آراء وأقلام نُشر

الاستثمار في مجال التسويق الزراعي

يشكل ضعف شبكة التسويق والافتقاد لنظام تسويقي كفء، وتخلف أسواق تجميع المنتجات الزراعية فنياً وإدارياً أحد أهم المخاطر والتحديات التي تواجه القطاع الزراعي. ويمكن للقطاع الخاص بالشراكة مع الاتحاد التعاوني الزراعي والدولة الاستثمار في هذا المجال عن طريق إنشاء أسواق تجميعية للمنتجات الزراعية، باعتبار هذه الأسواق مصادر هامة لتغذية أسواق الجملة والأسواق المركزية في بعض محافظات الجمهورية وكذلك إقامة مراكز تنقية ما بعد الحصاد (تصنيف/ تدرج المنتج حسب الجودة ) الأمر الذي يسهم في تحسين تطوير وجودة الإنتاج الزراعي من ناحية، وتقليل الفاقد منه من ناحية ثانية، ورفع أسعاره من ناحية ثالثة. كما تعاني أسواق الجملة والأسواق المحلية المركزية في المحافظات من الكثير من المشاكل الإدارية والتنظيمية، والافتقار إلى الكثير من التجهيزات الفنية. ولاشك أن تطوير شبكة التسويق الزراعي ونظامها سوف يسهم أيضاً في زيادة الصادرات السلعية وتحسين جودتها لكي تتمكن من المنافسة في الأسواق الخارجية.

وعلى الرغم من اتساع فرص الاستثمار ومجالاته أمام القطاع الخاص الاستثماري في القطاع الزراعي، فإن عدم اغتنام القطاع الخاص لهذه الفرص يرجع من ناحية لما يعانيه القطاع الزراعي من مشاكل ومصاعب عديدة تحد من توجه القطاع الخاص نحو الاستثمار فيه، من بينها؛ ضعف وتخلف البنية الأساسية، وضعف الخدمات التمويلية، ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة وتفتت ملكيتها، وشحة الموارد المائية... وغيرها. فعلى الرغم من أن القطاع الزراعي في اليمن ينتمي كلياً إلى القطاع الخاص إلا أن نشاطه واستثماراته يعتمد على ما تقدمه الدولة من خدمات ودعم وبنية أساسية مرتبطة بالزراعة, من ناحية أخرى يحتاج الاستثمار في القطاع الزراعي إلى فترة زمنية أطول نسبياً حتى تثمر نتائجه، كما يتسم الاستثمار في هذا القطاع بارتفاع المخاطر نسبياً، وبالذات المخاطر الطبيعية والأمراض. الأمر الذي يشير إلى ضرورة توافر وتكامل الجهود بين الدولة والقطاع الخاص والمزارعين، وبما يسهم في توفير البيئة المناسبة للمزارعين ويجذب استثمارات القطاع الخاص. وفي هذا المجال نقترح ما يلي:
- إعطاء القطاع الزراعي بفروعه المختلفة الاهتمام الكافي، والأولوية في خطط الدولة التنموية. فالسياسات العامة للدولة ليست في صالح القطاع الزراعي، من حيث حجم الإنفاق العام، والذي يشكل ما بين 2-4٪ من إجمالي الإنفاق العام، كما لا تشكل حصة قطاع الزراعة من الاستثمارات العامة سوى 7% من إجمالي الاستثمارات العامة. وكذلك نفس الأمر فيما يتعلق بالسياسات السعرية والتعريفة الجمركية التي تعتبر في غير صالح الزراعة، مما يؤثر سلباً على مجمل النشاط الزراعي. ويؤكد على هذا التحيز الاتحاد التعاوني الزراعي، باعتباره شكلاً من أشكال القطاع الخاص في شكله التعاوني، حيث يرى بأن الخطة الخمسية الثانية قد همشت دور القطاع الزراعي، وتناولته بشكل يوحى بعدم إمكانية تحقيق تنمية زراعية.
- تقديم حوافز وخدمات إضافية في قانون الاستثمار الجاري تعديله حالياً، وذلك بفرص جذب استثمارات القطاع الخاص للاستثمار في المناطق القابلة للزراعة القليلة السكان مثل البيضاء ومأرب والجوف وحضرموت، خاصة وأن معظم هذه الأراضي خاضعة لملكية الدولة. فالنشاط الزراعي يتركز في محافظتي صنعاء والحديدة، بحيث تستحوذان على ما نسبته 60% من إجمالي المساحة المزروعة في اليمن. ولاشك فإن إقامة علاقة شراكة بين الدولة والقطاع الخاص والاتحادات التعاونية الزراعية ذات العلاقة في خلق بيئة مناسبة لخلق الاستثمار في هذه المناطق، لن يسهم في زيادة استثمارات القطاع الخاص في القطاع الزراعي فقط، وإنما سيسهم أيضاً في تنمية وتطوير مناطق جديدة مما يحقق حراكاً سكانياً يعيد التوزيع الديموغرافي المشتت للسكان من جهة، ويحقق استقراراً سياسياً من جهة أخرى. وفي هذا المجال يمكن منح حوافز ضريبية وجمركية لمدد أطول من تلك الممنوحة للاستثمار في القطاعات الأخرى، وأن تعمل الدولة على تقديم هذه الأراضي بأسعار مشجعة أو رمزية وذلك بعد أن تقوم بتوفير المرافق الأساسية والخدمات العامة، من تخطيط لهذه الأراضي، ومد الطرق وخدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية، وإجراء دراسات أولية لمصادر المياه وللتربة، وغير ذلك من الخدمات، بما في ذلك الخدمات الزراعية.
- تطوير القدرات التمويلية في القطاع الزراعي ليكون متاحاً وميسراً للقطاع الخاص والجمعيات التعاونية والمزارعين. ويعد بنك التسليف الزراعي التعاوني المصدر الوحيد أمام المزارعين للحصول على قروض متوسطة وطويلة الأجل. وكان هذا البنك يواجه عدة مشاكل تتمثل أساساً في ضعف أدائه ومحدودية نطاق تغطيته، وانخفاض مستوى كفاءته وتدنيها، وارتفاع تكاليف عملياته، وضعف نسبة استعادته للقروض، والتي تتراوح بين 60-70% رغم الضمانات التي يشترطها لتقديم القروض. وفي ظل التطورات الجيدة التي شهدها هذا البنك خلال العامين الماضيين فإنه يمكن تفعيل الدور التنموي لهذا البنك من خلال تفعيل الأهداف التي من أجلها تم إنشاؤه، والمتمثلة أساسا في تمويل المشروعات الزراعية، ودعم الجمعيات التعاونية الزراعية والحرفية، وذلك بتمويل المشروعات العائدة لها وتطوير القائم منه، وتمويل مشاريع الصناعات الزراعية والسمكية. في الوقت نفسه لابد من إدراك المسؤولين في الحكومة بأن بنك التسليف الزراعي هو بنك تنموي، يحتاج إلى دعم ومساندة، وانه يمكن الحصول على هذا الدعم من جهات مانحة خارجية. ولذلك لابد وان يقدم قروضه بفوائد تقل عن الأسعار السائدة في السوق التجارية، وبتسهيلات تتيح الفرصة لأكبر عدد ممكن من المزارعين والمستثمرين من الاستفادة من قروضه. وفي هذا المجال نعتقد بأنه يمكن دراسة مدى جدوى قيام القطاع الخاص بالمساهمة في تحويل بنك التسليف الزراعي التعاوني من بنك تسليف إلى بنك ادخار وتسليف، يسهم القطاع الخاص والاتحاد الزراعي التعاوني والدولة في رأسماله. ويمكن لهذا البنك الاستفادة من النجاحات التي حققها مؤخراً من خلال توسيع نطاق عملياته الأساسية، المتمثلة في توفير احتياجات المزارعين لتمويل عمليات الإنتاج والتسويق، إلى تمويل الصناعات الزراعية الصغيرة والبالغة الصغر وكذلك الصناعات الحرفية المرتبطة باستخدام البيئة الريفية وهذا يعني أن إسهام هذا البنك في التخفيف من الفقر سيكون مزدوجاً.
- استكمال وإقامة البنية الأساسية المرتبطة بالنشاط الزراعي، والاستمرار في تقديم الخدمات الزراعية حتى يمكن إيجاد البدائل. فمن المعروف أن النشاط الإنتاجي في القطاع الزراعي يعتمد بصورة كبيرة على ما تقدمه الدولة من دعم ومساندة الخدمات الفنية التي تقدمها الدولة من خلال وزارة الزراعة والري والهيئات المرتبطة بها.
- قيام الدولة بإعداد قوائم بفرص الاستثمار الزراعية والسمكية، وفقاً لجدواها الاقتصادية والاجتماعية.
- مراعاة خطط التنمية وخطط الهيئة العامة للاستثمار لوجود ترابط بين قطاعي الزراعة والصناعة، من خلال تشجيع الاستثمار في صناعات تجهيز المواد الزراعية والصناعات الغذائية، والاستثمار في المحاصيل المرتبطة بهذه الصناعات.


 

مواضيع ذات صلة :