جدل وتحقيقات نُشر

القصور الغذائي في البلدان العربية يقود إلى الانتفاضة الشعبية

خلقنا الله عزل وجل أحراراً ، فالحرية ليست الطيران والتحليق في السماء ، بل تكمن في العيش الكريم .. والحصول على ما يسد الجوع وإشباع الأسر ..

الحرية أن أشعر بالأمان داخل موطني ووسط عائلتي .. نتمتع بالصحة ، ونجد رعاية صحية جيدة تحت سماء بلدي ..

الصحة ورغيف الخبز والتعليم والجوع ، أهم وأعظم كلمات ليست بحروفهم بل بمعانيهم التي يحتاج تحقيقهم إلى خطط وإستراتيجيات ضخمة كي يترتب على ذلك راحة وأمن الفرد وسعادتة ، لكن للأسف الشديد لم تفلح أي خطط عربية في تحقيق هذا إلا بنسب ضئيلة جداً؛ وهذا ما أثار غضب الشعوب العربية بعد صمت دام سنوات .. لتخرج اليوم الذي أصبح يطلق عليه عام ( ثورات الشعوب ) التي كسرت حاجز الصمت وتخرج الشارع مطالبة بالحصول على أبسط حق من حقوقهم « الطعام والصحة » ..

ومن خلال هذا الموضوع نستعرض بعض الأسباب التي أدت إلى ثورات الشعوب إلى جانب تقديم بعض المقترحات التي تساعدنا على الخروج من تلك المأزق..
 

الشعوب العربية الخبز

يقوّض الجوع أمن الإنسان بأبسط أشكال وجوده فهو يلحق الضرر بالصحة والإنتاجية وبالعلاقات العامة مع الآخرين كما يمثل تهديداً للحياة ذاتها بما يتجاوز الإنتقاص من العمر المتوقع عند الولادة.

أما التدافع للحصول على الخبز فقد يتفجر على شكل مصادمات وأعمال شغب عنيفة ، وقد تجلى ذلك الأحداث

التي وقعت في الأعوام القليلة الماضية في بعض البلدان العربية .

على الصعيد الفردي قد يكون الجوع الحاد والمزمن سبباً مباشراًللوفاة أو الإصابة بمرض عضال ؛ وتدل التقديرات على أن نحو 25.000 شخص مكن البالغين والأطفال يلاقون حتفهم يومياً في أنحاء العالم جراء الجوع والمسببات المتعلقة به.

وعلى الرغم من عدم توافر بيانات عن البلدان العربية بهذا الصدد فإن الإرتفاع المتسارع في أسعار الحبوب بمعدل 200% منذ عام 2001 قد زاد من صعوبة الحصول على الخبز في معظم البلدان العربية ، بما فيها البلدان النفطية ، مثل الإمارات والسعودية .

ومنذ شهر أكتوبر من العام 2007 شهدت مصر والمغرب وموريتانيا حركات احتجاج جماعية حول تقطع إمدادات الخبز وغلاء أسعاره.

كما واجه السوريون واللبنانيون واليمنيون صعوبة بالغة في الحصول على الخبز ، وهو المقوم الرئيسي للوجبة العربية ؛ وفي مطلع العام 2008 ، أدت المشاحنات أمام المخابز في مصر إلى مصرع بعض الأشخاص وإصابة آخرين بجروح.

يمكن الاحتجاجات المتعلقة بالغذاء أن تتجاوز حدود المجتمعات التي تعاني نقص المواد الغذائية فتثير التوتر بين الدول أو الكيانات السياسية المتجاورة ، ومن الأمثلة البارزةعلى ذلك محاولات الفلسطيطنيين في غزة في شهر يناير من العام 2008 اقتحام الحدود المصرية للتغلب على حالة الحصار الذي فرضتة عليهم إسرائيل.

وقام أهل غزة الذين يتضوّرون جوعاً بإزالة جانب من الحواجز القائمة على الحدود بين غزة ومصر وتدفق مئات الآلاف منهم إلى سيناء بحثاً عن الغذاء والدواء .

ولم تتوقف حالة أختراق الحدود التي أغضبت السلطات المصرية إلا بعد أن نجحت القوات المصرية في إصلاح الحواجز .
 

نقص الوزن والتقزم

كما يشكل الأطفال والنساء الفئات الأكثر تضرراً من قصور الغذاء والجوع ، فقد وصل انتشار نقص الوزن والتقزم بين الأطفال ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات إلى نسبة 14.6 و22.2 % على التوالي في فترة 2000 و2005. ووصلت نسبة المواليد الناقصي الوزن إلى 12 % في فترة 2000 و 2006.

وتجدر الملاحظة أن نسبة الأطفال الناقصي الوزن تتفوت بين بلد وآخر ، حيث بلغت في اليمن 45.6 %

في العام 2003، وفي لبنان 3.3% في عام 2002.

على الرغم مما حققتة غالبية البلدان العربية من تقدم في مكافحة القصور الغذائي ، إلا أنه مازال الأطفالل يشكلون نسباً غير متوازنة بين الجياع والفقراء الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم ؛ وما يزال العديد من البلدان العربية يشهد معدلات عالية لانتشار نقص الوزن أو التقزم بين الأطفال ممن هم دون الخامسة مقارنة بمعدلات أقرانهم من تلك الفئة في الحالات العادية .

وقد سجلت أعلى نسبة لانتشار هاتين الظاهرتين بين الأطفال في البلدان ذات التجمعات الكبيرة من الفقراء كالسودان وموريتانيا واليمن .

وفي الطرف الأخر يسجل الأردن النسبة الدنيا من انتشار نقص الوزن ، ولبنان النسبة الدنيا من حالات التقزم بين الأطفال ؛ وتسجل الجزائر ولبنان النسبة الدنيا من حالات المواليد الناقصي الوزن .

أما بدانة الأطفال فهي مشكلة تثير بعض القلق في عدد قليل من البلدان العربية وأبرزها الجزائر ومصر والمغرب حيث تنتشر زيادة الوزن بين 13 و15 % من الأطفال ممن هم دون الخامسة .

ومع أن سوء التغذية ليس هو السبب الوحيد لهذا العارض ،فإن غالباً ما يتدخل ويتقاطع مع ظروف الفقر وما تؤدي إلية من زيادة احتمال التعرض للاعتلال الصحي والزحار والأمراض المعدية.

المقلق أنه على الرغم من أن أنسب القصور الغذائي في البلدان العربية هي أدنى من النسب المسجلة في البلدان النامية ، فإن أوضاع الأطفال في فئة البلدان العربية ذات الدخل المتوسط المنخفض تسجل نسباً أسوأ بالمقارنة مع

المناطق الأخرى ؛ فبالمقارنة مع أطفال شرق آسيا والمحيط الهادي مثلاً ، تتخطى نسبة معاناة الأطفال العرب من القصور الغذائي النسب المسجلة في تلك المنطقة برغم انتشار هذة الظاهرة فيها .

يضاف إلى ذلك أن نسبة المواليد الناقصي الوزن في البلدان العربية تتخطى أيضاً النسب المسجلة في بلدان شرق آسيا والمحيط والهادي والبلدان ذات الدخل المنخفض.
 

سوء التغذية والأداء الدراسي

ينعكس الجوع وسوء التغذية لدي الأطفال على أدائهم المدرسي ، إذ يتأخر التحاق الأطفال الجياع بالمدارس

هذا إذا التحقوا بها أصلاً ويتسربون منها في وقت مبكر ، كما يظل أداؤهم دون أداء الأطفال المكتفين غذاءً ، ولوواظبوا على الدوام المنتظم في المدارس .

ونادراً ما تستطيع العائلات الفقيرة التي تتمتع بالأمن الغذائي أن تتكفل بتعليم الأبناء والبنات الذين يعتمد عليهم في الغالب في الأعمال المنزلية أو في تأمين دخل إضافي أو دعم الأسرة ، ويكون الانقطاع عن الدراسة بين فتيات العرب أكثر منه بين الفتيان لأن تحصيلهن العلمي لا يحظى بالأولووية نفسها.
 

إستراتيجية القضاء على الجوع

يتطلب القضاء على الجوع وقصور التغذية إستراتيجية ذات شقين لمعالجة الأسباب والنتائج المتصلة بالفقر والمرض والجهل في آن واحد .

وينبغي أن يؤخذ بالإعتبار عاملان رئيسان عند رسم هذة الإستراتيجية : الحاجة إلى التدخل لتحسين الإنتاجية والدخل وخطوات عاجلة لتقديم الإغاثة والمعونات الغذائية الفورية المباشرة للفئات الضعيفة والعائلات المحتاجة.

وعلى هذا الأساس يمكن أن تترجم هذة المقاربة في برامج طويلة الأمد وقليلة الكلفة تركز في وقت واحد وبصورة شاملة على الأهداف الآتية:

أولاً: تيسير الحصول على الغذاء بصورة فورية ومباشرة عن طريق التنفيذ الفعلي لشبكات الأمان والبرامج المحكمة لتزويد العائلات المعوزة بالغذاء والتحويلات النقدية .

ويجب التشديد على أن هذة البرامج وشبكات الأمان لابد أن توجه نحو الجماعات الأكثر ضعفاً في المجتمع .

ثانياً: التأكد من أن الفئات المهمشة والضعيفة التي تعيش في الريف ، وأكثريتها من الفتيات ستتلقي التعليم الإبتدائي ، فالتعليم هو أحد حقوق الإنسان وينبغي أن يكون مجانياً وشاملاً وإلزامياً.

ثالثاً : تعزيز المساواة بين الجنسين في فرص الحصول على الغذاء ، وينبغي إزالة كل العقبات التي تعترض سبيل المساواة بين الرجل والنساء إذا ما أردنا المضي قدماً لتحقيق التنمية الإنسانية والحد من الفقر والجوع ، وإنقاذ حياة الأطفال ومكافحة الأمراض .

رابعاً: التعجيل بالتنمية الإقتصادية وبخاصة التنمية الزراعية ، ومن المهم في هذا المجال تزويد صغار المزارعين بالوسائل والخبرات الضرورية لرفع مستوى الإنتاج بطريقة تشجع عائلاتهم ومجتمعاتهم ومن جملة هذة الوسائل إدخال التقانات البسيطة وذات الكلفة المنخفضة ،وتيسير الحصول على البذور والأسمدة العضوية ، وتقديم الإرشادات حول الممارسات السلمية في التصرف بالمياة مثل أسلوب التقطير .
 

تحقيق الأمن الغذائي

نشأ أنعدام الأمن الغذائي جزئياً عن أنخفاض مستوى الإنتاجيةالفردية في الزراعة والآخذ بالاتساع في داخل القطاع الزراعي وبينه وبين قطاعات الإقتصاد الأخرى ، وتشترك عوامل أخرى في تحمل هذة المسؤولية ومنها:

أولاً: الإستثمار غير المناسب في القطاعات الزراعية التي تفتقرغالباً إلى رأس المال ومازالت تسهم في نسبة ذات حجم من الدخل الوطني ، ( لا سيما في البلدان الأقل نمواً).

ثانياً: أستخدام التقانة التي تحل محل اليج العاملة مع نطاق واسع والتي يسرها تحرير التجارة مع ما صاحب ذلك من محدودية القدرة على استيعاب العمالة في القطاعات النظامية الأخرى.

وثمة رابطة متداخلة بين الزراعة والتنمية الريفية والأمن الغذائي والإكتفاء الذاتي ، ومن هنا فإن من الجوهري معالجة الترابط بين الإقتصاد الجزئي للوحدات الزراعية وديناميات رفاه الأسرة ، وهي علاقة تشير إلى أعتبارات ذات مدى أوسع تتعلق بسياسات إعادة التوزيع ( من زاوية الإقتصاد السياسي )، مثل :

  1. تأمين الحصول على الأراضي المنتجة والإئتمانات المالية.
  2. اعتماد سياسات هادفة إلى دعم الأسعار بصورة تجلب النفع لفئات محددة من فقراء الريف والمناطق المحرومة .
  3. دعم التغير في أدوار الجنسين الذي يستلزم إتاحة المجال أمام النساء اللواتي يؤدين دوراً متزايداً في أوساط المنتجين الزراعيين للحصول على الأراضي والأدوات المناسبة وخدمات التوسع ، والائتمانات وما إلى ذلك .
  4. إدارة موارد المياة بكفاءة .
  5. تقديم الحوافز للقطاع الخاص للاستثمار في الإنتاج الزراعي والتسويق ، ولتبني مشروعات تشجع على التكامل بين الزراعة والصناعة .
  6. تشجيع أبحاث زراعية جديدة تتناول وجوه التنوع النباتي المحلي والطاقة المتجددة ، بما فيها الطاقة الشمسية .

وإذا استمرت الاتجاهات الراهنة على ما هي عليه ، فإن البلدان العربية بالأخص في تلك الفترة التي من الممكن أن نسميها ( عام ثورات الشعوب العربية ) لن تستطيع كسب الشعب إلى صفها لأن الكبت يولد الإنفجار، فعلى الرغم من تفاوت الأداء بينهما وفي ما بين المناطق الفرعية التي تؤلفها هذة البلدان ، قد لا يحالفها النجاح في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.

وعلى هذا الأساس يستدعي القضاء على الجوع وبذل جهود حثيثة ومبتكرة في البلدان العربية كافة ، لا سيما البلدان الأقل نمواً ، إضافة إلى الالتزام بتحقيق تعاون إقليمي في هذا المجال .


 

مواضيع ذات صلة :