آراء وأقلام نُشر

تعزيز ثقافة التكافل الاجتماعي الاقتصادي والتنموي

 

بعد عيد الفطر المبارك تكررت على مسامعي "يا ليت والسنة كلها شهر رمضان" يرددها الكثير من الفقراء والمحتاجين، كون الناس عادة ما يكونوا كرماء جداً معهم خلال هذا الشهر الكريم، وغالباً ما كانوا في غنى عن مشقة سؤال الناس. مع انقضاء هذا الشهر الكريم شح الخير، الأمر الذي لفت انتباهي إلى أهمية تعزيز ثقافة التكافل وتوضيح أبعاده على والعمل على مأسسته تنظيمياً ليكون الخير مستمراً طوال شهور السنة.

ويتسع نطاق مفهوم التكافل الاجتماعي، في وقتنا المعاصر ليشمل الأدوار والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والتنموية التي يقوم بها أفراد المجتمع ومنظمات المجتمع المدني -بما في ذلك القطاع الخاص ومنظماته ومسئوليته الاجتماعية- والتي تسهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تنمية المجتمع ومساعدته على حل المشاكل الاجتماعية والتنموية والاقتصادية التي يواجهها وبما يؤدي إلى تحسين رفاهيته، وخاصة في ما يتعلق بالحد من البطالة والتخفيف من الفقر، من خلال الالتزام الديني والأخلاقي الطوعي تجاه المجتمع. وبالتالي يتجاوز مفهوم التكافل الاجتماعي الدور الاجتماعي الخيري الذي يتسم بأنه قصير الأجل كون صوره تتركز في تقديم مساعدات مالية أو عينية فورية لفئات بعينها (الفقراء والمعوزين وذوي الدخل المحدود....وغيرهم)، ولمرة واحدة سنوياً أو خلال المناسبات والأعياد الدينية، إلى الدور الاقتصادي الذي يستهدف معالجة بعض المشاكل الاجتماعية، مثل الفقر والبطالة، من خلال خلق فرص عمل وبرامج تدريب وتأهيل وكذلك تقديم قروض قصيرة الأجل بشروط ميسرة للمشاريع بالغة الصغر. كذلك يتسم الدور التنموي للتكافل بامتداد سنواته إلى الأجل متوسط (وكذلك الأجل الطويل) كونه يساهم في تنمية القدرات البشرية وايجاد فرص عمل من خلال إنشاء واستكمال مشاريع تنموية صحية وتعليمية وبعض المرافق الأساسية، إلى جانب دعم مشاريع الأسر المنتجة مالياً وفنياً، وكذا تقديم قروض ميسرة متوسطة الأجل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ، بالإضافة إلى تقديم خدمات التدريب المهني والحرفي للأعمال والمشاريع الإنتاجية (سلعية أو خدمية).

وتستند أهمية الدور التكافلي (الاجتماعي والتنموي والاقتصادي) في مساهمته في تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال تحسين نمط توزيع الدخل والثروة داخل المجتمع ، خاصة في ظل ظروف تغيب فيها عدالة التوزيع وينتشر فيها الفقر والبطالة ، وكل ذلك يؤدي إلى تعزيز التماسك والتوازن الاجتماعي داخل الدولة وبالتالي المساهمة في تعزيز وترسيخ الهوية الوطنية والولاء الوطني ، كون التماسك الاجتماعي يشكل ضمير المجتمع كما يجسده سلوك أفراده . كذلك تساهم العدالة الاجتماعية في تحقيق وضمان التوازن الاجتماعي على مستوى النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، الأمر الذي يؤدي إلى خلق بيئة ومناخ استثماري مؤات وبما يساهم في حفز النمو الاقتصادي وزيادة الإنتاجية . والعدل الاجتماعي يرتبط بالقيم الدينية والاجتماعية والثقافية التي تحدد صيغ وسلوك فعالية الحياة في أي مجتمع. 

وبالنسبة للمجتمع اليمني، ما تزال أنشطة التكافل الاجتماعي تتركز على الجوانب الخيرية، مثل توزيع المساعدات الخيرية والصدقات للمحتاجين بصورة مباشرة، وخاصة في المناسبات والمواسم الدينية، بالذات خلال شهر رمضان المبارك. وفي المجال التنموي الاجتماعي تتركز أنشطة التكافل الاجتماعي على بناء وفرش المساجد، المشاركة أحياناً في بناء بعض المدارس الصغيرة و/ أو تأثيثها. وفي ظل تفاقم الاختلالات الاقتصادية والمالية وتدهور مستويات المعيشة في المجتمع اليمني، فإن الصدقات والزكاة والتبرعات التي يقدمها الموسرون والأغنياء من أبناء المجتمع، وبالذات التجار ورجال الأعمال والأغنياء، ساهمت في جعل ظاهرتي الفقر والبطالة أقل حدة واتساعاً، وأنه لولا التكافل الاجتماعي لكان الوضع أشد سواءً مما هو عليه الحال القائم حالياً. 

ولذلك، فإنه نظراً لما تتسم به أنشطة وجهود التكافل الاجتماعي في اليمن حالياً من تركيز واهتمام غالب على الأنشطة الاجتماعية الخيرية، وبالفردية والعشوائية في الإدارة (باستثناء بعض الحالات)، وبعدم انتظامه وبالتالي بروزه في مواسم معينة (شهر رمضان الكريم، عيد الأضحى المبارك)، يمكن في هذا المجال تقديم بعض المقترحات الأولية والتي سوف تساهم في تعزيز ثقافة التكافل الاجتماعي والتنموي في المجتمع اليمني، وذلك كما يلي:

1- إنشاء مؤسسة وطنية للزكاة والوقف بمشاركة منظمات القطاع الخاص والجمعيات الأهلية الخيرية والتنموية، الأمر الذي سوف يساهم في تعزيز وغرس قيم التكافل الاجتماعي والتنموي بصورة مؤسسة. 

2- نشر قيم ثقافة الاستثمار والإنتاج الوطني التي تساهم في خلق فرص العمل في تطوير وتوسيع طاقات الإنتاج في القطاعات السلعية الإنتاجية والتصديرية، بما في ذلك تشجيع زيادة استثمارات القطاع الخاص في القطاع الزراعي والقطاعات الأخرى التي تولد فرص عمل جديد، خاصة وأن معظم استثمارات القطاع الخاص قد تركزت خلال السنوات الماضية في الأنشطة والقطاعات غير الإنتاجية، والتي لا تخلق سوى فرص ضئيلة لتوليد الدخل وتشغيل العمالة.

3- نشر وتعزيز ثقافة التعاون والشراكة التنموية بين أجهزة ومؤسسات الحكومة وشركات القطاع الخاص ونقابات الموظفين على إقامة المشروعات الاجتماعية والاقتصادية. فعلى سبيل المثال يمكن إيجاد آلية للتعاون والمشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص ونقابات الموظفين والعمال والجمعيات السكنية، وذلك لبناء وتشييد تجمعات سكنية حضرية لمحدودي الدخل. ويتحدد دور الحكومة في توفير الأراضي المناسبة للبناء من خلال وزارة الأوقاف وهيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، وبتوفير خدمات البنية الأساسية. ويتمثل دور القطاع الخاص في التشييد والبناء والتجهيز، على أن يتم تمليك هذه الوحدات بضمان النقابات والجمعيات السكنية وفقاً لنظام "التـأجير بغرض التمـلك"، بحيث لايتم نقل الملكية بصورة نهائية للمستفيدين إلا بعد اكتمال سداد الأقساط. ولاشك فإن مثل هذا التعاون سيعمل على خفض تكاليفها، فتجعلها في متناول محدودي الدخل، وفي الوقت نفسه توفير فرص عمل وتوليد الدخل واسعة، وبصورة مباشرة وغير مباشرة.

4- تشجيع البنوك التجارية على تمويل المشروعات الصغيرة من خلال التعاون والاشتراك مع الجهات الحكومية المعنية بشبكة الأمان الاجتماعي للحصول على دعم مالي وفني من الجهات المانحة التي تدعم برامج المشروعات الصغيرة والأصغر لإنشاء وحدات مستقلة في البنوك التجارية تتخصص في تقديم القروض لأصحاب المشاريع الصغيرة والأصغر، ودعم هذه الوحدات مالياً وفنياً. ويمكن كخطوة في هذا المجال فتح وحدات لبنك الأمل في هذه البنوك. 

5- إحياء قيم التكافل الاجتماعي في أنشطة المصارف الإسلامية بما في ذلك دراسة إمكانية وجدوى إنشاء وحدات مستقلة فيها لتمويل المشاريع الصغيرة والأصغر مستفيدة من وجود صيغ وأساليب عديدة لهذا المجال التمويل، مثل عقود الاستصناع والإجارة، وعقود المرابحة والمشاركة وغيرها . على أن يتم تمويل هذه الوحدات من صناديق القرض الحسن ومن عائدات إيرادات الاحتياطي الإلزامي المحجوز لدى البنك المركزي اليمني. وبهذا الأسلوب يمكن تحويل المساعدات والتبرعات الخيرية إلى مساعدات إنتاجية تساهم في الحد من البطالة والتخفيف من الفقر.

6- كذلك يمكن دراسة إمكانية وجدوى خلق آلية وقاعدة للتعاون والشراكة بين البنوك الإسلامية والجمعيات الأهلية التي بدأت بتقديم القروض البالغة الصغر والصغير ونجحت فيها ، بحيث تقوم المصارف الإسلامية بتمويل مثل هذه البرامج و/أو إدارة محافظها المالية بالاشتراك مع هذه الجمعيات.

7- تضمين مناهج الثقافة الإسلامية في الجامعات اليمنية مواضيع حول التكافل الاجتماعي وأهميته ودوره الاجتماعي والاقتصادي والتنموي.

 


خدمة المستثمر موبايل للرسائل القصيرة sms.. اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة

 (رياضة, مال وأعمال, مناقصات, فرص اقتصادية, أسعار, وظائف)

يمن موبايل 2233

5656 MTN

5757 MTN

سبأفون 3131

 

 

 


 

مواضيع ذات صلة :