"ليس هناك طريق للسلام فالسلام هو الطريق" تماما كما قالها المهاتما غاندي, فلا يوجد أمامنا باب لندخل به إلى السلام, وهكذا البشر قد وضعهم الله في هذه الأرض ليكونوا جزءا من إحدى طريقين فإما أن يكونوا جزء من طريق السلام أو جزء من طريق العنف, فكان الرسل يتعاقبون على البشرية لارشادها إلى طريق السلام وكان الشيطان يتربص دوما ليظلهم عن هذه الطريق إلى طريق العنف.
ولمن يتتبع التاريخ سيلاحظ أن الحضارات البشرية ومنذ بدء الخليقة كانت تنقسم بين طريقين فإما أنها كانت تتجه نحو التوحيد والإيمان بالإله الواحد أو تتجه نحو الإشراك والإيمان بتعدد الآلهة, حتى الفلاسفة القدامى أنفسهم كانوا يقومون ببناء فلسفاتهم على ثوابت يستأنسون بها لبلوغ الطريق فنجد سقراط يؤمن بالإله الواحد المتعالي عن البشر وكذلك إفلاطون كان لديه إله واحد عبّر عنه بأنه هو "قانون الطبيعة"- وكلمة قانون كما تنطق "a law" تلفظ "الله" بلا تشديد - ولأن الرسل كانت تحمل رسائل السلام المرتبطة بالتوحيد فقد كان هدف الشيطان يعتمد على تحويل هذا التوحيد إلى الإشراك القائم على التعدد, معتمدا على تمجيد هؤلاء الرسل أو من تبعوهم من صالحين بحيث يتحولون مع الوقت إلى آلهة تُعبد, ومن يتتبع الحضارة اليونانية والرومانية فسيلاحظ أنها ابتدأت بالتوحيد ومن ثم التعدد ولهذا فحين انتشرت المسيحية في الدولة الرومانية تعرضت للكثير من الممانعة واضطرت الكنيسة لإعتماد طريق العنف لمواجهة العنف فتورطت بذلك محققة رغبة الشيطان, بينما الحضارة الفارسية على سبيل المثال اعتمدت على التوحيد فكان من السهولة بمكان إرتباطها بالفكر الإسلامي فلاحظنا أن أكبر العلماء المسلمين كانوا نتاج هذا التزاوج بين الحضارتين.
كما أن منهجية التوسع العسكري لنشر الدين الذي انتهجته الكنيسة كان له تأثير كبير على الإسلام فبرغم أن الرسول محمد (ص) لم ينتهج هذا المبدأ العنفي في حياته إلا بداعي الدفاع عن النفس مع تغليب مبدأ التسامح المطلق, فقد انتهج المسلمين من بعده طريق الفتوحات الإسلامية ليجدوا أنفسهم منساقين لما سبقهم إليه المسيحيون وما دفعهم إليه قبلا الوثنيون فانتشرت ثقافة العنف من جديد ليحقق الشيطان إنتصارات أخرى.
المتابع اليوم لانتشار الأديان التوحيدية في العالم سيلاحظ متعجبا أنها تحقق إنتشارها فقط وقت خلوها من العنف, فالمسيحية حققت أكبر نسبة انتشار في الوقت التي ضعفت فيها عسكريا فتفرّغ رجال الدين لنشر المحبة, وكذلك الإسلام حقق أكبر نسبة إنتشار في أوقات ضعفه العسكري وليس العكس, فبعد سقوط الدولة العثمانية تضاعف عدد المسلمين حول العالم, بل إن الإحصائيات اليوم تتوقع أن يصبح الإسلام هو الدين الأكثر إنتشارا خلال العشر السنوات القادمة متجاوزا بذلك المسيحية برغم أننا في أضعف أوقاتنا.
وهذا يضعنا أمام حقيقة مفجعة مفادها أن القوة والعنف لم يكن يوما طريقا لنشر الإسلام بل كان طريقا لإبطاء إنتشاره. وأن ما يتم إعاده إحياءه اليوم بين المسلمين من العنف وتمويل الجماعات العٌنفية يحمل في طياته هدف أكبر بكثير وهو توقف انتشار هذا الإسلام بصورته الحقيقية الحاملة للسلام ومحاولة تقديمه بصورة شائهة تحمل في ظاهرها العنف من جديد.
إنهما طريقان, الأول سلام يحقق الإنسجام والتناغم بين البشر ويحول اختلافاتهم إلى تكامل يتغلب فيه الباطن على الظاهر, والآخر عنف يعتمد على التعدد والتنافر بين البشر ويحول اختلافاتهم إلى خلافات فيطغى فيه الظاهر على الباطن, ولنا حرية الإختيار.
دمتم ودام لنا وطن