آراء وأقلام نُشر

السؤال الخليجي في الازمة الليبية

يلاحظ المتتبع للازمة الليبية اهمية الدور الخليجي اللافت في الاحداث التي تجري هناك, وخاصة في الدور الذي لعبته وتلعبه اعلاميا القنوات الفضائية الخليجية تحديدا - نشر الديمقراطية وحرية التعبير وحق التظاهر خارج حدود المنطقة الخليجية - هذا الدور الخليجي السياسي الكبير والفارق عربيا عن طريق تكتل اولي ضم الدول الخليجية السته بالاظافة للاردن في بداية الازمة ومن ثم حشد التأييد العربي لهذا الاتجاه بالعزل السياسي لليبيا عربيا ومن بعد تحويل الملف لمجلس الامن بطلب امريكي ووضع ليبيا كلها بقضها وقضيضها عربيا تحت رحمة مجلس الامن وفصله السابع والته العسكرية الرهيبة المتمثلة في الناتو بكل ما يملك من اسلحة وقوة تدمير, وما في جعبته من استراتيجيات ومطامع ومخططات وثارات قديمة مع ليبيا.

أن هذا الدور واضح ايضا في التحرك السياسي للسياسة القطرية عربيا ودوليا في التنقل الدؤؤب بين عواصم دول الناتو بين باريس وواشنطن ولندن, والرعاية السياسية القطرية والاماراتية للمجموعات السياسية الليبية القديمة الجديدة وعلى رأسها المجلس الانتقالي واستقبالها واستظافة مؤتمراتها وتقديم التسهيلات العالية لها وتغطيتها ماليا واعلاميا,وايضا ايصال المعونات والمستشفيات الميدانية, هذا الدور الذي يشكل - بكل وضوح - رأس الحربة الخليجية في الازمة الليبية وهو بالتأكيد ليس فقط عشقا جديدا طارئا لليبيا ولليبيين كما يعتقد البعض.

أن السؤال مهم خصوصا اذا عرفنا حجم هذا الدور الخليجي - الاماراتي والقطري تحديد - في هذه الاحداث سياسيا واعلاميا وحربيا وماليا ,حيث تتحمل الدولتان تكاليف العمليات العسكرية ( قرابة 9000 طلعة جوية، منها 3200 غارة، ألقت خلالها طائرات الناتو 720 صاروخ، و800 قنبلة، إضافة إلى 676 صاروخ توماهوك و421 صاوروخ اكروز - هذا حتى يوم 6 مايو 2011 - حيث تقدر قيمة الصاروخ الواحد بمليون ونصف دولار, وتقدر تكاليف كل طلعة جوية - من مختلف انواع الطائرات الرافال الفرنسية ,والتورنيدو البريطانية , وF 16 الاميركية بما فيها الشبح التي تقطع تقريبا 25 ساعة طيران ذهابا وعوده من اميركا لتقصف ليبيا بانواع من القذائف لايعرف كنهها - بين 10 و18 الف دولار للساعة الواحد هذا عدا المشاركة الفعلية بالطائرات الحربية الاماراتية والقطرية ),خصوصا ان السيناتور الامريكي الجمهوري ريتشارد لوغار - العضو البارز في لجنة الشؤؤن الخارجية بمجلس الشيوخ الامريكي - طالب الدول العربية بدفع كلفة الحرب قائلا ان اميركا لم تعلن الحرب على ليبيا حتى تدفع تكاليف العمليات هناك.

ان اهمية طرح السؤال تكمن في ملاحظة ان الدور الخليجي لم يقم الى الان بأي دور من اجل حوار سياسي ليبي ممكن حقنا لدماء الليبيين كما هو منتظر من اخوتنا في الخليج, بل ولم يعيروا اي اهتمام للدعوة للحوار او الدفع في هذا الااتجاه لا اعلاميا ولا سياسيا لا على المستوى العربي ولا الدولي, فالحركة السياسية الخليجية دؤؤبة في اتجاه تقويض النظام السياسي الليبي بصب الزيت على النار التي تشتعل من دماء الليبيين الذين يوجهون البنادق والصواريخ والقذائف لصدور وبيوت بعضهم البعض في نفس الوقت الذي تقصفهم فيه - جميعا - الالة الحربية للناتو بكل قوتها التدميرية التي لا تستثني فيها بنية تحتية او اسر أمنة بتمويل من اخوتنا الخليجيين انفسهم.

أن الحجم الكبير للتكاليف الماهولة والتحرك السياسي الملفت لدول الخليج - الذي قفز في لحظة واحدة مندفعا - ربما يعكس بعدا تاريخيا في الاوضاع السياسية العربية مما يعود بنا للنصف الاخير من القرن الماضي وخاصة تقويض القذافي ورفاقه للحكم الملكي في ليبيا وايضا ما سبق وما لحق من ظهور تحالفات عربية عربية بينية في كل مرحلة ( حلف بغداد - الجمهورية العربية المتحدة - جبهة الصمود والتصدي - تحالفات مرحلة تحرير الكويت واحتلال العراق وما تلاها - محور الممانعة ومحور الاعتدال), وهو ربما انعكاس لمسيرة هذه العلاقات تاريخيا منذ ذلك الزمن وما حوته من تبدلات وتحالفات وخصومات ومكائد وايضا من لقاءات وزيارات سياسية وعائلية.

ان الامر مثير حقا وملفت للنظر مما يتطلب التمحيص او محاولة الاجابة عن هذا السؤال الذي تبدو اهمية طرحه والاجابة عليه مهمة في مسالة العلاقات العربية العربية مستقبلا خاصة اذا عرفنا ان العلاقات الخليجية الليبية قد تحسنت في السنوات الاخيرة وهي متميزة مع الامارات العربية المتحدة, وربما متحالفة مع قطر في قضايا المنطقة وهي تعمل بتنسيق مشترك علاوة على تصفية التلاسن السعودي الليبي والقفز على المشكل نحو علاقات عادية ,وايضا الود الظاهر مع القيادة الكويتية في الفترة الاخيرة.

انه سؤال مهم تكمن الاجابة عليه في فهم كنه دعوة مجلس التعاون الخليجي للاردن والمغرب للانظمام لمجلس التعاون الخليجي وبروز تحالف سياسي ملكي جديد يقود العمل العربي ,الامر الذي ليس بعيدا - في جزء منه - عن رأس الحربة الخليجي في الازمة الليبية, وهو ربما مرتبط بشكل اخر بعدم قبول اليمن كعضو في هذا المجلس - المرتبط جغرافيا وديمغرافيا واجتماعيا بدول مجلس التعاون - رغم ان هذا المجلس يلعب دورا وسيطا مهما في الانتقال السياسي في اليمن اليوم.
 

كاتب ليبي / بريطانيا

gharssalla@hotmail.com


 

مواضيع ذات صلة :