آراء وأقلام نُشر

ملكية وإدارة وتقاسم الموارد الطبيعية (النفط والمعادن)

(الوضع الراهن في الجمهورية اليمنية/ المستقبل)

تعرف  الموارد (الثروات) الطبيعية بالموارد الأولية, الموجودة في الطبيعة، ويمكن استغلالها، ولها قيمة اقتصادية، مثل الغابات ,المياه, الاسماك, المعادن, المياه الجوفية الحارة, الهيدروكربونات .... إلخ.. وتصنف تلك الموارد إلى نوعين: ناضبة ومتجددة.. الموارد الناضبة: هي تلك التي تتواجد في الطبيعة بكميات محدودة وتنتهي في فترة زمنية محددة وفقا لعوامل ومعدلات الاستغلال.

الموارد المتجددة: هي تلك التي تتجدد اذا تم استغلالها بطرق عقلانية وتتماشى مع وتائر تجددها.


ملكية الموارد الطبيعية

اهتمت كل الدول تقريبا -(المتطورة والنامية)- بشكل أو بآخر بملكية الثروة الطبيعية وحرصت ان يتم النص على ذلك في الدستور.

ركزت الدول حديثة التحرر، في القرن الماضي، اهتمامها على سيادة ووحدة الدولة والتخلص من الاستعمار والهيمنة الخارجية، ولم تتطرق إلى تفاصيل توزيع وإدارة الثروة التي كانت اما تحت سيطرة الدول المستعمرة او الشركات العالمية الكبرى بموجب عقود امتياز، ولذلك جاءت النصوص الدستورية مركزة على ملكية الدولة للموارد الطبيعية وتسخيرها لخدمة تحقيق اهداف الدولة..

بعد مرور فترات من التحرر الوطني لبعض تلك الدول برزت احداث ونزاعات داخليه ضمن البلد الواحد بشأن ملكية الموارد (الثروات) الطبيعية وكيفية الاستفادة منها وعدالة توزيع عائداتها، وقد وصل النزاع إلى حد الاحتراب داخل البلد الواحد (كما حصل في كل من نيجيريا, السودان, كولومبيا , ... إلخ)، ولوضع حد لتلك النزاعات، وتلافيا لحدوثها في المستقبل، تم تعديل دساتير تلك الدول بإضافة نصوص واضحة بشأن ملكية الموارد الطبيعية وإدارتها واقتسام عائداتها بطرق عادله ترضى كل اطراف الطيف السكاني لتلك البلدان وتلبي حاجات المناطق المنتجة للثروة وتلك المحرومة منها .. أكد كل المشرعين الدستوريين والخبراء الاقتصادين على أهمية ان ينص الدستور، بشكل واضح، على ملكية الموارد الطبيعية، كحق سيادي، وإدارتها واقتسامها بصورة عادلة.  بحيث يستفيد منها كل اطياف ومكونات السكان والمناطق المتعددة في البلد الواحد، ولا يخضع هذا الحق للاجتهاد والتغيير من قبل طيف أو فصيل أو نخبة, وتكون النصوص واضحة وتحميها مؤسسات قوية فاعلة مدعومة من السلطات البرلمانية والمرجعيات القضائية, وهناك العديد من الابحاث والرؤى والنظريات في هذا الشأن


النزاعات على الثروة الطبيعية

النزاعات بين الدول المتجاورة

مع انحسار الاستعمار الأجنبي خلال القرن الماضي وظهور دول جديدة مستقله إلى حيز الوجود لم تكن حدود كثير من تلك الدول محددة بدقة ووضوح، بل تركها الاستعمار في وضع ضبابي. في البدء لم تكن تلك المسألة تحتل الهم الاول حيث ان الشعور بالاستقلال والسيادة على ارض الدول وامتلاك الحق في الحكم الوطني وفي امتلاك وإدارة الدول لثرواتها الطبيعية كان الهم الرئيس. ولكن بعد مرور الوقت تم اكتشاف الثروات في مناطق متداخلة أدت إلى منازعات بين الدول المتجاورة على امتلاك وادارة موارد المناطق الحدودية والامثلة عديدة، نذكر منها ( الجزائر والمغرب، اثيوبيا، السودان، إندونيسيا... وغيرها). حسمت تلك النزعات بعد مناوشات وحروب، اختلفت حدتها، وبعد مفاوضات أدت إلى اتفاق على اقامة مناطق محايدة أو مناطق مشتركة والاتفاق على تحديد كيفية اقتسام الموارد في تلك المناطق, من الأمثلة على ذلك:

المنطقة المحايدة (المقسومة) بين المملكة العربية السعودية والكويت.

المنطقة المحايدة بين المملكة العربية السعودية والعراق.

المنطقة المشتركة بين تونس وليبيا (قطاع 7 نوفمبر).

المنطقة المشتركة بين شطري اليمن (قبل الوحدة) (قطاع 5).

المنطقة بين زنجبار وتنزانيا (قيد المحادثات)


النزاعات داخل الدولة الواحدة

أهم الأسباب الرئيسية لظهور النزاعات على إدارة وتقاسم الثروة ضمن البلد الواحد هي المركزية المفرطة في إدارة الثروة واستغلالها وتوزيعها بصورة غير عادلة، حيث خلقت الشعور بالظلم والحرمان والغبن في المناطق أو الوحدات الإدارية المنتجة للثروة، وكذا في المناطق التي تفتقر لموارد الثروة على حد سواء. يؤدي بعد مراكز الدولة عن المناطق المنتجة إلى  ضعف الرقابة والمحاسبة وانعدام الحوكمة والشفافية واستشراء الفساد. والنتيجة المنطقية ظهور وانتشار المطالب بالاشتراك في إدارة الثروة والاقتسام العادل لها,

 التعامل مع هذه الظاهرة أخذ عدة مناهج نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

الاحتراب ضمن البلد الواحد، نيجيريا (بيافرا)، السودان (جنوب وشمال)، إندونيسيا (اقليم اتشه)... الخ.

المطالبة بالانفصال وبروز اتجاهات معارضة للوحدة الوطنية (اخر مثل لذلك دعوة انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة بحجة عدم عدالة الاستفادة من عوائد النفط في بحر الشمال).

مطالبة الوحدات الادارية (المحافظات) المنتجة للثروة بإدارة تلك الثروة والاشراف المباشر على إنتاجها وتقاسم عائداتها (وهذا ما يحصل الآن في كل من العراق وليبيا).

لتفادي الصراع داخل البلد الواحد واحتوائه إن حدث وتلافي تصاعد حدته واتساع رقعته؛ من الضروري ان يعالج موضوع إدارة واقتسام الثروة على أسس علميه واقتصادية، وأن تؤخذ بعين الاعتبار، العوامل الديمغرافية والايكولوجية، وخصائص المناطق المنتجة والمناطق غير المنتجة، ونوع الثروة الطبيعية، وتأطير ما يتم التوصل إليه ضمن نظام مؤسسي منطقي ويتم النص على ذلك في الدستور ،كما أسلفنا.


الفدرالية المالية

تعددت وتشعبت أوجه الصراع على إدارة وتوزيع أو اقتسام الثروات الطبيعية بتعدد أنماط وتنوع وتطور البناء الديمقراطي ونشوء الحكومات الفدرالية (الاتحادية).

ظهر مفهوم الفدرالية المالية خلال العقود الاخيرة من القرن الماضي، وتطور هذا المفهوم مع تطور الحاجة إلى إقامة أنظمة اقتصادية لامركزية ضمن البلد الواحد، بغض النظر عن نظام الحكم سواء كان اتحاديا أو موحدا أو ما إلى ذلك. وظهر مفهوم ما عرف بعد ذلك بـ «الفدرالية المالية» كأسلوب لإدارة الموارد.

تعنى الفدرالية المالية بفهم ومعالجة وتحديد المهام والمسؤوليات التي من الافضل أن تناط بالمركز وتلك التي من الأفضل ان تناط لا مركزياً بالمستويات الدنيا على مختلف مستويات السلطة في الوحدات الإدارية، ضمن الدولة الواحدة. بمعنى آخر أن يتاح لسكان الوحدات الإدارية (مناطق/ أقاليم / محافظات ...إلخ ) اختيار أسلوب إدارة موارد تلك الوحدات وتوزيع الخدمات بما يتلاءم وحاجة السكان وخصوصياتهم وتنظيم توزيع الموارد المخصصة لتلك الوحدات، سواء من عائدات الثروات المنتجة محليا أو ما تحصل عليه من المركز دون تحكم أو تدخل من خارجها، وطبقا لآلية محددة.. تبلورت الفيدراليات المالية بأشكالها المختلفة في الدول الغنية ذات الأنظمة الديمقراطية وتطور نظام التوزيع اللامركزي الذي يتم فيه التوزيع العادل للثروات الطبيعية.

في القرن الماضي نالت كثير من الدول استقلالها وتم لها التحرر الكامل سواء من الاستعمار او من الأنظمة الدكتاتورية والشمولية وظهرت دعوات لتبني نظام لامركزية البناء المؤسسي لضمان عدالة توزيع الموارد, نذكر هنا على سيبل المثال: الهند، نيجيريا، الامارات العربية المتحدة، اندونيسيا، دول امريكا اللاتينية، روسيا الاتحادية... الخ.

ان التطور السياسي والاقتصادي في  أية دولة يظل قاصرا ومشوها إذا لم تبني الدول المعنية أنظمة مؤسسية قائمة على أسس علمية واقتصادية تعنى  وتحافظ على الحكم العادل والرشيد في إدارة الدولة و توزيع وإدراة الموارد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تطور وتعدد الأبحاث والاجتهادات حول مفهوم الاقتسام العادل للموارد أدى إلى ظهور عدة مسميات لمفهوم واحد هو:  «عدالة إدارة واقتسام الموارد» في داخل البلد الواحد نذكر من تلك المسميات (المصطلحات):

الاقتسام الرأسي.

الاقتسام الأفقي.

الاقتسام غير التماثلي.

الاقتسام المباشر.

كل تلك المسميات تدل على النهج المطبق حول كيفية اقتسام وإدارة الموارد دون التقيد بشكل الحكم في الدولة المعنية. الجدول رقم (1) يعرض بالتفصيل كل تلك المفاهيم.


ملكية وإدارة واقتسام الموارد الطبيعية:

لتوضيح هذا المفهوم نورد أدناه نماذج في كيفية البناء المؤسسي لإدارة وتقاسم عوائد الثروات الطبيعية والنظم والتطبيقات المعنية للملكية، لعدة دول مختارة وذات أنظمة حكم مختلفة.

الجداول الملحقة تبين بإيجاز النظم المتبعة في تلك الدول:

الجدول رقم (2) يتضمن أمثله لعدد من الأقطار وما يتبع فيها بشان ملكية الموارد.

الجدول رقم (3) يوضح نظام إدارة الثروات في عدة أقطار من مختلف الأنظمة السياسية.

الجدول رقم (4) يظهر كيفية تقاسم الثروة في عدد من الأقطار ذات البناء المؤسسي المختلف.

الجدول رقم (5) يظهر بشيء من التفصيل النظام المطبق في اندونيسيا والذي صدر عام 2004.

بالإمعان في الجداول المرفقة، نلاحظ أن الدول، سواء المتطورة أو النامية راعت، بطرق علميه ومنطقية، موضوع ملكية وإدارة واقتسام الثروات الطبيعية بما يحقق عدالة اقتسام تلك الثروات .


الوضع الراهن في الجمهورية اليمنية

يمكن تحديد الوضع القانوني والمؤسسي لامتلاك وإدارة الثروات الطبيعية والإشراف عليها في الجمهورية اليمنية بالتالي:-

ملكية الموارد الطبيعية واستغلالها حددها الدستور في المادة (8) بما يلي :

“ الثروات الطبيعية بجميع أنواعها ومصادر الطاقة الموجودة، في باطن الأرض أو فوقها أو في المياه الإقليمية أو الامتداد القارئ أو المنطقة الاقتصادية الخالصة، ملك الدولة وهي تكفل استغلالها للمصلحة العامة”

وتحدد المادة (18) كيفية استغلال واستثمار الموارد الطبيعية بالتالي:

“ عقد الامتيازات المتعلقة باستغلال موارد الثروة الطبيعية (....) لا يتم إلا بقانون ..... إلخ”

نص قانون الاستثمار على عدم خضوع اتفاقيات استكشاف واستثمار النفط لأحكامه، وإنما تصدر بقانون يعطي تلك الاتفاقيات قوة القانون.

حدد قانون المناجم والمحاجر ولائحته التنفيذية كيفية وآلية استكشاف واستثمار المعادن.

اتفاقية تطوير الغاز في قطاع (18) مأرب الجوف وملحقاتها تمت المصادقة عليها بقانون أعطي لأحكامها قوة القانون.

جميع اتفاقيات المشاركة في الإنتاج، المتعلقة باستثمار النفط (فقط) نصت على أن الغاز ملك للدولة وتمت المصادقة عليها بقوانين طبقا لأحكام الدستور.

الاتفاقيات التي صدرت حديثا (في عام 2009) أعطت للشركات المستثمرة حق استكشاف واستثمار الغاز الطبيعي إضافة إلى النفط,

اذاً فالدستور نص صراحة على مركزية ملكية الدولة للموارد الطبيعية، وتم الأخذ تعسفا بمركزيه إدارتها وتوزيعها وأنيط بوزارة النفط والمعادن هذا الحق، وسرى هذا المبدأ على مركزية توزيع واقتسام العوائد بتحديد مخصصات مختلف مؤسسات الدولة  وتعكس في الميزانية العامة للدولة التي تقر مركزيا وتصدر بقانون.

باختصار فالوضع الراهن (عرفا) كما أسلفنا, قائم على مركزية ملكية الثروات  ومركزية إدارتها والإشراف عليها وتوزيعها.

وبهدف الاطلاع والمقارنة حول أنماط العقود (الاتفاقيات) السائدة في العالم وأحكامها المالية لاستغلال واستكشاف النفط وتلك المطبقة في الجمهورية اليمنية نورد الجدول (6) الذي يوضح ذلك.. قبل الانتقال من الحديث عن الوضع الراهن, أود أن أشير بإيجاز إلى مورد “الحرارة الجوفية” أو ما يسمى أحيانا “المياه الجوفية الحارة” التي تتواجد في عدة مناطق في اليمن، لقد تم إجراء دراسة اولية في ثمانينيات القرن الماضي في شطري اليمن لمواقع تواجدها ومدى ملائمة تلك المواقع للاستثمار في توليد الطاقة أو السياحة.. ولكن هذا الجانب أغفل بعد الاكتشاف التجاري للنفط.


افاق المستقبل

لا يختلف اثنان على أن “اليمن الجديد” لن يستقر ويتطور إلا إذا شارك الجميع بشكل ديمقراطي في السلطة، ونعم الكل بعدالة اقتسام الثروة بشكل منطقي.. ولو رجعنا إلى ما استعرضناه آنفاً حول النزاعات سواء بين الأقطار المتجاورة أو داخل البلد الواحد على الموارد الطبيعية، وللتذكير فقط أعيد سردها، نجد بجلاء شديد أن جذور المسألة، وإن تعددت مظاهرها, هي: المركزية الشديدة, عدم المشاركة في إدارة ومراقبة وعدالة التوزيع، الفساد، انعدام الشفافية، سيطرة النخب، انعدام الحوكمة... الى آخر ذلك.. كل تلك الظواهر علينا أخذها بعين الاعتبار عند المناقشة ووضع الحلول..  ونحن نضع أمامكم عرضاً موجزاً لتجارب الدول المختلفة المتقدمة أو النامية، نأمل أن تشكل أرضيه ننطلق منها للتوصل إلى الصيغة المثلى.. ولأننا حتى الآن لم نتوصل إلى اتفاق تام على شكل الدولة، أجدها فرصة ان نناقش كلا الموضوعين بالتوازي. يمكن أن يعين هذا على الوصول إلى الصيغة المثلى للوضع المؤسسي لمستقبل اليمن الجديد بكل أشكاله.

في الختام اسمحوا لي أن اذكر الجميع بأن اليمن بشطريه، قبل الوحدة، قد توصل لحل متفرد لامتلاك وإدارة واقتسام الثروة المشتركة عام 1989 آخذاً بعين الاعتبار مجمل الخصوصيات السياسية والاقتصادية والإدارية آنذاك عند الاتفاق على إنشاء وإقامة المنطقة المشتركة، حيث تم إنشاء شركة مملوكة للشطرين تقوم بإدارة المنطقة المشتركة وأية ثروة توجد بالمنطقة هي ملك للشركة ويمكن للشركة استثمار المنطقة بالاستعانة بخبرات وإمكانيات أجنبيه إن رأت ذلك دون العودة لحكومتي الشطرين.

* استشاري

مجلة الاستثمار
 


 

مواضيع ذات صلة :