سجلت دول مجلس التعاون الخليجي عجزاً كبيراً في موازناتها للعام الحالي، كإحدى التبعات الأساسية لتراجع أسعار النفط، الذي كانت تعتمد عليه كمصدر دخل أساسي، إلا أن هذا التراجع مثل فرصة جيدة أيضاً، استغلتها بلاد الذهب الأسود لإجراء إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق جعلتها غير معتمدة على العائدات النفطية فقط.
مكنت تلك الإصلاحات، التي من أهمها فتح أبواب جديدة للاستثمار بمشاريع غير نفطية داخلياً وخارجياً، وفرض ضرائب إضافية، واتباع سياسة تقشف مالي، دول الخليج من تجاوز أزمتها نسبياً، والابتعاد عن بؤرة العجز.
والشهر الماضي، أعلنت مجموعة الاستثمارات العالمية "فرانكلين تمبلتون"، أن إجراءات التقشف المالي في دول الخليج نجحت في الحد من مستويات العجز في موازناتها، متوقعة أن يتراجع العجز المجمع لدول مجلس التعاون الخليجي، من 135 مليار دولار عام 2016، إلى 75 ملياراً في نهاية 2017.
الكاتب والمستشار الاقتصادي السعودي، أحمد الشهري، قال لـ"الخليج أونلاين": إن "الدول الخليجية اتبعت سياسة تقشفية بسبب العجز الذي سجلته موازناتها خلال الأعوام الماضية، وهذه السياسات تمكنت من معالجة الفجوة".
وأضاف الشهري أن "تعامل دول الخليج مع انخفاضات الإيرادات العامة كان مالياً، فقد اتجهت للاستثمار في مشاريع خارجية، وإلى فرض الضرائب".
وتابع: "لا يفضل الاقتصاديون السياسات الضريبية إلا في حدود ضيقة، ومن أجل معالجة مشاكل اقتصادية لا مالية، ولأن الاقتصاديات الخليجية لا تمتلك صادرات كبيرة، فقد تحد الضرائب من تدفق الاستثمارات الأجنبية".
وستعمل دول الخليج على فرض العديد من الضرائب خلال الأشهر القادمة، من أهمها ضريبة القيمة المضافة التي ستقرها في الربع الأول من 2018، وضريبة السلع الانتقائية على بعض السلع، التي ستطبقها خلال العام الجاري.
ويتوقع مراقبون اقتصاديون أن تحقق ضريبة القيمة المضافة عائداً مالياً لدول الخليج يتجاوز الـ25 مليار دولار سنوياً.
ورأى المختص الاقتصادي السعودي أن دول مجلس التعاون تمكنت من مواجهة أزمة هبوط أسعار النفط، وبدأت اقتصاداتها بالتعافي.
وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية نموذج لهذا التعافي، فقد قررت في بداية العام إلغاء البدلات والحوافز الحكومية، وأعادتها بعد عدة أشهر، وهذا دليل على تراجع هوامش العجز بسبب السياسات التقشفية التي طبقت، وهذا مؤشر جيد.
وذكر أن إعادة الحوافز والبدلات الحكومية سيسهم أيضاً في إنعاش الاقتصادي السعودي، وذلك لأنه يعتمد على الاستهلاك.
وأوصى الشهري بضرورة تنويع مصادر الدخل لدول الخليج؛ من خلال ترقية الهيكل الصناعي، قائلاً: "بدلاً من إنتاج النفط الخام، يجب أن نرفع القيمة المضافة للنفط؛ بتحويله لمنتجات بترولية تباع للعالم".
ولم يبتعد الخبير الاقتصادي المصري، عاصم أبو العز، عن سابقه، فقد رأى أن دول الخليج استفادت من تراجع موازناتها بتبني إصلاحات مالية في اقتصادياتها، خاصة بعد أزمة النفط التي عصفت بها في النصف الثاني من 2014.
وقال أبو العز لـ"الخليج أونلاين": إن "العجز في موازنات الدول الخليجية، زاد التخطيط والرغبة لدى هذه الدول لتخفيض اعتمادها على عائدات النفط، إضافة لإجراء إصلاحات فورية للنفقات والإيرادات".
وأشار إلى أن السعودية مثلاً اتخذت العديد من القرارات التقشفية التي أدت بالفعل إلى تقليل معدلات الإنفاق بصورة كبيرة، وهو ما أثبتته بيانات الربع الأول من العام الحالي 2017، حيث حققت إجمالي المصروفات نحو 6.9 مليارات دولار، مقابل توقعات بمصروفات بلغت 14.9 مليار دولار.
وذكر أبو العز أن جميع القرارات والخطوات التي اتبعتها السعودية، بجانب تطبيق رؤيتها للعام 2030 في تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، يزيد من التوقعات بأن تقضي المملكة على عجز الموازنة عام 2020.
وحول قدرة دول الخليج على الخروج من أزمة أسعار النفط، قال الخبير الاقتصادي: إن "دول مجلس التعاون تحاول مواجهة الأزمة، ولكنها لم تتغلب عليها كلياً بعد؛ فأثر الإصلاحات يحتاج إلى مزيد من الوقت ليظهر الأثر".
وأضاف: "لكن هناك مؤشرات تحسن بالتأكيد، فالتوقعات تشير إلى أن الاقتصاديات الخليجية، ومعدلات النمو في هذه الدول، ستتعافى في السنوات المقبلة".
ومن مؤشرات التحسن- بحسب أبو العز- أن الإيرادات غير النفطية في السعودية بلغت نحو 200 مليار ريال بنهاية عام 2016، مقابل 166 ملياراً عام 2015، بارتفاع يقارب الـ 20%، لتشكل هذه الإيرادات الآن نحو 38%.
ولفت إلى أن التوقعات تشير إلى ارتفاع قيمة الإيرادات غير النفطية في المملكة، لتبلغ 212 مليار ريال في العام 2017.
وحول مؤشرات التحسن في قطر، ذكر أبو العز أن نفقات الموازنة القطرية للعام 2017 انخفضت بنحو 2%، إلى جانب زيادة الإيرادات بنسبة 9%، ما أدى إلى انخفاض إجمالي العجز في الموازنة إلى 28.3 مليار ريال قطري، مقارنة بالعام 2016، الذي بلغ فيه العجز 46.5 مليار ريال.
ورأى الخبير الاقتصادي المصري، أن الضرائب التي تنوي دول الخليج فرضها ما هي إلا "أداة مكملة للإصلاح المالي في موازناتها، لكنها لن تكون كلمة السر في القضاء على عجز موازنات تلك الدول".
وفي تقرير لها منتصف الشهر الماضي، توقعت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" للأبحاث في بريطانيا، أن تتحسن أوضاع موازنات دول الخليج في العامين الحالي والقادم، وأن كثيراً منها ستحقق فوائض.
وأشارت المؤسسة البحثية الاقتصادية إلى أنه من المرجح أن تخفف الحكومات في دول الخليج إجراءات التقشف في الموازنة في حين تتباطأ وتيرة إصدارات الديون.
الخليج اونلاين