آراء وأقلام نُشر

يخفق بتقدير ثروة مبارك

احتفظ الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بمكانة كبيرة في الفكر القومي العربي، ومع أن له هذه المكانة الكبيرة إلاّ أن له سقطات كبيرة، كتلك التي ارتكبها - زوراً وبهتاناً - ضد السعودية.

ولا جدال أن هيكل كان على خلاف مع الرئيس محمد حسني مبارك، ولذلك حينما سقط نظام مبارك ظهر هيكل بشكل كثيف في وسائل الإعلام المصرية التي حُجب عن الظهور فيها لسنوات طويلة غابرة، ومن أبرز ما قاله هيكل أخيرا: إن مبارك لم يكن صاحب الضربة الجوية ولم يكن بطلاً من أبطال أكتوبر، رغم أن كل القيادات العسكرية وعلى رأسهم الرئيس السادات أشادت بالدور الأساسي والرئيسي الذي لعبه مبارك في انتصارات أكتوبر، بل إن الرئيس السادات عينه نائباً لرئيس الجمهورية مكافأة للعمل الجسور الذي قام به في حرب أكتوبر.

هكذا وبسرعة قام هيكل بتزوير التاريخ المشهود للرئيس السابق محمد حسني مبارك!

وفي اليوم الذي تنحى فيه الرئيس مبارك عن رئاسة جمهورية مصر العربية تسابقت وكالات الأنباء الضالعة مع الصهيونية العالمية إلى إصدار بيانات عن ثروة مبارك وعائلته، وأذكر أن صحيفة «» الجارديان البريطانية «» سبقت كل صحف العالم وقالت إن أرصدة الرئيس مبارك وعائلته في البنوك البريطانية تتجاوز الـ 70 مليار جنيه استرليني!

«وحينما نشرت » «الجارديان» « هذا الرقم لم نصدقه، واستغربت المصادر المستقلة أن تتبنى صحيفة كبرى كـ» «الجارديان» هذه الأكذوبة التي لا تستطيع الخزانة المصرية - بأي حال من الأحوال - أن توفر لسرقة هذا المبلغ الكبير، نعم بالتأكيد مصر لا توجد فيها مجالات لسرقة مثل هذا المبلغ الكبير، فكيف يستطيع الرئيس أن يسرق مبلغاً ليس له وجود أصلا؟ً

«ولم تتركنا صحيفة » «الجارديان» طويلاً نرتاب من الخبر، ولكنها بُعَيْدَ يوم واحد استدركت الصحيفة، وقالت إننا أخطأنا حينما أضفنا صفراً من اليمين لثروة مبارك، والصحيح أن ثروة مبارك وعائلته في البنوك البريطانية لا تتجاوز سبعة مليارات جنيه استرليني وليس 70 ملياراً، وساعتها قال المراقبون المستقلون حتى سبعة مليارات استرليني هو مبلغ فادح على الاقتصاد المصري اللاهث.

«وفي تقديري لا يوجد سبب لدى صحيفة » «الجارديان» لنشر ثروة مبارك الوهمية إلاّ أنها رغبة صهيونية تستهدف زيادة حدة الخلاف بين الشعب وبطل أكتوبر الرئيس السابق الذي قهر الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر.

«وفي خضم الأرقام التي حامت حول ثروة مبارك وعائلته والتي أخذت تصحح نفسها في الإعلام المصري والعالمي، فقد أدلى الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل بتصريحات إلى صحيفة » «الأهرام» قال فيها: إن ثروة مبارك تقع بين التسعة والعشرة مليارات دولار، والقارئ المحايد لهذا الرقم الذي أدلى به هيكل يستنكر للوهلة الأولى هذا الادعاء، ولكن نظراً لأن الدوائر الحكومية المصرية تثق في الصحافي الكبير، فإن النائب العام في مصر التقط هذا التصريح وطالب هيكل بالمثول أمام النيابة للشهادة والإفصاح عن المصادر التي استقى منها هذا الرقم.

«ويومذاك شمر هيكل عن ساعده وذهب إلى النائب العام وقال للنائب العام إن مصادره هي الصحافة العالمية، ولكن النيابة العامة صدمت حينما قال لها هيكل إن مصادري هي الصحافة العالمية، أي هيكل أعادنا إلى الصهاينة في صحيفة » «الجارديان» وكل الصحف الغربية المتصهينة، وهذا يعنى أن هيكل اعتمد في نشر معلوماته على مصادر لا يعول عليها لا من الناحية العلمية ولا القضائية، لأن المعلومات المستقاة من الصحافة هي معلومات أقل ما يقال عنها إنها غير دقيقة، فما بالك بصحافة ترزح تحت نير النفوذ الصهيوني!

إن كل صحافي عالمي في وزن هيكل له مصادره الموثوق بها، أمّا وإنه يعتمد في نشر أرقام خطيرة اعتمادا على ما تنشره الصحف، فإن هيكل وضع نفسه في منزلة أصغر صحافي في عالمنا العربي الذي يقتات على فتات الصحافة المغرضة، وكان المفروض أن يصدر حكم ضد هيكل بتهمة الادعاء الباطل الذي يعاقب عليه القانون بالسجن، والسؤال هنا: لماذا تحكم المحاكم بأشد العقوبات ضد أركان النظام السابق، بينما تتملق وتتهادن مع أنصار النظام الثوري الجديد!

وإذا استعرضنا العلاقة بين هيكل ومبارك نجد أنها لم تكن على ما يرام، وكلنا نعرف أن هيكل كانت له صولات وجولات في حكومة الرئيس السابق جمال عبد الناصر حتى ضمه إلى طاقم حكومته ومنحه حقيبة وزارة الإرشاد القومي، ولكن هيكل لم يكن على ما يرام مع خلفه الرئيس محمد أنور السادات، الذي كان يظن أن هيكل قريب من مراكز القوى الذين أطاح بهم السادات في واقعة 15 مايو، ولذلك اتخذ السادات قراراً بإبعاد هيكل عن مطابخ صنع القرار المصري، وحينما تسلم مبارك السلطة عقب اغتيال السادات كان هيكل يتوقع أن يقربه حسني مبارك من السلطة، ولكن مبارك لم يفعل هذا، بل آثر إبعاد هيكل عن دهاليز الإدارة المصرية، وهنا بدأ هيكل يغمز ويلمز نظام مبارك، حتى اضطرت وزارة الإعلام إلى اتخاذ تدابير تمنع هيكل من الكتابة في الصحافة المصرية أو حتى الظهور في الإعلام المصري.

«ونحن من جانبنا لا نطعن في كفاءة هيكل كصحافي عربي كبير، ولكنه صحافي لا يستطيع أن يضبط أهواءه، ولذلك له صولات وجولات متناقضة، بل نستطيع القول إن هيكل اشتهر بالفبركة واستخدام التخمينات المضللة في كثير من طروحاته، وقد نالت السعودية منه الشيء الكثير، ومن يقرأ كتبه وبالذات كتاب » «خريف الغضب» « يجد أن هيكل يقدم نفسه للقارئ بمجموعة كبيرة من المعلومات المفبركة والمضللة، حتى أحاديثه التي يقدمها عبر قناة » «الجزيرة» « يقدم فيها الشيء وضده في آن واحد، ولن يخرج المشاهد بقصص إخبارية منطقية ومتكاملة، بمعنى أن قصصه الإخبارية في قناة » «الجزيرة» لها بدايات ولكن ليس لها نهايات.

أمّا حال هيكل في هذه الأيام فهو يجمع كل قواه لشن هجوم على ثورة 25 يناير لأنها زجت بابنه حسن هيكل في غياهب سجن طرة جنباً إلى جنب مع شركائه أبناء الرئيس مبارك، أي أن ابنه متهم بقضايا فساد واستغلال نفوذ والده بغير وجه حق، وهي التهم نفسها الموجهة لنجلي الرئيس مبارك علاء وجمال، والسؤال الآن: هل يستمر هيكل في تعيير مبارك بالفساد واستغلال النفوذ بطرق غير مشروعة، أم أن واقعة ابنه تستميح لمبارك العذر!

*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.


 

مواضيع ذات صلة :