدفع لتحقيق معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي وضمان استدامته. ويتحكم الاستثمار كذلك في مستويات الطلب الفعلي للاقتصاد الوطني ويؤثر تأثيراً قوياً على الطاقة الإنتاجية وعرض السلع والخدمات. وفي الدول النامية والأقل نمواً يؤدي الاستثمار أيضاً دوراً هاماً في تخفيض معدلات البطالة والتخفيف من الفقر من خلال خلق المزيد من فرص العمل الجديدة وفي زيادة الطلب المحلي والخارجي على السلع والخدمات المنتجة المحلية.

وبالنسبة لليمن، تستمد الاستثمارات المباشرة الخاصة (الوطنية منها والأجنبية) أهميتها إلى العديد من العوامل والأسباب، أبرزها أن اليمن تعٌد من الدول الأقل نمواً في العالم التي تتسم بضعف مستوى الادخار القومي واتساع فجوة الموارد، وكذا تواضع حجم المساعدات الإنمائية والقروض التنموية الميسرة التي تحصل عليها اليمن وتذبذبها بين سنة وأخرى، مترافقاً مع تراجع الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة في إطار الإصلاحات الاقتصادية والمالية المتتالية منذ مارس 1995، في مقابل فساح المجال للقطاع الخاص (المحلي والأجنبي) ليكون المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي والمتسنم لعجلة القيادة الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك التحول من سياسة الانكفاء على الداخل إلى تبني سياسة الاندماج الاقتصادي إقليمياً وعالمياً. إلى جانب استمرار الاختلالات الهيكلية الاقتصادية والمالية والتي تبرز أكثر مظاهرها في استمرار الاعتماد على النفط بصورة أساسية كمصدر أساسي لإيرادات الموازنة العامة وللصادرات السلعية، وكذا اتساع مظاهر الفقر والبطالة في الاقتصاد اليمني. يضاف إلى ذلك القصور الشديد في حجم مستوى وكفاءة البنية الأساسية، وتدني مستوى الدور التمويلي للجهاز المصرفي اليمني، وغياب منظومة الحكم الجيد والإدارة الرشيدة. وبالتالي استمرار تدني إجمالي الاستثمارات الخاصة المسجلة لدى الهيئة العامة للاستثمار، وخاصة الاستثمارات الأجنبية (العربية وغير العربية).

ولذلك، يعد من نافلة القول الحديث عن الميزات النسبية التي تتمتع بها اليمن والفرص الاستثمارية العديدة والمتعددة والمتنوعة، بحيث تتسع آفاق وفرص الاستثمارات الخاصة المباشرة، الوطنية منها والأجنبية، لتشمل مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، ومع ذلك، فإن توسيع أنشطة القطاع الخاص واستثماراته المباشرة في اليمن تعتمد بصورة كبيرة على مدى توفر العوامل والعناصر الأساسية التي تشكل في مجملها البيئة المواتية والجاذبة للاستثمارات الخاصة، دون الاقتصار على واحد أو عدد منها.

وتتكون بيئة الاستثمار في مجملها من مجموعتين رئيسيتين من العوامل تتمثل أولاهما في تلك العوامل التي تتأثر بعناصر خارجية لا يمكن التحكم فيها أو تصعب السيطرة عليها مباشرة، مثل الموقع الجغرافي، والثروة الطبيعية للدولة ومناخها وعدد السكان ومستوى دخولهم، والتي بدورها تحدد حجم السوق في هذه الدولة أو تلك والذوق الاستهلاكي المحلي. وتشتمل المجموعة الثانية بالعناصر الداخلية التي ترتبط بطبيعة وعملية وضع السياسات الحكومية ونوعية إجراءاتها. و يمكن تصنيف العناصر الداخلية في مجموعات من المتغيرات الأساسية يتمثل أبرزها في: السياسات الاقتصادية الكلية، الإطار القانوني والإجراءات التنظيمية والإدارية، وكذا وضع منظومة الحكم الجيد والمؤسسات العامة، وخدمات البنية التحتية من حيث المؤشرات الكمية والنوعية، بالإضافة إلى العوامل القيمية الثقافية والنفسية المرتبطة برؤية المستثمر وتقديره الذاتي مثل عامل الثقة. وتقرر هذه العوامل (بعناصرها المختلفة) مجتمعة مدى ملائمة الدولة المعنية للنشاط الاقتصادي ولجذب الاستثمارات الخاصة، إذ بموجبها يتم تحديد وتقييم المخاطر والعوائد المتوقعة وبالتالي اتخاذ قرارات الاستثمار. 

وفي مطلع العام الحالي 2013، حددت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار كلٍ من مؤشرات استقرار الاقتصادي الكلي، القدرات التمويلية، البيئة السياسية والمؤسسية والاجتماعية، ومؤشر بيئة أداء الأعمال باعتبارها تمثل مجموعة المتطلبات الأساسية أو المسبقة لمؤشر ضمان لجاذبية الاستثمار، والذي يتكون من 3 مجموعات رئيسية يندرج تحتها 10 مكونات أساسية تتفرع بدورها إلى 114 متغيراً كمياً. 

ويمكن تقييم وتحليل وقياس بيئة الاستثمار وأداء وممارسات الأعمال في اليمن وفقا للتقارير والمؤشرات الدولية من ناحية، ووفقاً لرؤية القطاع الخاص من ناحية أخرى. وتشير مجموعة المؤشرات العامة التي تتضمنها التقارير الدولية بصورة عامة إلى تراجع أو تدني وضع اليمن. وكمثال على ذلك يشير أحدث تقرير صدر الأسبوع الماضي، وهو "تقرير التنافسية العربي 2013م"، الصادر عن منتدي دافوس، إلى وقوع اليمن في المرتبة 140 عالمياً من بين 144 دولة تضمنها تقرير التنافسية العالمي 2013م. ويعكس التدني الشديد في مرتبة اليمن ضخامة التحديات التي تواجهها بلادنا لتحسين تنافسيتها وتعزيز نموها الاقتصادي وإيجاد المزيد من فرص العمل، وهذا يتطلب وجود قطاع خاص ديناميكي ومتطور، وإطار مؤسسي وإداري حديث ومتطور في القطاعين العام والحكومي، حث جاء اليمن في ذيل القائمة (المرتبة 139) في مكون الإطار المؤسسي.

كذلك، يشير تقرير ممارسة بيئة الأعمال " 2013م Doing Business" إلى تراجع ترتيب بلادنا في الترتيب العام لمؤشر سهوله أداء وممارسة الأعمال من المرتبة 101 إلى المرتبة 118 على المستوى العالمي، علماً بأن اليمن احتلت المرتبة (99) في تقرير 2012م، متقدمة بمقدار أربع مراتب مقارنة بتقرير 2011م. 

وبالنسبة لمؤشرات أداء القطاع الحكومي وفقا لرؤية القطاع الخاص، يشير المسح الثالث لمنشآت القطاع الخاص في اليمن الذي اجراه البنك الدولي خلال العام 2010م، إلى أن أبرز المعوقات التي تعيق استثمارات الخاص وتؤثر سلباً على بيئة الاستثمار في اليمن، تتمثل في الفساد، الكهرباء، الحصول على الأراضي، عدم الاستقرار السياسي وعدم اليقين بالسياسات التنظيمية. كما شكلت الضرائب عائقا رئيسيا سواء بالنسبة للمعدلات الضريبية أو الإدارة الضريبية.

كما خلص مسح معوقات بيئة الأعمال (Business Environment Obstacles)في اليمن، الذي قام به البنك الدولي ايضاً خلال عام 2010م، إلى أن أهم هذه المعوقات تتمثل في؛ الكهرباء 33%، الفساد 27%، يليها عدم الاستقرار السياسي، معدلات (أسعار) الضريبة، سهولة الحصول على الأراضي، عدم ملائمة تأهيل القوة العاملة، سهوله الوصول للتأمين، سوء الإدارة الضريبية، ممارسات القطاع غير الرسمي والمحاكم.

وأخيرا نشير إلى أن مشكلة الاراضي وحيازتها وحماية ملكيتها تُــعد المشكلة الاجتماعية والاقتصادية الأهم والاكثر تأثيراً بصورة سلبية على بيئة الاستثمار في اليمن، الأمر الذي سنتناوله في المقال القادم.


 

مواضيع ذات صلة :