آراء وأقلام نُشر

«كره الأجانب» في السعودية

تحولت مسألة ترحيل العمالة الاجنبية المخالفة في السعودية الى معركة، وليس هدفا وطنيا من حق المملكة ان تسعى اليه.

معظم الاعلام السعودي "الذي يهلل لأي اجراء تتخذه حكومته " مارس تحريضا غريبا ضد العمالة الاجنبية والمقيمين الاجانب جعل من قضية ترحيل العمالة الاجنبية معركة "يجب ان يشارك فيها كل سعودي" مثيرا المشاعر الشوفينية ضد كل ماهو اجنبي في المملكة.

وهذا الاعلام اوجد حالة "هياج" غريبة على السعودية ومجتمعها لم تتعودها حتى في عز ازماتها ومعاركها الحقيقية ، التي كان اهمها وأشرسها معركتها ضد تنظيم القاعدة الذي استهدف امن السعودية واستقرارها بتفجيرات انتحارية قبل عشر سنوات.

وفي ظل حالة الهياج هذه لم يفرق الاعلام بين المقيمين العرب الذين يعرفون العادات العربية السعودية ويحافظون عليها، وبين الوافدين الاجانب – خصوصا الجدد منهم –، ولم يفرق بين المقيمين غير الشرعيين المتسللين عبر الحدود من بقايا الحج والعمرة الذين من حق السلطات الامنية ملاحقتهم ومحاكمتهم وطردهم، وبين المخالفين لانظمة العمل الذين يعملون عند غير كفلائهم او عند كفلائهم بمهن غير مهنهم الاساسية، وهؤلاء من حق وزارة العمل ملاحقة مخالفاتهم وتصحيح اوضاعهم.

في ظل حالة الهياج الاعلامي على الاجانب حمل معظم الزملاء الكتاب الصحافيين السعوديين المقيمين والعاملين الاجانب مسؤولية المشكلات الاقتصادية والحياتية للمجتمع السعودي.

ففي برنامجه اليومي "الثامنة مع داوود" خصص الاعلامي السعودي المعروف داوود الشريان العديد من الحلقات التي تريد ان تخلق قناعة بان المقيم والعامل الاجنبي هو سبب معظم مشكلات المملكة الفساد والرشوة وتحويل مليارات الدولارات للخارج وشراء التاشيرات، حتى انه لم يستثن في احدى حلقاته السعوديين المتجنسين.

والغريب ان الصديق والزميل جمال خاشقجي المعروف بكتاباته الواقعية والمتزنة شارك وكتب عن ارتياح المواطن السعودي لان شوارعه قل ازدحامها بسبب انخفاض اعداد العمالة الاجنبية في بلاده، مشيرا الى ان هذه العمالة تشكل عبئا على البنية التحتية، ودعا الى مجتمع نظيف بيئيا خاليا من العمالة الاجنبية.

حالة التحريض والهياج التي لم تعهدها السعودية المعروفة بانها "مملكة الانسانية " جعلت الاعلام والسلطات تتعامى عن ان احد الاسباب الرئيسة لتضخم اعداد العمالة الاجنبية في البلاد هو منح الاف تاشيرات العمل لاصحاب النفوذ الذين لهم واسطة او دلالة عند كبار المسؤولين، وهذه التاشيرات تباع بالاف الدولارات لفقراء الدول العربية والاجنبية الذين يبحثون عن فرص عمل في المملكة باي ثمن، وعندما يأتون الى المملكة يتعرضون لابتزاز كفلائهم فيدورون في شوارع المدن السعودية بحثا عن عمل يقتسمون عائده مع كفلائهم.

صحيح ان حملة ملاحقة العمالة الاجنبية والمقيمين غير الشرعيين في السعودية قد اسفرت عن ترحيل نحو مليون– واوجدت عملا ووظائف لنحو ربع مليون سعودي – كما تقول الارقام الرسمية- وهذا شيء ان تحقق فعلا فهو امر يسجل لصالح السلطات السعودية.

ولكن حالة الهياج هذه جعلت السلطات تتجاهل المشكلات الخدماتية التي اصبح يعاني منها المواطن العادي بسبب قلة اعداد عمال الخدمات كالكهربائي والبنّاء والسباك وعمال المخابز والتحميل وغيرهم، وهذه المشكلات كتبت عنها بعض الصحف ولكن تم تجاهل هذه الكتابات.

ولكن الاهم ان حملة التحريض وحالة الهياج ضد العمالة الاجنبية اوجدت نوعا من "الشوفينية" عند معظم الشباب السعودي، وجعلت معظمهم ينظر للاجنبي – عربيا كان ام غير عربي – انه جاء "لخدمته او لسرقته او منافسته في لقمة عيشه".

والشوفينية السعودية التي بدأت تتغلغل في عقلية الجيل الجديد جعلته ينظر نظرة فوقية للاخرين، وهذا يمكن ملاحظته من التعليقات التي وردت في مواقع التواصل الاجتماعي السعودي على مسألة ازدحام الطرق بدبي ليلة راس السنة، وهي تعليقات حادة في شوفينيتها، قلّل من حدتها الصديق السفير السعودي السابق الدكتور عبد العزيز الصويغ حين علق عليها واصفا اصحاب التعليقات هذه بانهم "مثل من لم يستطع ان يطول العنب فقال عنه حامض".

الشوفينية السعودية جعلت العديد من السعوديين الشباب ينظرون بـ"ضيق عين" لأي اجنبي يحصل على وظيفة مهمة او يحقق نجاحا ماديا ووظيفيا.

الشوفينية السعودية المتنامي فيها خطر على المملكة المعروفة بانها "مملكة الانسانية "، وعلى مجتمعها وعلاقاته بالمجتمعات الاخرى فليس بالمال وحده حققت المملكة مكانتها العربية والدولية وحققت نهضتها الحضارية.

 

العرب اليوم


 

مواضيع ذات صلة :