آراء وأقلام نُشر

دولة تنهض بالاقتصاد

  لا يواجه  الاقتصاد اليمني تحديات ومخاطر فقط وإنما هو في حالة خطرة تستوجب أكثر من علاج وأكثر من عملية جراحية، وليس العلاج متاحاً ولا العملية الجراحية ممكنة في الظروف الراهنة وقبل أن تتحقق معجزة استعادة الدولة وإعادة بنائها على أسس سليمة توفر لها الكفاءة والفاعلية والاستمرارية. 
مظاهر المشكلة الاقتصادية بادية في توقف حركة الاستثمارات وتباطؤ النمو وتصاعد حدة الفقر وشيوع البطالة وارتفاع حجمها ومعدلاتها في الفئات العمرية المختلفة وعلى اختلاف مستويات مهارة وتعليم ومؤهلات القوى العاملة. 
يترافق هذا مع زيادة مضطردة في معدلات التضخم مقرونة بانخفاض حاد في حجم الطلب الكلي «العام والخاص» ناتج عن تدني مستويات الدخول وعجز هائل في الموازنة العامة استتبعه التوقف عن تمويل استثمارات جديدة وتعثر الكثير من المشاريع الحكومية قيد التنفيذ. 
لم يؤد تراجع مستوى الطلب إلى إحجام رؤوس الأموال عن الدخول في استثمارات جديدة, بل وإلى تحقيق الشركات خسائر؛ حتمت خفض النفقات خصوصاً على الوظائف, سواءً بإنقاص الأجور أو الاستغناء عن جزء من العمالة, فضلاً عن تصفية العديد من الشركات العامة والخاصة. 
إن المشكلة الاقتصادية في اليمن قديمة ومستمرة, ولكنها استفحلت أكثر في السنوات الأخيرة, بسبب تفاقم الاضطرابات السياسية والاجتماعية وما صاحبها من اختلال أمني؛ أضاف ظروفا وعوامل جديدة؛ مثبطة للاستثمار ومحققة للركود.
 والواقع أن الاقتصاد اليمني لا تنقصه الموارد اللازمة؛ لتحقيق نمو متسارع ولإقامة اقتصاد ضخم؛ ينزل بالبطالة إلى أدنى معدلاتها ؛ ويحصل فيه المواطن على نصيب وافر من الدخل القومي؛ يضمن له حياة كريمة وآمنة، إنما المعضلة في الاستخدام السيء للموارد المستغلة، وفي إهدار موارد متاحة وقابلة للاستثمار. 
إن الجوهر في الأمر كله هو الإنسان الذي يقود ويدير, ولقد استثمرت اليمن كثيرا في مجال العنصر البشري ومع الاختلاف الحاصل في مخرجات التعليم والتفاوت الطبيعي في القدرات والمهارات والذكاء الإنساني؛ فقد كان مقدراً لجيوش المتخرجين من الجامعات والمعاهد العليا أن تستثمر في الأرض, وفي الموارد الطبيعية؛ ما يحدث تنمية شاملة ومتكاملة بتحقيق الرخاء للمجتمع والرفاه للمواطن والتقدم للوطن.
 وعلى سبيل المثال فإن الآلاف من خريجي الكليات والمعاهد الزراعية كان في مقدورهم, لو أحسنت إدارتهم؛ زراعة وتعمير الصحراء، والآلاف ممن درسوا الهندسة والاقتصاد والمحاسبة, كانوا مهيئين ؛ لتشييد بنية أساسية متينة , وإقامة صناعة جبارة ومشاريع للخدمات هائلة, كما أن الآلاف من دارسي القانون , كانوا مؤهلين لبناء صرح شامخ للعدالة يحمي الحقوق ويسهر على التنمية الوطنية, وكذلك في السياسة والثقافة والصحة والتعليم وغيرها من النواحي, التي تتآزر وتتكامل لبناء دولة قوية عمادها اقتصاد راسخ. 
كانت البلاد ولا تزال غنية بالموارد المتاحة للاستثمار، وكان الشعب ولا يزال مستعدا للعمل، جاهزاً وقادراً أمام من يرشده ويوجهه الوجهة السليمة.
 وكان في هذا البلاد, ولا تزال رؤوس أموال في أيدي رجال يتمتعون بروح المبادرة, ولديهم القدرة على التنظيم والإدارة, ومستعدون للمخاطرة بالآل وبذل العرق والجهد؛  لكن اليمن لم تستثمر هذا كله وكثيرا منه، وفي توظيفها القليل مما تمكن فقد فعلت ذلك في فوضى بلا حدود نتج عنها الإهمال والإهدار وضاعت فرصة ثمينة.
 ولم تكن, ما أطلقنا عليها التنمية, سوى نمو مشوه؛ خلّف اقتصادا هشاً لم يقدر على حمل الدولة فوق كتفيه الضعيفين؛ حتى أفقنا على الحالة المزعجة, التي تعيشها البلاد الآن. 
وكذلك يتراءى بأن الفشل في استثمار الموارد الطبيعية يرجع إلى عدم الاستثمار الأمثل للموارد البشرية.
 والعلة في ظروف غير صحية أغلقت مسالك الجهاز  الإداري للدولة في وجوه ذوي العلم والكفاءة والإخلاص وفتحته لغيرهم ممن أعادوا تصميمه بأدوات مشوهة على مقاسهم حتى بات جثة ضخمة بلا قلب ولا عقل، وصارت مهمته الرئيسة سد الأبواب وإعاقة الحركة بدلاً من التفكير والتدبير. 
إن العلاقة طردية وتبادلية بين أداء الدولة والكفاءة الاقتصادية؛ وحيث تعطل الدولة الاستثمار, وتعيق النمو الاقتصادي؛ فإن الضرر يلحق بها لا محالة. 
وإذ يتزايد ضعفها؛ تنعكس الصورة على الاقتصاد, وهكذا في حركة دائرية مغلقة لا فكاك منها إلا بكسرها من نقطة ماء ، هي بالضرورة الإدارة الحكومية السيئة. 
ونحسب أن شرخاً في الدائرة الحديدية المغلقة حدث بالتشكيل الوزاري الجديد؛ فإن وجوهاً في الحكومة المعينة تشجع على الأمل؛ ذلك أنه على عكس الساري والمعهود ثمة بين الأسماء والوجوه ما يفيد التمحيص والفحص. 
قلت بأن وجوهاً في الحكومة, ولم أقل وجوه أعضاء الحكومة أو الوجوه كلها؛ ذلك أمر مشجع وإن بقي الخوف قائماً  من قدرة البيروقراطية المستقرة الفاسدة على التضليل والغواية. 
على أن الأمر, من قبل ومن بعد, مرهون بالمجرى الذي ستتخذه العملية السياسية، وما إذ كان ممكناً استعادة الدولة وهزيمة الفوضى؛ عندئذ، يمكن الاطمئنان إلى إمكانية التعافي.. إيقاف التداعي أولاً ثم الحركة إلى الأمام، فالإقلاع. 
 
 
افتتاحية مجلة الاستثمار العدد (52) نوفمبر 2014

 

مواضيع ذات صلة :