لعل أهم مشكلة أحس فيها الجميع أو بدأ يحس فيها خلال الأزمة الحالية هو الخطر على الاقتصاد السوري وبداية انهيار لكثير من القطاعات الاقتصادية التي ستحتاج إلى فترة طويلة من الوقت لتستعيد نشاطها وعافيتها وما يترتب على ذلك من توسع في قاعدة البطالة في المجتمع والآثار السلبية التي من الممكن أن تنجم عنها .......
نظرة إلى واقع الاقتصاد السوري قبل بداية الأزمة :
بنظرة بسيطة إلى الواقع السوري وإلى السنوات الماضية نلاحظ أن عام 2005 شكل محور تحول هام في شكل بناء الاقتصاد وذلك بعد القرار التاريخي بالانتقال من الاقتصاد المخطط إلى الاقتصاد الحر ( الذي أطلق عليه اقتصاد السوق الاجتماعي ) وهي خطوة غاية في الأهمية لأن الاقتصاد الحر يعطي المجال للمبادرات وبناء المشاريع الخاصة والتنافسية , ولكن كان أهم خطأ كان الانتقال الفجائي دون أن تهيئة البيئة الاقتصادية لذلك ( أي قرارات صحيحة وتنفيذ خاطئ) , ليستمر التخبط في القطاع الاقتصادي فترة طويلة وما إن بدأت بعض ملامح الاستقرار حتى بدأت الأزمة العالمية والتي لم يخرج العالم منها إلى الآن ولتبدأ أزمة سوريا وما تبعها من آثار على اقتصادنا ......
الآثار السلبية للأزمة في سوريا على اقتصادها :
من خلال الخطة الخمسية العاشرة تم التحول بشكل كبير إلى تشجيع وتنشيط قطاع السياحة وقطاع الخدمات الذي يرتبط بشكل كبير بقطاع السياحة وكذلك القطاع المصرفي وذلك على حساب قطاعي الصناعة والزراعة الضامنين لاستقرار أي اقتصاد .
ولعل أبرز مسبب للأزمة في القطاع السياحي والخدمي (مع الأثرعلى باقي القطاعات) هو التظاهرات المعارضة (على خلاف المسيرات التأييدية) وعدم الاستقرار الأمني في كثير من الأماكن و سبب ذلك أن المظاهرات ورغم أن كثير منها ينقضي بوقت قصير جداً ولكن نتيجة الضخ الإعلامي المركز فهي تنقل صورة الارتباك والتهويل وعدم الاستقرار على الأرض مما يؤدي إلى هروب السياح وتدمير موسم السياحة بشكل شبه كامل (وذلك على عكس المسيرات التأييدية التي تسعى لنقل صورة وحدة الشعب والقيادة والعمل على بث الطمأنينة ) ومعه نسبة كبيرة من قطاع الخدمات ,
أما الأثر على قطاع الصناعة فهو أثر كبير ولو بدرجة أقل من قطاع السياحة ويتمثل بعدة عوامل منها : خوف المستوردين في الخارج من المجيء إلى سوريا خلال الفترة الحالية وخوفهم من عدم وصول البضائع المستوردة إليهم بسبب الاضطراب على الأرض مما دفع كثير منهم إلى إيقاف استيراده من سوريا ولو بشكل مؤقت , ومن العوامل السلبية أيضاً هو العقوبات الاقتصادية التي فرضتها بعض الدول على سوريا مما يؤثر بجانب استيراد بعض المواد الأولية وبعض التجهيزات (وهو عامل أراه إيجابياً على المدى الطويل وسأبين ذلك بعد قليل ), ومن العوامل السلبية كذلك هو سعي الطبقة المستهلكة إلى الضروريات وابتعادها عن شراء ما تعتبره كماليات في الفترة الحالية (خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود ) مما سبب نوعاً من الكساد الداخلي , وسيسبب ذلك كله فترة ركود في الأسواق لفترة قادمة مما يسبب أزمة بطالة مؤقتة ( أتمنى أن لا تطول) حتى يبدأ السوق بالانتعاش من جديد .
أما الأثر على القطاع المصرفي فحسب تحليلي البسيط وبما أنه خلال الأزمة الحالية بدأت الليرة السورية تفقد جزءاً من قيمتها فإن المصارف التي استطاعت الحفاظ على الكتلة النقدية المودعة لديها أو استطاعت زيادتها ستستفيد إيجاباً كما سيستفيد المقترضون (مالم تقم بإجراءات رفع لأسعار الفائدة مماثلة لنسبة الانخفاض في قيمة الليرة) على حساب المودعين وذلك بسبب انخفاض قيمة الليرة السورية .
أما قطاع الزراعة فلا أرى أنه سيتأثر بشكل سلبي فهو سيبقى محافظاً بسبب ارتباطه بشكل رئيسي بالغذاء والطعام والذي لا يتأثر بشكل ملحوظ مهما تأثر الاقتصاد .
ولعل الأثر الإيجابي الوحيد (ولو بعد فترة من الزمن ) سيكون من خلال محاولة الغرب حصار سوريا اقتصادياً ومنع تصدير الآليات والمعدات والمواد الأولية لها لأن ذلك سيولد ( في حال وجدت الإدارات القادرة على استثمار هذه الحالة) نوعاً من التطور الذاتي لتغطية النقص ( وهذا ما حصل في دول أخرى مثل إيران حيث قامت بنفسها بصناعة كل ما رفض الغرب بيعها إياه مما شكل لها تطوراً معيناً حتى وصلت لصناعة الطائرات الحربية والمدنية ) ولكنني لا أتوقع أن يستفيد السوريون من ذلك كثيراً بسبب عدم وجود الدعم الكافي لنواحي الإبداع والابتكار والتطوير في الوقت الحالي .
الفترة الحالية والمستقبل :
إن الفترة الحالية والقادمة ستكون من خلال محاولة الحكومة الزج بكل طاقتها لإنعاش السوق والانتقال إلى ازدهار اقتصادي ( وهذا الأمر مرتبط حتماً بالاستقرار السياسي والأمني ) وهو أمر سيأخذ وقتاً قد يطول لأشهر أو ربما لبضع سنوات حتى يتعافى الاقتصاد من جديد .
ولكنني أرى ( بنظرة بعيدة ) أن الاقتصاد حتى ولو تعافى فإنه سيعود للانتكاس ولو بعد فترة من الزمن مثله في ذلك مثل كل الاقتصادات العالمية التي تعاني من أزمات دورية تتراوح بين الانتعاش والركود والكساد و الانتعاش مجدداً , ولا أرى حلاً لأي اقتصاد إلا بالابتعاد عن الهيكلان المعروفان حالياً على مستوى العالم ( الاقتصاد الاشتراكي والرأسمالية ) والاتجاه إلى شكل جديد يمكن من خلاله حل جميع المشاكل الاقتصادية لكل دول العالم وهو ما سأتناوله في مقال آخر .....