اقتصاد يمني نُشر

رهان أوباما على الاحتياطي الاتحادي يثير حفيظة معارضيه

Image بدأ أعضاء الكونغرس الأمريكي توجيه أولى طلقاتهم في المعركة الوشيكة مع الرئيس باراك أوباما بشأن مشروعه لإجراء تغيير شامل في قواعد العمل المالي والمصرفي في الولايات المتحدة على أمل منح الحكومة صلاحيات جديدة تتيح لها منع حدوث أزمات مالية جديدة في المستقبل.
وأعرب أعضاء في مجلس الشيوخ عن تشككهم في خطة الرئيس أوباما لتعزيز سلطة الحكومة في الرقابة على المؤسسات المالية الخاصة. ويركز أعضاء الكونغرس على الصلاحيات الجديدة المطلوبة لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) في مراقبة البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية.
وتساءل كريستوفر دود عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي ورئيس لجنة الشؤون المصرفية في المجلس عن سجل مجلس الاحتياطي الاتحادي بعد فشله في منع وقوع الأزمة المالية الحالية التي دفعت باقتصاد الولايات المتحدة إلى أسوأ حالة ركود منذ 70 عاماً.
أما السيناتور الجمهوري جيم بونينغ فقال «لو أن مجلس الاحتياطي وغيره من السلطات المعنية أدوا وظائفهم لكانوا قد تمكنوا من منع هذه الفوضى المالية، فما الذي يجعلك تعتقد أن مجلس الاحتياطي سوف يتصرف بطريقة أفضل في هذا الوقت؟».
 أما السيناتور ريتشارد شلبي أحد أبرز الأعضاء الجمهوريين في اللجنة فاتهم إدارة الرئيس أوباما بتبني رؤية مبالغ فيها بصورة كبيرة بشأن خبرات مجلس الاحتياطي الاتحادي.
من ناحيته أكد وزير الخزانة تيموثي غايثنر الذي أدلى بشهادته أمام اللجنة أن مجلس الاحتياطي هو أفضل جهة رقابية للقيام بهذا الدور، ولكنه اعترف بأن البنك المركزي ربما يحتاج إلى إصلاح هيكله لكي يستجيب بصورة أسرع للأزمات.
وقال «أنا لا استطيع الوقوف هنا اليوم لأقول إن الخطة سوف تمنع كل أشكال فشل الأجهزة الرقابية في المستقبل»، ولكنه أضاف «إن هذه الإصلاحات هي أفضل ما يمكن القيام به في ظل الظروف الراهنة». ويحتل مجلس الاحتياطي الاتحادي مكانة محورية في خطط الإصلاح المالي الحالية، في الوقت نفسه عارض أعضاء في الكونغرس محاولات إصلاح النظام القائم بأسلوب «الترقيع»، ولكن غايثنر قال إن إقامة نظام متكامل جديد تماماً يعني ذلك إضعاف القطاع المالي لفترة طويلة. وكان أوباما قد تعهد أول من أمس عند الكشف عن خطة تعديل قواعد العمل المالي بتحول على نطاق لم يحدث منذ الإصلاحات التي أعقبت الكساد الكبير في ثلاثينات القرن العشرين.
ويأمل أوباما في أن يؤدي التغيير إلى زيادة سلطة مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي وإنشاء مجلس رقابة من السلطات المعنية لمراقبة عمل المؤسسات المالية. وتأمل الإدارة الأمريكية في مراقبة كل عناصر القطاع المالي بما في ذلك صناديق التحوط الاستثمارية والمنتجات المالية المعقدة مثل الأوراق المالية المضمونة بقروض عقارية والتي كانت سبباً رئيساً في الأزمة المالية الحالية والتي لم تكن تخضع لضوابط كبيرة في الماضي.
وأشاد أوباما بخطة التغيير المقترحة باعتبارها طريقة لردع المستثمرين عن القيام بمغامرات متهورة وكسر حلقة «الازدهار وانفجار الفقاعة» التي ميزت أسواق المال على مدى عقود مضت. وقال إنه يجب تحقيق توازن بين حرية السوق وقدرة الحكومة على التدخل.
من ناحيته قال أوباما إن كل الأطراف تتحمل قدراً من المسؤولية عن أسوأ أزمة مالية تواجهها الولايات المتحدة منذ 70 عاماً.
وتأمل الإدارة الأمريكية من خلال المشروع الذي عرضه أوباما في 89 كلمة في أن تصبح الولايات المتحدة نموذجاً يحتذى للدول الأخرى في هذا المجال بما يؤدي إلى وضع قواعد موحدة للقطاع المالي على مستوى العالم.
وقال أوباما في كلمة مكتوبة وزعها البيت الأبيض «ثقافة انعدام المسؤولية تجذرت في كل مكان من «وول ستريت» (المؤسسات المالية) إلى واشنطن ( الحكومة الأمريكية) إلى المواطنين العاديين».
وأضاف «إن نظام إدارة القطاع المالي الذي وضع أساساً في أعقاب أزمة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين لم يعد قادراً على مواجهة سرعة واتساع وتعقيدات الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين».
ويضع مشروع أوباما مجلس الاحتياطي الاتحادي في موقع المسؤولية عن مراقبة المؤسسات المالية الكبرى في الولايات المتحدة والتي تعتبر أساسية لسلامة النظام المالي ككل.
كما ستواجه هذه المؤسسات الكبرى مطالبات أشد صرامة بشأن كفايتها الرأسمالية ومعدلات احتياط السيولة النقدية لديها.
كما ترغب إدارة أوباما في الحصول على صلاحيات غير مسبوقة للتدخل في المؤسسات المالية التي تواجه شبح الانهيار الحتمي لكي تجبرها على إشهار إفلاسها بطريقة منظمة تحمي الاقتصاد ككل من تداعيات هذا الإفلاس.
وأثارت الخطة التي تحتاج إلى موافقة الكونغرس حتى تصبح قانوناً ساري المفعول ردود فعل متحفظة ومتشككة من جانب الشركات والسياسيين. وقال ديفيد هيرشمان من غرفة التجارة الأمريكية «بشكل عام فإن الاقتراح يضيف ببساطة طبقة جديدة إلى النظام المالي من دون أن يعالج المشكلات الأساسية، وببساطة لا يمكننا القبول بإضافة هيئات جديدة ونأمل في أن يغطي ذلك أساساتنا».
وكانت الحكومة الأمريكية منذ الأشهر الأخيرة للرئيس السابق جورج بوش قد ضخت نحو 600 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب إلى البنوك التي كانت على حافة الانهيار في أكتوبر الماضي بعد إشهار إفلاس بنك الاستثمار العملاق «ليمان برازرز» في منتصف سبتمبر الماضي.
وقال أوباما «لا يجب أن نجد أنفسنا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما ترك شركة ما تندفع بسرعة نحو الانهيار الفوضوي، أو دعم الشركة بأموال دافعي الضرائب.
وهذا خيار غير مقبول». كما يقترح أوباما إنشاء هيئة جديدة لحماية المستهلك تكون مسؤوليتها التدخل لمنع أي ممارسات غير نزيهة من جانب البنوك والمؤسسات المالية في كل المجالات من القروض العقارية إلى بطاقات الائتمان.
وتأمل الإدارة الأمريكية في أن تساعد هذه الهيئة الأسر الأمريكية في تفادي السقوط في فخ تراكم الديون عليها.

بارقة أمل

عززت بيانات الوظائف والمصانع الأمل في أن الاقتصاد الأمريكي ربما يكون بدأ في الخروج من الكساد، ما أعطى المستثمرين «بارقة أمل». وأوقفت الدلائل على الانتعاش تراجع أسعار الأسهم الأسبوع الماضي وعززت الآمال في أن يكون الاقتصاد العالمي الذي دخل في مرحلة كساد منذ ديسمبر عام 2007 قد بلغ ذروة هبوطه وسيبدأ في الصعود.
ودفعت آمال الانتعاش الأسهم العالمية للارتفاع بنحو 40 بالمئة عن مستوياتها المنخفضة في مارس الماضي عندما كانت البيانات الاقتصادية قاتمة تماماً، لكن توقعات بأن يكون الانتعاش بطيئاً حدت من التفاؤل في الفترة الأخيرة. وقال باتريك بينيت محلل أسواق الصرف والفائدة الآسيوية في «سوسيتيه جنرال» في هونغ كونغ «البيانات الاقتصادية الأمريكية تشير إلى انتهاء الكساد. هل هذه أنباء طيبة؟ بالتأكيد». ولكنه أضاف «إن انتهاء الكساد للأسف لا يعني إنهاء ما سببه من ألم».
وارتفع مؤشر البورصات الآسيوية باستثناء طوكيو بنسبة 0.7 بالمئة أمس، لكنه انخفض بنحو 5 بالمئة خلال الأسبوع.
 أما مؤشر الأسهم اليابانية فارتفع بنسبة 0.9 بالمئة أمس، لكنه سجل أكبر انخفاض أسبوعي في 3 أشهر.
وفي حين أظهرت بيانات أول من أمس ارتفاع أعداد المطالبين الجدد بإعانات البطالة في الولايات المتحدة في الأسبوع الماضي، إلا أن الاقتصاديين تشجعوا بأول انخفاض في أعداد من يحصلون على إعانات البطالة منذ يناير الماضي وأكبر انخفاض منذ نوفمبر عام 2001.
وتدعمت ثقة المستثمرين كذلك بتراجع إيقاع الانكماش في مؤشر الصناعات التحويلية في فيلادلفيا وارتفاع توقعات المؤشر إلى أعلى مستوياتها منذ سبتمبر عام 2003 عندما كان الاقتصاد الأمريكي يتعافى من موجة الركود السابقة.

انتقاد بوش

 وعلى الجانب الآخر، انتقد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش سياسات خليفته في المجال الاقتصادي والرعاية الصحية، متهماً الإدارة الحالية بالسعي إلى تأميم نظام الرعاية الصحية.
ونقلت صحيفة «واشنطن تايمز» أول من أمس عن بوش خلال المؤتمر السنوي الـ 104 للصناعة والتجارة أن هناك طرقاً كثيرة لمعالجة الوضع من دون تأميم نظام الرعاية الصحية، مبدياً قلقه من تشجيع الحكومة على الحلول محل القطاع الخاص عندما يتعلق الأمر بالضمان الصحي.
وشدد بوش أن كلامه ليس انتقاداً مباشراً للرئيس الأمريكي باراك أوباما، لكنه دفاع عن سياسات إدارته، داعياً إلى تشجيع التبادل التجاري الحر والأسواق المفتوحة.
وقال «أعلم بأن القطاع الخاص هو من سيقود البلاد إلى خارج القيود الاقتصادية التي نعيش فيها، فبإمكان المرء أن ينفق أمواله أفضل مما تفعل الحكومة».
ودافع الرئيس السابق عن سياسات إدارته في مجال تعزيز أساليب الاستجواب، مشيراً الى أنه قرر التعامل مع الوضع بشقين أولهما: استخدام كل التقنيات والأدوات وفقاً للقانون لتقديم الإرهابيين إلى العدالة قبل أن يضربوا مرة أخرى، وإبقاء الولايات المتحدة في وضع الهجوم وليس الدفاع. وأعلن بوش «لايزال متفائلاً بشأن مستقبل البلاد»، وأضاف «سنخرج من هذا الوضع أفضل من ذي قبل».

شعبية أوباما

وفي شأن ذي صلة، لايزال الرئيس أوباما يتمتع بشعبية لشخصه، لكنه بدأ يرى بوادر على أن بعض سياساته الاقتصادية تثير شكوكاً بين الكثير من الأمريكيين.
ويظهر استطلاعان للرأي نشرا أول من أمس المخاطر السياسية التي يواجهها أوباما، حيث يوجه انتباهه نحو إصلاح نظام الرعاية الصحية بالولايات المتحدة وهي قضية مثيرة للجدل منيت بالفشل محاولات سابقة لمعالجة ارتفاع تكاليفها وإتاحتها.
وأظهر استطلاع للرأي قامت به صحيفة «نيويورك تايمز» بالاشتراك مع قناة «سي بي اس» الإخبارية أن نسبة التأييد له تبلغ 63 بالمئة وهي نسبة ليست بالقليلة نظراً لارتفاع معدل البطالة الذي يبلغ 9.4 بالمئة.
ورغم شعبيته أظهر الاستطلاعان قلق الجماهير بشأن العجز في الإنفاق نتيجة لخطة لتحفيز الاقتصاد قيمتها 787 مليار دولار وتدخل الحكومة في أعقاب إنقاذها للبنوك وشركات السيارات.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «وول ستريت جورنال» وقناة «ان بي سي» الإخبارية أن أغلبية نسبتها 58 بالمئة تعتقد أن على أوباما والكونغرس التركيز على خفض عجز الموازنة حتى إذا كان هذا يعني إرجاء الانتعاش.
 ويتوقع أن يقفز العجز إلى أكثر من تريليون دولار في العام المالي 2009.
 ويظهر هذا الاستطلاع أن 56 بالمئة يعارضون تقديم مساعدات مالية لـ«جنرال موتورز» التي أشهرت إفلاسها مقابل حصول الحكومة الاتحادية على حصة في الشركة.
وقال روبرت جيبز المتحدث باسم البيت الأبيض إن الأمريكيين يشعرون بخيبة الأمل بحق وضع الاقتصاد الآن وكيف وصلنا إلى ما انتهينا إليه، كما أن أوباما مدرك أن كل قراراته بشأن إصلاح الاقتصاد لا تحظى بشعبية. وأضاف جيبز للصحافيين «بعض هذه الأشياء تتمتع بشعبية وبعض هذه الأشياء لا تتمتع بشعبية، وأعتقد أن الرئيس كان ليخبركم بأنه سيفعل ما يراه في صالح الاقتصاد الأمريكي».
وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «تايمز» وقناة «سي بي اس» أن أمام أوباما مهمة شاقة في قضية الرعاية الصحية.
 وبلغت نسبة التأييد له في تعامله مع هذه القضية 44 بالمئة، فيما عبر 34 بالمئة عن عدم رضاهم عن معالجته لها وهو مؤشر على أن الكثيرين ينتهجون أسلوب التريث ولننتظر ونرى ما سيحدث.
ويقول ميرل بلاك أستاذ العلوم السياسية بجامعة ايموري في اتلانتا «استطلاعات الرأي بالنسبة لي تشير إلى أن هناك قلقاً من جانب الكثير من الأمريكيين من أن الحكومة تتدخل كثيراً في توجيه شؤون المؤسسات والشركات والأفراد».
وأضاف «لا يمكن أن يحظى امتلاك الحكومة 60 بالمئة من (جنرال موتورز) بتأييد».
 وقال بلاك إن على أوباما أن يجري نقاشاً كاملاً مع الأمريكيين بشأن عواقب اقتراحاته لنظام الرعاية الصحية على صعيدي التكلفة والأثر على خططهم الطبية.
وأضاف «هذه مسألة إذا طبقت فيها البرامج ولم تكن مرضية للناخبين سيكون هناك ثمن (سياسي) هائل لهذا».
وقال جون زغبي خبير استطلاعات الرأي إن الدراسات المسحية تظهر أنه بعد قرابة 5 أشهر في الحكم «فإن الأمريكيين متيمون بالرسول لكنهم أقل افتتاناً برسالته لكنهم يريدون منحه المزيد من الوقت». وأضاف «أعتقد أن من الأفضل النظر إلى أوباما من خلال فرصة مدتها 6 أشهر وأمامه فرصة 6 أشهر مقبلة، حيث ستجدد هذه الفرصة، لكن خلال الفرصة الثانية سيكون من الضروري أن يرى الأمريكيون نوعاً من التقدم.
ويحاول الجمهوريون بشكل متزايد إثارة الشكوك في اقتراحات الديمقراطيين لخطة الرعاية الصحية التي تقدر تكلفتها بمليارات من الدولارات، ويشيرون إلى تكلفة خطة التحفيز كمثال على السبب في الحاجة إلى التشكك.
ولم تحدث خطة التحفيز ومدتها عامان تأثيراً ملحوظاً يذكر حتى الآن على أوضاع البطالة. وقال ميتش مكونيل زعيم الجمهوريين بمجلس الشيوخ «مرة أخرى تعجل وإنفاق وتعجل وإنفاق وموجة عارمة من الديون».
وانقسمت الآراء بشأن سياسات أوباما بين أمريكيين أجرى مراسلو «رويترز» مقابلات معهم واختاروهم عشوائياً من أنحاء الولايات المتحدة.
وقالت لورين كارتر (27 عاماً) وهي موظفة إنها صوتت لأوباما ويعجبها ما تراه حتى الآن.
وأضافت «يبدو أن الأمور في تحسن لهذا أقول إنه يبلي بلاء حسناً، حيث إن الناس في البداية قالوا إن الأمور ستسوء، ورغم أن اقتصادنا مازال يتألم لكنه على طريق التحسن».
وقال بيل اوستن الموظف في «وادي فينكس» إنه سئم الاستماع لأوباما وهو يشكو من أنه ورث الفوضى الاقتصادية من سلفه جورج بوش.
وأضاف «إنه يعتقد أن خطة أوباما للتحفيز لم يكن لها تأثير يذكر وسوف تخلق المزيد من المشكلات في المستقبل بتعميقها العجز.
ومضى يقول «كان الاقتصاد سيتعافى بها أو من دونها (خطة التحفيز)».



المصدر: وكالات


 

مواضيع ذات صلة :