جدل وتحقيقات نُشر

نسبة الفقر تجاوزت 50% من حجم السكان بعد رفع أسعار المشتقات النفطية

ضربت الأحداث السياسية الراهنة الاقتصاد في مقتل, وتسببت في حدوث ما يمكن تسميته بكارثة اقتصادية, وما تزال آثار الأزمة السياسية تلقي بظلالها على الاقتصاد الوطني المنهار.
ويقول الدكتور محمد الحاوري -  أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء- إن الاقتصاد الوطني يعيش وضعا خطيرا ومأزوما ويواجه ضغوطا تضخمية كبيرة قد تنكشف حدتها في الأيام القادمة, وأشار الحاوري إلى أن الأزمة أضافت مليون عمالة إلى بطالة الاقتصاد وأصبحت الموازنة العامة للدولة تمول اقتصاد الحرب, ولفت إلى أن نسبة الفقر زادت إلى 50% من حجم السكان بعد رفع أسعار المشتقات النفطية, مشيرا إلى أن الأزمة الراهنة هزت ثقة المستثمرين لتمتد لسنوات قادمة. ودعا من بيده الأمر إلى حل أزمة البلاد وتفضيل المصلحة العامة على الخاصة لإنقاذ البلاد من كارثة إنسانية قادمة..
مؤكدا أنه من خلال النظر في مؤشرات الاقتصاد المختلفة نجد أنه يعيش وضعا خطيرا, نظرا للتراجع العام في كل المؤشرات الاقتصادية الكلية والمالية والنقدية, تراجع في النمو الاقتصادي والأنشطة القضائية المختلفة, وهناك نوع من الشلل العام, القطاع الخاص اللاعب الرئيس في كثير من الأنشطة الاقتصادية متوقف جزئيا في الفترة الأخيرة وأنشطة العمالة التي تم تسريحها تجمد عملها, تضاف إلى معدلات البطالة الموجودة في الاقتصاد, لا يقل عن مليون عمالة هي الآن في حالة بطالة سواء عمالة كانت تعمل عملا موسميا أو مؤقتا أو دائمة هذا كله بالإضافة إلى التآكل في البنى التحتية للاقتصاد, والتراجع الذي حدث في الاستثمار سواء استثمارا محليا أو أجنبيا وتوقف البرنامج الاستثماري للعام 2011م, كل هذا يجعل الوضع الاقتصادي ليس فقط أزمة وإنما وضع نخشى أن تصل إلى حالة انهيار, اقتصاد سعر الصرف وهو من المؤشرات الهامة في هذا الجانب, السعر الموازي يصل إلى أكثر من 240 ريالا للدولار, وهناك ضغوط تضخمية كبيرة هذه الضغوط التضخمية ربما تظهر بشكل أكبر في المرحلة القادمة.
الاقتصاد ينطبق عليه اليوم مسمى اقتصاد الأزمات, فهو اقتصاد مأزوم نظرا لانعكاس الوضع السياسي الذي تعيشه البلاد نتيجة ثورات الربيع العربي واليمن جزء منها, إن انعكاس ثورات الربيع العربي والثورة اليمنية الشبابية الشعبية السلمية التي انطلقت في ساحات وميادين التغيير تطالب بتأسيس دولة مدنية حديثة وإزالة الظلم والاستبداد والاستئثار بالسلطة والثروة.
إن الاقتصاد اليمني يواجه مشكلة مركبة في جانبها السياسي وجانبها الإداري والمؤسسي.. ونستطيع القول إنه دخل  باقتصاد الأزمات والموازنة العامة اليوم تمول بعض النفقات الجارية: مرتبات وأجور وبصراحة توجه حاليا نحو أنشطة اقتصاد الحرب والأمن وتعزيز الترسانة العسكرية  والأمنية واستخدامها باتجاه معاكس لتطلعات وطموحات ومطالب المجتمع وبالتالي سنواجه في المرحلة القادمة تبعات اقتصادية كبيرة.
وأشار إلى أنه كانت هناك محاولات للإصلاحات فيما يسمى بأجندة الإصلاحات الوطنية للتعامل مع الاختلالات المؤسسية والإدارية ومحاربة الفساد, لكن ما رأيناه على الصعيد العملي كنتائج عملية أنه لم يكن هناك محاربة ومواجهة للفساد, بل للأسف الفساد استشرى وانتشر وأصبح منظومة متكاملة في صورته السياسية وشكله الاقتصادي والنمط الإداري, الناس كانوا يأملون في الفترة الماضية أن يتم التعامل مع هذه القضية لكن للأسف دخل النظام إلى العجز وغض الطرف وتجاهل كل ما يطرح من رؤى ومعالجات لهذه القضايا فوصل الوضع إلى هذه الحالة وبالتالي انعكس كل هذا على مستوى معيشة الأفراد, الفقر اليوم ربما تجاوز الـ50% من حجم السكان, وخاصة بعد رفع أسعار المشتقات النفطية في الفترة الأخيرة ومضاعفتها قبل شهرين.
ولفت إلى أنه طبعا من الصعب تقدير الخسائر بشكل دقيق سواء المباشرة أو غير المباشرة, لكن لا شك في أن حجم الخسائر التي يدفعها المجتمع من لحمه ودمه قد تكون رقما كبيرا وتحتاج في المستقبل أن تحتسب هذه الآثار من خلال إجراء مسوحات لتحديدها في القطاع العام والخاص, هناك اهتزاز الثقة بالاستثمار, والبنية الاستثمارية لها خسائر غير مباشرة قد تمتد لسنوات قادمة, تسريح عمالة من القطاع الخاص بنسب كبيرة وهناك توقف في كثير من الأنشطة الاقتصادية الرئيسة للقطاع العام وأي إنفاق في المجال الاستثماري, وقد توقف التمويل الخارجي وتوقفت تعهدات مؤتمر المانحين 2006م كلها تجمدت وهذا يعني خسائر اقتصادية كبيرة جدا, وحتى يعود الاقتصاد إلى عافيته يحتاج إلى كم هائل من الموارد الاقتصادية.
موضحا أنه من الناحية الاقتصادية سيدخل الاقتصاد مرحلة انتقالية وهذه المرحلة لا بد من أن يتجه المجهود نحو استئناف التثبيت الاقتصادي وأيضا في تدهور المؤشرات الاقتصادية المختلفة وقد تمتد هذه الفترة لفترة لا تقل عن سنتين وهذا يتوقف على الجوانب الأخرى والاستقرار السياسي بعد أن تتحقق الثورة كاملة, وهناك ملفات كثيرة كأجندة اقتصادية للمرحلة القادمة كي تتكامل قضايا الغذاء والمشكلات التنموية كقضايا البطالة وقضايا ملحة وعاجلة في المرحلة الانتقالية تحتاج إلى مؤازرة المجتمع الخارجي والدولي للدعم المالي ودعم البلاد بموارد خارجية تسمح له للعبور لهذه المرحلة.
ونحن كاقتصاديين بعد مرور المرحلة الانتقالية نتطلع إلى أن يكون لدينا نمو اقتصادي يستجيب لتطلعات الناس ويحقق نموا كبيرا وعاليا ينقل المجتمع إلى مسار النمو السريع وتنتشر ثمار التنمية أيضا على مستوى كل فئات المجتمع, ويكون نموا صديقا للفقراء على نحو تحقيق درجة من العدالة في توزيع الدخل للأسرة, وأعتقد أن أكثر مشكلة تواجه التنمية في المستقبل ليست ندرة الموارد ومحدوديتها ولكن ذلك الخراب والفساد الذي استشرى في لمؤسسات والمجتمع الذي عجزت السياسات الاقتصادية والجهود في الفترة الماضية أن تتعامل معه وتحد من آفاته, هذه ملفات من المبكر أن نتحدث عنها الآن.

 

مواضيع ذات صلة :