اليمن يقف على مفترق طرق فإما أن يكون أو لا يكون وكلا الخيارين يتوقف الذهاب إليهما على استعداد أطرافه المختلفة والمتصارعة على فهم وإدراك واستيعاب أن مصلحتهم في أن يكونوا مع العملية السياسية الهادفة إلى تغيير الظروف والأوضاع التي ورثناها من الماضي وضاعفتها أنانيتها وحماقتها وضيق أفقها الذي يتجلى مظهره الأبرز في إصرارها على فرض أجندة مشاريعها الصغيرة التي يمكن تلخيصها إما في الحفاظ على مصالحها وهيمنتها ونفوذها وفسادها كما كانت وإما كما تريد بعض القوى إزاحة الآخر والإحلال محله بوسائل العنف والإرهاب وافتعال الأزمات واللجوء إلى قوة السلاح.
كلنا نعي أن مثل هذه الخيارات معادلتها غير قابلة للتحقيق، فالذي يريد كل شيء يخسر كل شيء وهذا ليس هو المهم، فخسارة الأفراد أو الأحزاب أو الجماعات إذا لم تكن على حساب وطن وشعب.. حاضره ومستقبله هي مكسب لهم إن نظروا إلى أبعاد المخاطر بعمق عليهم وعلى البلاد والعباد .. فالشمشونية هنا - بما ستؤدي إليه من دمار وخراب وإرهاب وفوضى وانقسام وتشظي إلى كيانات قزمية متصارعة - ليست إلا عدمية أنتجتها عقول متخلفة وعقيمة تحركها دوافع الثأر والانتقام ونزعات استعلائية تسلطية استبدادية عصبوية مناطقية وقبلية.. طائفية ومذهبية مشاهدها ماثلة للأعيان لمن يحسن الرؤية ببصيرة نافذة في أكثر من بلد عربي ومرت وتمر بها دولاً في أفريقيا وآسيا وحتى أوروبا ويفترض أن نأخذ العبرة ونستوعب الدروس من الآلام والمعاناة والجراح التي لا تندمل ممن سبقونا.. لاسيما وأن الأجواء والمناخات الإقليمية والدولية المضطربة وغير المتوازنة بمحاورها المتصارعة على مصالح تجعل ما يجري في اليمن تفصيلاً خارج سياقات اهتماماتها على أهمية موقعه الجيوسياسي ووجوده في منطقة حيوية بثرواتها ومع ذلك قد ينكفئ عنه اللاعبون الدوليون ويتركونه لمصيره وتفوتنا فرصة توافق القوى العالمية الأساسية والرئيسية على مسار الحلول السلمية لقضايانا ومشاكلنا المجسدة في التسوية السياسية للمبادرة الخليجية والنتائج التي انتهى إليها مؤتمر حوارنا الوطني في صورة مخرجات يتوجب التركيز على تنفيذها باعتبارها السبيل الوحيد الذي فيه نجاتنا جميعًا بها نتجاوز أية صعوبات أو تحديات أو أخطار قد تأخذنا إلى طريق اللاعودة إن لم نحكم عقولنا ونكبح جماح نزعاتنا المريضة المثقلة بأوزار أحمال ماضٍ آن أن نتخلص منه ونتركه خلف ظهورنا لننطلق صوب المستقبل بروح جديدة مفعمة بآمال وتطلعات شعب ناضل بصبر مقدمًا التضحيات من أجلها وكلما أوشك على تحقيقها جاء من يسرق حلمه في وطنٍ يتسع لكل أبنائه.. ودولة مدنية ديمقراطية حديثة تسودها العدالة.. الجميع فيها متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون.. مواطنون لا رعايا.. شركاء لا أُجراء.. يصنعون معًا حاضرهم وغد أجيالهم المزدهر المتطور والمتقدم.