آراء وأقلام نُشر

العقار الخليجي : فرس رهان

أخذ قطاع العقارات الخليجي في جسر الفجوة التي تكونت خلال سنوات طويلة ماضية بين الطلب الحقيقي ومستوى العرض مع استرداد القطاع المذكور جانباً مهماً من ثقة المستثمرين الدين تخلوا عنه برهة في ذروة الأزمة المالية العالمية نهاية عام 2008 ومطلع العام 2009.على الرغم من اتساق مسيرة نمو القطاع في دول مجلس التعاون الخليجي، نظرا لما يصيب تلك البلدان من ركود ونمو متشابه في معطياته، فان الأزمة العالمية أعادت ترتيب القطاع بشكل متفاوت تبعا للأولويات الحقيقية للطلب المحلي البعيد عن المضاربات التي تسببت في انفجار فقاعة الأسعار في غير موضع من هذه البلدان.
 
وفيما لا تزال تعاني دبي، التي كانت ولازالت المركز العقاري الخدمي الأبرز خليجياً، مما خلفته الأزمة العالمية على واقع قطاعها العقاري وأطاح بعدد من كبار المطورين والمقاولين، غير أن واقع الحال يبدو مختلفا في السعودية وقطر وأبوظبي نظرا لما يميز هده المناطق عن دبي باستقرار نسبي للتدفقات النقدية الناتجة عن بيع النفط، فضلا عن توافر طلب حقيقي على المنتج العقاري من جراء المعطيات الديموغرافية لتلك المناطق.السعودية، ذات الـ23 مليون نسمة، لا تزال تحفل بنمو حقيقي في الطلب من قبل أبناء المملكة الباحثين عن مسكن يأويهم بعد انتقالهم لمرحلة الزواج والاستقلالية.
 
ولعل خطط التنمية التي أعلن عنها الملك عبد الله فضلا عن تطبيق خطة محكمة لتوطين الوظائف في القطاع الخاص ومنح شركاته مميزات معينة حسب نسب تحقق السعودة المتحققة، قد ساهم في تحسن مدخرات شريحة واسعة من أبناء المملكة الذين انكبوا باحثين عن المسكن.
 
وظلت السوق السعودية الأكثر اعتدالا في تقييم الأصول العقارية نظرا لاتساع رقعة المساحة الممكن استثمارها في أرجاء المملكة، كما أن معدل دخل الأخيرة يقل عن نظيره القطري والإماراتي، ما استوجب معه عدم المبالغة في التقييم لأن حصول دلك سيعني إحجاما عن الطلب.لا، بل على العكس تماما ، إذ يغرد السوق العقاري السعودي خارج السرب العالمي والخليجي، فالطلب يفوق مقدار العرض، فيما ينحو البعض باللائمة على «هوامير السوق» الذين يحتكرون أراضي لبيعها بأسعار مرتفعة، استوجب تدحل السلطات المعنية عبر سلسلة خطوات تضمن ضبط إيقاع السوق.
 
ولا يزال النمو الاقتصادي المعتدل للسعودية، والذي يحوم حول 4 % سنويا، ضامنا لنمو الطلب على المدى المنظور.المدن الاقتصادية والتوسع الحاصل في الحرمين الشريفين ومشاريع البنية التحتية وتزايد حجم الإنفاق الرأسمالي الرامي لتعزيز حراك القطاعات الاقتصادية المحلية، تظل ضمانة إضافية تشي بتواصل تحسن مستويات تشغيل الشباب السعودي وبالتالي مدخراتهم التي ستحول يوما ما نحو البحث عن ملاذات عقارية تتقدمها المساكن.في الحالة الإماراتية، لا يزال الفرق باديا بين مستوى أداء القطاع العقاري في دبي و أبو ظبي، فالأخيرة تستفيد من تراكم الفوائض المالية الناتجة عن تصدير النفط لإدامة الحراك الاقتصادي عامة والعقاري خاصة، كما يلحظ أن ارتفاع مستوى إيجارات المساكن في العاصمة السياسية للبلاد، ظل يقنع المستثمرين بالعائد المتأتي على استثماراتهم العقارية مع احتسابهم نسب الاستهلاك على تلك الأصول والتي يمتد عمرها الافتراضي لفترة تصل الى 25 عاماً.لكن دبي قادرة على استرداد بريقها كمركز مالي وعقاري وسياحي ساهمت الأزمة العالمية في التأثير السلبي على جاذبيته، بيد أن غياب بديل إقليمي مكن الإمارة من الاحتفاظ بموقعها الأبرز بين نظيراتها الخليجية جذباً للسياح والمستثمرين.
 
ويتوقع أن يساهم تراجع أسعار الأصول العقارية في تحسن العائد الاستثماري على إيجارها أو امتلاكها لأغراض أخرى، وعلى الرغم من طول أمد تصحيح أسعار القطاع في دبي، غير أنه سيصب في صالحها في وقت قريب ليعينها على إطلاق شرارة مرحلة نمو جديدة غير أن طريقها يبدو متعرجا.في حالتي البحرين والكويت، فإن القطاع العقاري سيظل متأرجحا نظرا للحراك السياسي الذي تشهده الدولتان مع اختلاف طبيعة ذلك الحراك، بيد أن الكويت، ذات الاحتياطات المالية الوافرة، قادرة على إعادة رسم سياستها الاقتصادية وإن كان الأمر يتطلب هدنة طويلة الأجل بين الحكومات المتعاقبة ومجلس النواب، إذ تؤثر العلاقات غير الحميمة بين الطرفين على تأخير انجاز أكثير من المشاريع التنموية في البلاد.
 
«فيما يتصل بالسوق العمانية، فلا أزال متفائلا بشأن فرص نموها مستقبلاً، فالسلطنة التي بقيت نسبيا بعيدا عن سلم اهتمامات المستثمرين الأجانب قادرة على توجيه عقارب ساعتها نحو النمو القوي بفضل التنوع البيئي وجاذبية الأسعار فضلا عن تميز البنية التحتية التي تفوق مستوياتها الحالية في دول خليجية نظيرة ذات إمكانات مالية أعلى.صلالة المدينة السياحية الخلابة قبلة مرجحة للمستثمرين الخليجيين في المرحلة المقبلة، إذ يبقى محيطهم أكثر أمنا بالمقارنة مع استثماراتهم السياحية الأوروبية أو الأمريكية، ويمكن أن تكون هده المدينة منتجعا خاصا لهم في المستقبل الأمر الذي ينطبق على أبها السعودية.ما تزال قطر السوق التي يتطلع إليها المراقبون عند الحديث عن انتعاش متوقع، ولا يخفى على أحد حجم الآمال المعقودة على الاستثمار بالقطاع العقاري القطري، الذي حظي بعدة محفزات بدأت من شراء الحكومة للأصول العقارية خلال الأزمة العالمية وتلا ذلك إطلاق بنك بروة العقاري شبه الحكومي لتمويل مشاريع القطاع، كما تضاعفت موازنة بنك قطر للتنمية المخصصة لتمويل بناء وشراء المواطنين لمنازلهم.وعلى الرغم من التوقعات التي تفيد بانحسار النمو الاقتصادي القطري من 18 % لعام 2011 لنحو 7 % في العام التالي، غير أن هده النسبة تظل متقدمة عن معدلاتها الإقليمية وتفسح المجال أمام خلق طائفة كبيرة من الفرص المواتية ضمن القطاع العقاري الذي ينظر متأملا للفرص الخاصة والمواكبة لمشاريع مونديال 2022 .ويقام كأس العام 2022 في دولة قطر للمرة الأولى في الشرق الأوسط، بعدما تفوقت الدولة الخليجية على الولايات المتحدة وأستراليا وكوريا الجنوبية واليابان خلال تصويت اللجنة التنفيذية للإتحاد الدولي لكرة القدم » فيفا « في ديسمبر/كانون الأول 2011.وتنصح جميع المؤسسات الاستشارية العالمية باستهداف السوق العقارية القطرية خلال السنوات المقبلة في ظل تعهد الدولة بإنفاق نحو 170 مليار دولار في شرايين قطاع التشييد والبنية التحتية، مع أهمية تحاشي الأصول باهظة الثمن التي تتسبب في تراجع عوائدها.ومن المقدر نشوء مناطق سكنية محاذية لمشروع لسكك الحديد القطري المقدرة كلفته بنحو 130 مليار ريال ويشمل مختلف مناطق البلاد بتنفيذ شركة » دويتشه بان « الألمانية بالتعاون مع » الريل « وهي شركة تتبع » الديار للتطوير العقاري القطرية الحكومية.ورغم تباين نسب النمو المتوقعة لقطاع العقار والتشييد في الدول الخليجية، فأن الانطباع العام يميل نحو الايجابية ما لم تبرز تحديات جيوسياسية غير محتسبة.

أريبيان بزنس


 

مواضيع ذات صلة :