آراء وأقلام نُشر

دعم المشتقات النفطية مالها وما عليه(1)

 
يقصد بالدعم استيراد المشتقات النفطية من الخارج بالسعر العالمي وإعادة بيعها إلى المستهلك المحلي بسعر أقل ، ويمثل الفارق بين سعر الشراء وبين سعر البيع للمستهلك المحلي هو الدعم . وبتتبع أرقام الدعم نجد أن الدعم قد ارتفع من متوسط 120,678 مليار ريال خلال الفترة 2000-2005 إلى متوسط 491,580 مليار ريال خلال الفترة الثانية 2006-2011 . وقد كان الدعم يشكل نسبة 16% في المتوسط من النفقات العامة خلال الفترة 2000-2005 وارتفع إلى متوسط 26% من النفقات العامة خلال الفترة الثانية 2006-2011 ، أما كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي فقد بلغت نسبته خلال الفترة 2000-2005 حوالي 5% وارتفعت هذه النسبة خلال الفترة 2006-2011 إلى نسبة 9% . ولهذا نحن أمام أرقام فلكية للدعم فهو يشكل حوالي ثلث الموازنة العامة للدولة ، ويعادل حصيلة الدولة من الضرائب ويشكل حوالي نفس نسبة مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي وهو كذلك يعادل نصف حصيلة الدولة من الصادرات النفطية. 
ومن هنا يبرز السؤال الأول عن: ما هو المبرر للدعوة إلى الإبقاء على هذه السياسة التي تقلل الموازنة وتعمل على توجيه موارد الدولة من النقد الأجنبي إلى واجهة غير صحيحة بالرغم من أن هذا الدعم في الحقيقة لايذهب إلى الفقراء كما هو مستهدف وإنما إلى قلة قليلة من المنتفعين من رجال الدولة والتجار ؟ ....كذلك يبرز السؤال الثاني: ما هو المبرر للدعوة إلى تحرير أسعار المشتقات النفطية الذي يعتقد البعض أنها سوف تؤدي إلى رفع الأسعار وبالتالي تخفيض مستويات الدخول لذوي الدخل المحدود وبالتالي تدهور مستوى معيشتهم ؟. فمن المعروف أن رفع الأسعار يؤدي إلى الإضرار بأصحاب الدخول الثابتة والمحدودة ، ويعيد توزيع الدخول في صالح أصحاب الدخول العليا وحائزي العقارات والعملات الأجنبية..... الخ. 
وقبل الحديث عن وجهة نظر المؤيدة والمعارضة للدعم نود البدء بتوضيح أثر تطبيق الأسعار العالمية للمشتقات النفطية على الأسعار المحلية . إن تطبيق الأسعار العالمية لا ينطبق على جميع السلع والخدمات وإنما هناك تقسيم يتبعه الاقتصاديون للسلع يتمثل : 
1- في السلع القابلة للتجارة التي تكون مجال الاستيراد والتصدير مثل السلع الزراعية مثل الخضار والفاكهة، والحبوب والأرز والسلع الصناعية مثل المعلبات والمشروبات والمشتقات النفطية ..وغيرها . فمثل هذه السلع لها أسعار معلنة في الأسواق الدولية ..
2- وهناك السلع غير الداخلة في التجارة (السلع المحلية) والتي تشمل خدمات النقل الداخلي، والمهن الحرة مثل المحامين والأطباء ففي مثل هذه الخدمات يتم تحديد الأسعار بناءً على تكلفة الخدمة والمهارة، والثقة، والنوعية، والوقت المطلوب للإنجاز ، وكذلك الأجور والمرتبات والفوائد وإيجار الأرض. ومع ذلك يجب أن ندرك أن أسعار السلع والخدمات المحلية لا تبقى ثابتة في حالة ارتفاع أسعار السلع التي تدخل التجارة . فالعديد من الشواهد تؤكد أن أسعار سلع التجارة تصبح أسعاراً تأشيرية لمقدمي السلع والخدمات المحلية الأمر الذي يدفعهم إلى رفع أسعارهم وإن لم تكن بنفس النسبة. 
ويرى الدكتور سعيد النجار أن سلع التجارة قد تكون أسعارها الدولية في حالة ثبات أو انخفاض بينما أسعارها في الدول المستوردة تتجه إلى الارتفاع . ويحدث مثل هذا الوضع في الدول التي تعاني من العديد من الاختلالات مثل :
1- حدوث ا ختلالات مالية ونقدية في الدولة المستوردة مثل ارتفاع كلا من عجز الموازنة وميزان المدفوعات، وسلبية أسعار الفائدة، وتقويم سعر الصرف بأعلى من قيمته. فوجود مثل هذه التشوهات تؤدي إلى ارتفاع مستوى الأسعار الذي يترتب عليه تدهور العملة المحلية مقابل العملات الأخرى مما يترتب عليه ارتفاع أسعار الواردات ويحدث الارتفاع في أسعار الواردات بسبب أن تدهور قيمة العملة يجعل كمية النقود المحلية (الريال) التي تذهب إلى شراء العملات الأجنبية (الدولار) أكبر حتى وإن ظل سعر الصرف في البنك المركزي ثابتاً..
2- قد يحدث الارتفاع في الأسعار بسبب وجود تشوهات في هيكل الإنتاج حيث ترتفع نسبة مساهمة القطاعات الخدمية بالنسبة للقطاعات السلعية. فمع زيادة الدخول في القطاعات الخدمية يزداد الطلب على السلع الغذائية وغيرها من ناحية، ومع انخفاض العرض المحلي من هذه السلع من ناحية أخرى فإن الأمر يتطلب تغطية عجز الإنتاج المحلي من خلال الاستيراد الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم العجز في ميزان المدفوعات. ويتطلب الحد من هذا العجز إجراء تخفيض في العملة كإحدى وسائل العلاج، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار الواردات وبالتالي ارتفاع أسعار السلع الأخرى..
3- قد يحدث الارتفاع في الأسعار بسبب عدم قدرة الدولة على توفير مبالغ معينة كانت تخصص لدعم بعض السلع والخدمات(القمح، الدقيق، الأرز ، السكر و المشتقات النفطية ....الخ .) فتميل إلى التخلص من هذا الدعم، الأمر الذي يؤدي إلى رفع أسعار هذه السلع وبالتالي أسعار السلع الأخرى . مانود أن نقوله هنا أنه بدون إصلاح الاختلالات السابقة ، فإن ارتفاع الأسعار تصبح ظاهرة مستمرة في الاقتصاد بغض النظر عن اتجاه الأسعار العالمية أو رفع الدعم عن المشتقات النفطية .
المقال القادم : مبررات المؤيدين لسياسة دعم المشتقات النفطية (2)
أستاذ الاقتصاد كلية التجارة والاقتصاد ، جامعة صنعاء

 

مواضيع ذات صلة :