آراء وأقلام نُشر

مليارات هاربة أم مهربة؟!

المتتبع للوضع الاقتصادي العربي والعالمي في الوقت الراهن سيلحظ شيئاً هاماً جداً هو أن الجميع، عرباً وعجماً، لم يعودوا يستخدمون أرقاما بملايين الدولارات بل بمليارات الدولارات.
كيف ذلك؟. بالأمس طالعتنا مصادر اقتصادية غربية بالقول أن مصادر مصرفية غربية قدرت حجم الأموال التي غادرت المنطقة العربية خلال الأشهر الثلاثة الماضية أي منذ اندلاع الاضطرابات السياسية فيها بأكثر من 30 مليار دولار. وهذا الرقم بالطبع لا يتضمن، كما قالت تلك المصادر مليارات الدولارات وربما عشرات مليارات الدولارات من الأموال التي انتقلت من المشرق والمغرب العربي إلى دول الخليج، على شكل ودائع واستثمارات قصيرة الأجل.

وقبل ذلك بفترة قصيرة، سمعنا أن الجيش المصري نجح في أحباط محاولات لتهريب ما يزيد عن 17 مليار دولار إلى خارج مصر منذ بدء ثورة الخامس والعشرين من يناير وما تبعها من سيطرته المؤقة على الحكم في أرض الكنانة.
وبتاريخ السابع والعشرين من شهر أبريل/نيسان الماضي، أعلن رسمياً عن تجاوز بنك «يو.بي.إس» السويسري (UBS)الأزمة المالية العالمية مع عودة الأموال للتدفق مجدداً في ذراع أنشطته الأساسية لإدارة الثروات خلال الربع الأول، رغم أن ذراع الانشطة الاستثمارية كافحت دون جدوى، لاستعادة الزخم في الربع الأخير من العام الماضي.
وقال البنك السويسري، وهذا بنك واحد فقط وليس كل بنوك سويرا، إنه استقبل تدفقات قدرها 11.1 مليار فرنك سويسري أي ما يعادل (11.55 مليار دولار) الأمر الذي يظهر أن ثقة العملاء بدأت بالعودة.
وتجاوزت التدفقات التوقعات بكثير بعدما استقرت في الربع السابق دونما تغير يذكر وبعدما شهد البنك سحوبات كبيرة خلال الربع الأول من 2010.

طبعا البنك قال أنه استعاد ثقة العملاء غير أنه لم يحدد جنسية عملائه، وما إذا كانو من السويسريين أو الشرق أوسطيين، رغم أني أرجح وبشدة أن ما جعل شرايين وأوردة البنك تعود للحياة هي  بالتأكيد أموال شرق أوسطية وشمال أفريقية. وللأمانة فقد ألمح« بنك يو.بي.إس  » لذلك عندما قال في بيانه، أنه تلقى تدفقات قوية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والأسواق الناشئة وكذلك من  الطبقات شديدة الثراء.

وهذه إشارة واضحة إلى أن الأموال التي أعادت الحياة إلى شرايينه، قد جاءت من خارج سويسرا، بل ومن خارج أوروبا، عندما قال أنها من امنطقة آسيا المحيط الهادئ ومن الأسواق الناشئة وكذلك من الطبقات شديدة الثراء وهي إشارة أخرى ضمنية للأغنياء العرب. وعلى الرغم من أن خبراء خليجيين استبعدوا قبل فترة خروج الاستثمارات الخليجية التي تقدر بـ 250 مليار دولار من الأسواق المصرية والتونسية والليبية خلال الفترة المقبلة، على خلفية التطورات السياسية التي تشهدها هذه البلدان، فان من الممكن القول أن ما أعلنه البنك السويسري يشير إلى أن كل تلك التوقعات ليست في محلها.
ومما قاله أولئك الخبراء أن أسواق هذه البلدان تعد من أنشط الأسواق العربية على المدى البعيد، ولذلك لن تخاطر تلك الشركات بالخروج من هذه الأسواق خلال الفترة الراهنة.
وتوقع أولئك الخبراء أن تسود تلك الاستثمارات حالة من الهدوء خلال الفترة الحالية انتظاراً لما ستؤول إليه الحياة السياسية في تلك البلاد.
لكن الواقع يقول أن موجة التوترات السياسية لا زالت تفرض نفسها بقوة على اقتصادات المنطقة، فارضة حالة من عدم اليقين إزاء مصير الاستثمارات وحركة رؤوس الأموال، في ظل المخاوف من تغيير اتجاه حركة تلك الاستثمارات لمناطق اخرى كالغرب أو آسيا مثلا.
قبل فترة سمعنا مسئولاً مصرفياًخليجيا يقول أن البنوك المحلية قد خفضت قيمة الفائدة على الودائع البنكية كما خفضت الفائدة على القروض الأفراد والشركات نظرا لارتفاع السيولة المالية في البنوك المحلية. ليس هناك داع بالطبع للتساؤل عن المكان الذي أتت منه تلك الأموال، ومعرفة ما إذا كانت هاربة أم مهربة.

 

مواضيع ذات صلة :