آراء وأقلام نُشر

عن مهرجان صيف صنعاء

 
زرت مهرجان صيف صنعاء السياحي من باب المثل البولندي "ان تأت متأخرا خير من أن لا تأتي" .. وإذا كنت موفقا فقد خرجت بعدد من الملاحظات العامة ذات الصلة بهذا النشاط الذي جرى لمدة شهر في حديقة السبعين بالعاصمة ..
الفكرة ممتازة في جوهرها كونها أتت في وقت الشارع اليمني فيه يغلي على نفسه متأثرا بالجرعة السعرية الجديدة والحال الأمني المهترئ في البلاد .. لمست بسرعة رغبة الناس في نبذ الخصام جانبا والالتئام على بعض من تقاليد اليمن وموروثاته وعاداته في البهجة والملبس والعمل اليدوي وحتى شرب القهوة.. 
الفكرة ممتازة في مضامينها فقد شهدت على عدد كبير ومتنوع من المشغولات والأنشطة التي أعادتني لسنوات اليمني الكريم الذي اهتم ببناء بلده وانجاز عمله بحرفية ومهارة حتى لم يصعب عليه بناء مدرجات جملت الجبال العاتية وزينت المنحدرات وهي تستلقي بين أحضان الضباب .. 
ملابس وأدوات وأنشطة ومنتجات مخصصة للعرض وللبيع عكست موروثنا الحضاري من حجة إلى المهرة وكانت اليمنية فارسة العرض كالعادة كما شكلت حفلات كبار الفنانين والمنشدين طيفا ملائما جذب الآلاف يوميا كما بدا لي بطريقة جيدة ..
خرجت من سقم ما كنت أعيشه قبل ساعات ولوجي لباحات المهرجان .. نسيت نفسي وأنا أرى آلاف الرجال والنسوة شبابا وفتيات يتقاطرون على المواقع وكأنهم في سوق لعرض جواهر اليمن الثمينة .. 
ذهبت بي الأفكار بعيدا جيئة وذهابا إلى البن اليمني " موكا " الذي كان سفيرا فوق العادة واعدت تساؤل الزميل احمد الشقيري في خواطره : لماذا انطفأ وهج البن اليمني مقارنة بالبن البرازيلي – مثلا – وهو لا يرتقي لمستواه جودة وشهرة ..!
أعادتني الذاكرة إلى اليمني القديم الذي كان يتسلح بـ"الفريقة " لحماية نفسه من الهوام في الوديان وتأسفت كيف تحول إلى كلاشنكوف يقتل بدم بارد البريء والمستجير.. كيف شيد أجدادنا حضاراتهم بتطويع الحديد كما فعل ذات مرة نبي الله داوود عليه السلام , وكيف خرج من ظهورهم قوم يذبحون اليمني على شاكلة الدجاج في سوقها ..!
لن أعيدكم للهموم وقد دخلنا ببهجة مهرجان صيف صنعاء .. لكنها مفارقات لا بد من تقريبها من منطلق هذه حياة وذاك موت ولكل منا ما يريد ويهوى ..!
مهرجان الصيف هذه المرة كما بدا لي وسمعت من قريبين حمل بعض جوانب القصور لن أشير للجوانب المالية لأنها دوما تثير عدم الرضا والله اعلم ببواطنها .. يهمني التأشير هنا إلى المساحة التي كنا نرجوها اكبر بكثير حتى تكون الحركة أسهل وأكثر هدوءاً وصحية.. فقد كان تكدس البشر في اغلب الخيام مدعاة لقلق التجمهر غير الحميد.. كما أن منظر العارضين في جوانب المعرض وهم يمضغون القات لم يكن موفقا ونرجو أن لا يتكرر حتى إذا كان في بال المنظمين أن كل الزوار يمنيون أو مقيمون في بلادنا .. 
أخيرا:
مهرجان الصيف جاء ثمرة تعاون أمانة العاصمة ووزارة السياحة ورغم بعض جوانب القصور فقد أوصل رسالة مهمة للداخل حين شكل متنفسا عاقلا للناس هربوا إليه من شظف وجنون الشارع.. كما كان رسالة جيدة للخارج عن البلد وقت غليانها وهذا يعتمد طبعا على حضور العدسة الموجهة للخارج.. وبتلافي المنظمين لبعض القصور ستكون النسخ التالية من المهرجان في الق اكبر وفاعلية أكثر.

 

مواضيع ذات صلة :