
ويعتمد عدد كبير من الاقتصادات في آسيا على التصدير للولايات المتحدة وأوروبا، لدفع النمو، لكن إذا كان الطلب ينخفض فيما يفقد مستهلكون وظائفهم، فلن يجد الموردون سبباً يذكر يدفعهم للتفاؤل.
وقال اقتصاديون في مؤسسة «نومورا» في تقرير حول الاقتصادات الآسيوية، «العامل السلبي الذي يثير أكبر قدر من القلق هو البطالة».
وتابع التقرير أنه من دون انتعاش قوي للطلب الكلي «سيكون من الصعب توفير فرص عمل جديدة، ومن ثم يمكن أن تظل نسبة البطالة مرتفعة لتعرقل الانتعاش الاقتصادي».
وأضاف التقرير أن هونغ كونغ وماليزيا وسنغافورة وتايوان وتايلاند أكثر الدول تعرضاً للأزمة العالمية في آسيا.
وذكر أن «المؤشرات على آثار سلبية لاحقة في الدول الست الأكثر تعرضاً للأزمة تتزايد مع خفض الشركات التي لها صلة بالتصدير الإنفاق الرأسمالي والوظائف».
وداخل تلك الدائرة المفرغة يشعر المصدرون بضغط لخفض التكاليف مع خفض المستهلكين في الاقتصادات التي أضيرت من الكساد وقلة الإنفاق، ما يقلص القدرة الشرائية في أنحاء آسيا».
ويقول محللون إن «ثمة قطاعاً محلياً ضخماً في إندونيسيا والصين والهند يحمي اقتصادات هذه الدول من تأثير تراجع التجارة العالمية، وينبغي أن يؤدي ذلك لتجنب هذه الدول الكساد، رغم أن النمو سيكون بطيئاً».
وتقترب معدلات البطالة في الاقتصادات الكبرى من 10 بالمئة، ورغم ارتفاع نسبة البطالة في آسيا، إلا أنها لا تزال أقل كثيراً، كما أن الاستغناءات الجماعية عن الأيدي العاملة أمر نادر.
وسجل معدل البطالة في سنغافورة أعلى مستوى في ثلاثة أعوام عند 3.3 بالمئة، وبلغ 3.9 بالمئة في كوريا الجنوبية، وهو الأعلى في نحو أربع سنوات، وفي اليابان سجلت البطالة أعلى مستوى في 5 أعوام ونصف العام، عند 5 بالمئة.
والاستغناء عن العمالة في آسيا أمر صعب، ورغم أنه أمر غير مستساغ في كل مكان، إلا أن الوصمة الاجتماعية المصاحبة للاستغناء عن عمالة وقوانين العمل والافتقار لشبكة أمان اجتماعي يجعل تسريح العاملين عملية صعبة.
وبعيداً عن البطالة توجد بطالة مقنعة نتيجة توظيف عدد أكبر مما يحتاجه عمل معين، وكذلك عدم الاستغلال الكامل لقدرات العاملين نتيجة اضطلاعهم بعمل لا يتناسب مع مؤهلاتهم.
وحتى في الحالات القصوي يكون من الصعب المضي قدماً في تنفيذ قرار الاستغناء عن عمالة.
وتصارع شركة «ساتيام كومبيوتر سيرفيسز» الهندية -وهي رابع أكبر شركة هندية في مجال إسناد الأعمال لشركات في الخارج- من أجل البقاء، بعد أن كشف مؤسسها النقاب عن عملية احتيال مالي ضخمة العام الجاري.
وقامت «تك ماهيندرا»، المالك الجديد لـ«ساتيام»، بجمع أسماء 9 آلاف من العاملين أو نحو 20 بالمئة من القوى العاملة، الذين لم يعملوا لمدة ثلاثة أشهر، وخفضت أجورهم، فيما تلاشى الحديث عن إلغاء وظائف.
واستغنت «جيت إيروايز» الهندية، التي تمنى بخسائر عن 800 مضيف جوي، وأعلنت عزمها الاستغناء عن 1100 آخرين، بعدما قلصت عدد الوجهات التي تطير إليها لمواجهة تراجع الطلب وارتفاع أسعار الوقود.
أعقب ذلك احتجاجات وضغط سياسي، وفي غضون أيام أعيد العاملون لوظائفهم واعتذر الرئيس التنفيذي لموظفي الشركة، وفي وقت لاحق خفضت «جيت» عدد العاملين في الخارج، ومن بينهم طيارون وخفضت الأجور للحد من التكاليف.
وتمنح حكومة كوريا الجنوبية مزايا ضريبية ومزايا أخرى للشركات التي تحافظ على الوظائف أو تضيف وظائف، من خلال «تعديل» الأجور وساعات العمل، وقالت الحكومة في شهر يونيو إن ربع مواقع العمل التي توظف أكثر من مئة عامل انضمت للحملة.
وتتخذ تايلاند وماليزيا واليابان خطوات مماثلة، وبصفة عامة ينظر للبطالة على أنها مؤشر متأخر.
فعند الدخول في مرحلة تراجع اقتصادي يتباطأ الطلب والأنشطة، وتقل المبيعات، ثم يجري الاستغناء عن العمالة، وعند التعافي من التباطؤ ينتظر أرباب العمل حتى يرون أن التحسن مستمر قبل الالتزام بتعيين عاملين جدد. ولكن حين تثور شكوك بشأن ما إذا كان الانتعاش سريعاً أم بطيئاً، أم سيحدث أصلاً، فقد تصبح البطالة عندئذ مؤشراً رئيساً على ركود طويل الأمد. ولا يملك من يفقدون وظائفهم قدرة الإنفاق التي كانت لديهم وهم يعملون، ويخفض من يحتفظون بوظائفهم نفقاتهم ويزيدون مدخراتهم في حال جاء الدور عليهم.
ومن المفارقة أن التفاؤل المتنامي بشأن انتعاش تقوده الصين، قد يقود لتدهور وضع العمالة الآسيوية بشكل ما.
ويقول فريدريك نيومان، الاقتصادي في بنك « إتش إس بي سي» في هونغ كونغ، إن «تراجع أسعار السلع الأولية منذ العام الماضي خفض تكلفة الأنشطة الاقتصادية، وحسن هامش ربح الشركات الآسيوية، ما حد من الحاجة لخفض عدد العاملين، لكن الوضع يتغير».
ويضيف نيومان «يثير الارتفاع الأخير في أسعار النفط خطر أن تواجه الشركات الآسيوية ضغطاً أكبر للاستغناء عن عمالة»، مشيراً إلى أن هوامش الربح ستنخفض مع ارتفاع أسعار المواد الخام، فيما تواجه السلع المصنعة ضغوطاً لخفض الأسعار.
وقال «في الواقع ربما يدفع الطلب المتزايد على السلع الأولية في الصين أسعار المواد الخام للارتفاع على مستوى العالم، ومن ثم يقوض احتمالات انتعاش عالمي، وبصفة خاصة في الأسواق المتقدمة».
المصدر : رويترز