آراء وأقلام نُشر

ربيع التغيير..

هذا هو التغيير- أحقية وجود وسُنّة حياة.. صيرورة تواصُل وحتمية تجدُد.. شراكة في الوطن والمواطَنة، ومساواة في الحقوق والواجبات والمسئوليات- حيث الكل يستحق..والكل مسئول.. مثلما الكل مُساءَل.. وبين الكل دستور دولة- نظام وقانون- ناموس حياة ينظم العلاقة بين الأحياء، ويمنح الأولوية للأفضل، والأحقية لمن يستحق، ويضع الكل تحت طائلة الثواب والعقاب، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

بالكل نغير، وبالكل نبني، ومع الجميع نتغير، من أجل وطن يتسع للجميع، نصوغه كما شاءت إراداتنا، ونتعايش فيه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، نُسوّره بالتلاحم، ونعمّره بالتكامل، وبالعطاء الجماعي الذي يباركه الله، حيث يد الله مع الجماعة، وإرادته من إرادة الجميع.

اليوم حان أن نستريح- بعد عامٍ من الصبر والعناء والنضال الشاق.. شهور عجاف مَرّت على يمننا ومجتمعنا المكابد، أثقلت كاهل الجميع بلا استثناء، وأثارت قلق العالم.. كان الطريق شاقاً ونحن في دوامة الجدل والبحث عن فرصة تغيير آمن، عن صيغة انتقال سلمي تلائم ظروف بلدنا ولا تتجاوز حساسية وضعنا المعقد- وتحديات الداخل والخارج، كي لا تكون الكلفة باهظة.

في محيط متغير يغلي كالمِرجل من حولنا- كان لابد من نهاية مأمونة العواقب تحسم صراع الإرادات وتلتقط الممكن من الحلول.. لم نكن وحدنا، تدخلت حكمة الكبار في الداخل والخارج بقوة، لتتمخض جهودها المضنية عن مبادرة عقلانية ورؤية توافقية وصيغة شراكة مؤقتة رسمت معادلة جديدة، وضمنت انتقالا آمنا وعدالة انتقالية، وأنقذت وطنا على مشارف الانهيار.. لتشهد المنطقة ربيعاً مغايرا- بخصوصية يمانية.

اليوم حان أن نلتقط أنفاسنا، بعدعاصفة الجدل الطويل والسِجال المُر، لنتوقف في محطة مؤقتة- مع انتخابات رئاسية لطالما انتظرنا لحظتها بفارغ الصبر، ندشن بها ريادة تداول وانتقالاً آمناً، وتبدأ معها عجلة التغيير في الدوران.. بالتأكيد لن نتوقف عندها، المتاعب لم تنته بعد، ربما انتهت معركتنا مع الجهاد الأصغر ليبدأ الجهاد الأكبر- جهاد النفس، ربط الأحزمة، تقويم الاعوجاج، ضبط الأعصاب، القبول بالآخر، لمّ الشمل، وتنقية القلوب مما علق بها.. كل ذلك بالتزامن والتوازي مع مهمة عاجلة تفرض علينا سرعة تطبيع الحياة وإعادة الأوضاع إلى استقرار افتقدناه طويلا، وتوازن نحن بأمس الحاجة إليه.

تبدو المهمة غاية في الصعوبة- قياساً بحجم الملفات العالقة والأوضاع المتردية والقضايا الشائكة التي تنتظرنا.. نحن إزاء مرحلة معقدة ومسئولية مركبة تتطلب المواءمة الجادة بين أولويات التغيير ومتطلبات التوازن، بين عوائق ماضٍ وضرورات حاضر واستحقاقات مستقبل، بين معالجة عاجلة لأضرار مرحلة- وبناء يمن جديد وتنمية شاملة ودولة مؤسسات آن أوانها.

مؤكد أن ذاك جوهر مهمتنا كرئاسة انتقالية وحكومة وفاقية، كفريق عمل وضعته الأقدار في مهب العاصفة وتسلم الأمانة في أصعب مراحل اليمن على مر التاريخ.. غير أن تحدياً كهذا بالتأكيد قد لا يحتاج عصا موسى، قدر حاجته العاجلة لشعور جماعي بعِظَم المسئولية المشتركة وجسامة التحديات، ونوايا صادقة من الجميع لتجاوز المعوقات وتقديم التسهيلات والتنازلات، لا لشيء إلا لنساعد أنفسنا على العبور من محنة عصيبة نخرج معها من النفق المظلم، وننتقل بالوطن إلى بر الأمان- الوطن الذي لا نريد أن نعيش فيه لأنفسنا، بل على الاقل نتركه سليما معافى لأجيال قادمة تحمل لنا ذكرى طيبة بقدر ما ورّثناه لها.. ولن نورّثها وطنا مهلهلاً.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.. وأعاننا على تجاوز المحنة.. وبسم الله.. نفتتح المرحلة!


*رئيس حكومة الوفاق الوطني


افتتاحية مجلة الاستثمار العدد 39 مارس 2012م


 

مواضيع ذات صلة :