رمضانيات نُشر

في ظل عروض السلع الغذائية.. السوبر ماركت في مصر يتحول إلى ساحات للحرب على الشراء

بخطوات متسارعة، نزلت سيدة أربعينية من سيارتها أمام سوبر ماركت ضخم على طريق مصر إسكندرية الصحراوى، وأتجهت إلى البوابة الزجاجية الواسعة، وبمجرد دخولها خلعت السيدة الراقية نظارتها السوداء، والتفتت يميناً ويساراً، داخل الممرات المزدحمة، حتى وقع بصرها على إعلان كبير عن عرض خاص على عبوات الصلصة، فقطعت لحظات تأملها، واتجهت إلى رف الصلصة متأهبة، مستعدة للدفاع عن حقها فى الحصول على العرض، ضد مجموعة كبيرة من السيدات تجمعن فى الممر الضيق، وبدأ صوتهن يعلو تدريجياً.

مشاهد متكررة عرضتها صحيفة (المصري اليوم) ،منها أيضاُ  أم شابة تحمل ابنتها الرضيعة على يدها وتجر "تروللى" السوبر ماركت محملاً بكميات ضحمة من كل شىء، زيت، سمن، مكرونة، أرز، معلبات، معجون طماطم، بلهفة محاربة تنتقل من ممر لآخر، وبنظرة قناصة، تختار الثغرات التى لاتحتوى على عدد كبير من السيدات، تقول "دعاء الشيخ": رمضان كريم وبيحب اللمة، والعروض التى يقدمها السوبر ماركت مغرية جدا، هذه ثالث مرة أحضر للسوبر ماركت للتسوق، وكل مرة أنسى بعض الطلبات وعندما أحضر لشرائها، أنساها فى زحمة العروض، وقلقى الدائم أن السلع الغذائية لن تكفينى فى رمضان.

وكأنه فسحة تجتمع عدد كبير من السيدات داخل السوبر ماركت بعضهن يزرن المكان باعتبارهن من رواده، وأخريات لا يزورونه سوى مرة واحدة فى السنة.. ورغم اتساع المكان فإنه يضيق برواده، وبطباعهم المختلفة والمتباينة: هذه سيدة راقية، ترتدى جينز وتى شيرت، وأخرى أتت للتسوق فى فستان نهارى، تنظر إليهما بريبة سيدة ترتدى جلباباً، الكل يتصارع بالعيون، للوصول إلى الهدف، الموضوع على الرف.

من داخل هايبر ماركت "سبينيس"، والذى يحتل مساحة بارزة فى «مول» سيتى ستارز التجارى بمدينة نصر، أمضت منال محمد – ٤٤ عاما – ساعة كاملة فى انتظار دورها للوصول إلى «الكاشير» لدفع ثمن مشتريات رمضان، والتى حرصت على شرائها كاملة فى اليوم الأخير من شهر شعبان، وقبل ساعات قليلة من بداية أول أيام الشهر الكريم.

طابور طويل امتد لأكثر من عشرة أمتار، وقفت فيه انتظارا لحلول الدور، لكنه مثل انتظار ما لا يجىء، مما دفعها فى النهاية، إلى التخلى عن عربة تسوقها المليئة بالمنتجات المختلفة، بعد أن قضت فى جمعها أكثر من ثلاث ساعات كاملة، والعودة إلى منزلها مرة أخرى خالية الوفاض دون "ياميش رمضان"، بسبب الازدحام الشديد الذى أدى إلى وقوع عدد من المشاجرات بين عملاء المحل حول أسبقيتهم فى الوصول إلى "الكاشير".

الأسعار تنشب المشاجرات

مشاجرات هنا وهناك، ولعنات وبعض ألفاظ السباب الخفيفة، تتناثر على طاولات الحساب، إثر مشاحنات خفيفة، أو نظرات استنكار من سيدة لأخرى خطفت آخر عرض خاص لسلعة من على الرف، يقول «خالد عز» العامل فى كارفور الطريق الصحراوى: منذ أسبوع بدأ الزحام يتزايد بشكل غير طبيعى، وكلما اقتربنا من رمضان، يتحول السوبر ماركت إلى سوق شعبية مزدحمة، تكثر فيها المشاجرات، التى عادة ما تحدث بسبب محاولة بعض السيدات الحصول على دور أخريات، أو نجاح سيدة فى الاستيلاء على كل المعروض المتاح من عرض خاص، مما يثير استياء الأخريات، فتكتفى بعضهن بالنظر باستياء، بينما تندفع أخريات فى السب والشتيمة أو على الأقل (التلقيح بالكلام).

«الهجوم على السلع» هو الوصف الذى استخدمه عمرو محمد – أحد العاملين فى سبينيس – لوصف ما حدث بشكل يومى خلال العشرة أيام الأخيرة من شهر شعبان، فعلى غير عادة باقى أيام العام، لم تحظ أقسام الإلكترونيات، والملابس، وأدوات المنزل ، ولعب الأطفال باهتمام يذكر من زبائن المحل، حيث خلت تلك الأقسام التى تحتل تقريبا نصف مساحة «سبينيس» من العملاء.

أما النصف الثانى والمكون من أقسام الياميش واللحوم والجبن والبقوليات والمشروبات، فكان من الصعب الدخول إليه من الأساس، بسبب تهافت الآلاف من المواطنين على شراء احتياجات المنزل قبل رمضان، رغم توفرها فى السوق منذ الشهر الماضى، واستمرار بيعها طوال أيام الشهر، ويقول عمرو «لدى السوبر ماركت أكثر من ألف عربة تسوق، خلال العشرة أيام الماضية فوجئنا بنفادها جميعا من قبل الجمهور للتسوق داخل الهايبر، بالإضافة إلى وجود مئات العائلات الأخرى التى انتظرت على باب الهايبر فى محاولة للحصول على أى عربة تسوق».

ورغم ارتفاع أسعار أغلب السلع عن العام الماضى، فإن العروض الخاصة على السلع المعروضة أدت يوميا إلى وجود عدد من الاشتباكات بين العملاء – كما يقول عمرو – خاصة على الأرز والبلح، حيث انخفض سعر الكيلو منها إلى جنيه و٧٥ قرشا فقط، مما جعل إدارة الهايبر تقر عددا محددا من «الكيلوات» تحصل عليه كل عربة تسوق، وهو الأمر الذى يمنع عملاء المحل من الاشتباك مع بعضهم البعض فى محاولة للحصول على أكبر كم ممكن.

«قبل عروض رمضان، كان أغلب زبائن الهايبر من الطبقة الراقية، لكن فى الوقت الحالى فجميع الفئات يأتون للشراء، خاصة أن الأسعار أصبحت تنافس الأسواق الشعبية، ولا أستبعد أن يكون من ضمن الزبائن من يشترى المنتجات لبيعها مرة أخرى أو لاستخدامها فى أغراض تجارية» هكذا علق عمرو على أحوال الشراء فى العشرة أيام الأخيرة قبل رمضان، حيث أصبح مشهدا معتادا أن ترى سيدة متوسطة العمر تدفع أمامها عربة تسوق مملوءة عن آخرها بمنتج واحد، كياميش رمضان، أو أكياس الأرز، أو حتى منتجات البطاطس (الشيبسي) والمناديل الورقية.

د.ثريا عبد الجواد أستاذ ورئيس قسم الاجتماع فى آداب المنوفية أرجعت السبب فيما سمته «هوس الشراء» إلى تغير نمط الاستهلاك لدى بعض فئات المجتمع المصرى، مشيرة إلى أن هذا التحول بدأ بشكل أساسى خلال السبعينيات فى القرن الماضى، خاصة مع بداية عصر الانفتاح والتحول إلى النمط الرأسمالى فى الحكم، وهو ما نتج عنه تغير فى طرق استهلاك المواطن، بحيث أصبح لا يُفرغ محفظته إلا فى شراء الغذاء ومستلزمات المنزل.

أسعار السلع في تضاعف

وأشارت إلى أن أزمات الغذاء المتتالية فى السنوات الماضية، والتى أدت إلى تضاعف أسعار السلع الأساسية عدة مرات جعلت المواطن أكثر حرصا على زيارة «الهايبر ماركت» التى تتميز بالضخامة، لكى يستطيع شراء كميات كبيرة يمكنه تخزينها لوقت طويل خوفا من ارتفاع الأسعار مرة أخرى، وهو ما يجعل المواطنين يقبلون على الشراء بنهم قبل شهر رمضان، خوفا من زيادة أسعار السلع مرة أخرى خلال الشهر.

وترى أن عودة المصريين العاملين فى دول الخليج إلى مصر مرة أخرى خلال إجازة الصيف، من أهم العوامل التى تؤدى إلى الإزدحام الشديد فى محال «الهايبر»، خاصة عندما يأتى ذلك متزامنا مع شهر رمضان، فالتعود على نمط الاستهلاك الخليجى المبالغ فيه فى الملبس والمأكل، ينعكس بدوره على ثقافة الشراء.

وترفض ثريا اعتبار رواد «الهايبر ماركت» الضخمة عينة ممثلة من المجتمع المصرى، حيث ترى زبائن المحال الكبرى فئة ليست عريضة من المجتمع.

واتهمت وسائل الإعلام بالمساهمة فى تحول شهر رمضان إلى «معركة» من خلال كم ضخم من الإعلانات عن عروض منزلية أو قائمة أسعار خاصة للطعام خلال الشهر الكريم، وضربت مثلا بأغنية «رمضان جانا» التى كانت تذاع قبل قدوم رمضان بيوم واحد فقط، أما الآن فتبدأ الإذاعات والمحطات الفضائية عرضها قبل أسبوعين من الشهر الكريم وكأنه «قضية قومية»، وأضافت «الحكومة سعيدة بإلهاء الناس عن القضايا القومية الكبرى، وحصر تفكيرهم فقط فى الحصول على الغذاء ومستلزمات المنزل».

 


 

مواضيع ذات صلة :