آراء وأقلام نُشر

كيف نجعل 2012 ربيعا للاقتصاد ؟

الاقتصاد لا يحيا بالخطط ولا ينتعش بالخطابات والتصريحات التي تستطيع أن تجعل الآذان مشنفة، لكنها لا تقدر أن تصل إلى القلوب. 

وبدموع باسندوة التي وصلت إلى كل قلب، وبقرارات قوية كما بدت من عبد ربه منصور هادي وهو يفتتح عهده كرئيس للبلاد, وبأفعال جادة وصادقة تترجم هذه القيم وتلك النوايا ؛ يمكن للاقتصاد أن يتحرك ولرؤوس الأموال أن تقبل وللأعمال أن تزدهر. 

ولعل دموع محمد سالم باسندوة رئيس مجلس الوزراء وتوجهاته بشأن تحسين بيئة الاستثمار وتطويرها قد نجحت في أن تصل إلى قلوب الملايين؛ وهذه الخطوة تشكل تحديا حقيقيا لباسندوة وللرئيس الجديد عبدربه منصور هادي الذي وفّق باتخاذ قرارات شجاعة؛ قد طمأنت الجميع بأن المرحلة حاسمة والتغيير جاد.. وسيكون الجميع مسئولين في تحقيق تحول ما بعد الصراع وتجسيد شروط ومتطلبات الفرصة الأخيرة للتغيير وإصلاح ما أفسده الدهر.

الآن هل انتهى زمن الصراع السلبي.. وماذا بعد ؟

إن كان الصراع قد حدث في ظل ضعف الدولة والفوضى وسقوط مشروعية الحكم للنظام السابق في 2011, فإن الصراع يجب أن يكون بعد أن اتجه الجميع لصناعة التغيير من صناديق الانتخابات إيجابيا بمساندة أعمال الحكومة ومراقبتها، وأن يعمل الكل وبإرادة واحدة على استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، وتدعيم الأوضاع المعززة للقطاعات التي يمكن أن تحقق حراكا سريعا، ونموا قويا وتنمية مواكبة للموارد البشرية ونقلها إلى مواقع النجاح.     

أمام الحكومة أولويات إستراتيجية، وللأسف الشديد؛ ما نسمعه من تصريحات لبعض الوزراء تبدو للقارئ أنها لا تعدو عن كونها أفكارا مشتتة؛ وكنا على أمل أن تعد الحكومة مصفوفة أعمال للأولويات والمشاريع الإستراتيجية المهمة لصناعة التغيير؛ القادر على معالجة آثار  وجراحات الماضي، وأن تكون هذه الأولويات عبارة عن برنامج زمني محدد، ويعلن على الشعب ؛ كبرنامج من شأنه أن يستوعب المنح المؤكدة والمتوقعة والمحتملة والعائدات الذاتية من الدخل القومي للدولة.

 نقول للوزراء ولرئيس الدولة، إن مجتمع المال يحملكم مسؤوليتكم التاريخية، لأنه يتوقع منكم اتخاذ سياسات جديدة, لخصخصة وسائل النقل، وأن تكفوا الممارسات السابقة كنظام وبعض مسئولين، عن إقحام مسئولياتكم كشريك ووصي على أنشطة القطاع الخاص،إلا في حدود النظام والقانون،وأن تعملوا على إعادة هيكلة المشروعات الصناعية والائتمان الثالث لإنعاش الاقتصاد، وتقديم المساعدات الكاملة وغير المشروطة لأي رأس مال وطني قادر على استثمار الموانئ التي أهملت أو لم تتمكن الدولة من استثمارها، وعرض مشاريع استراتيجية أمام الاستثمار الدولي والمحلي؛ مثل مشروع السكك الحديدية الذي بتنفيذه ستنطلق عجلة الاستثمار وستتحرك بواسطته الفرص والكنوز الفريدة في جبال ووديان وسهول مترامية الأطراف.

وشخصيا أثق بأهمية أن تكون النقاط المذكورة آنفا أولويات عاجلة وأؤمن بذلك؛ وأعتقد أن التعامل معها بجدية سيكون ميزان التعامل الخلّاق بين جميع الأطراف والنموذج الصادق لتجسيد الشراكة المثمرة.

وليس ذلك فحسب, فالطاقة هي الهم الأول الذي يتوقف عنده المستثمر الأجنبي؛ والسؤال الذي يطرح في كل مؤتمرات ومحافل الترويج، وبمعنى أوضح،لا جاذبية تتمتع بها الفرص بدون أرض وبيئة لا تحسن الدولة خدمتها.

ولأننا متفائلون بالتغيير ورموز التغيير الجديد، سأقول لكم إن عبد ربه منصور هادي كان يدرك تماما أهمية الخدمات كميزان للحكم وللتنمية وللاستقرار, ونرجو منه أن لا يغرق في السياسة وأن يظل مقدرا ومتفاعلا مع نبض الشارع العام أولا، لأنه الإعصار الذي سيقتلعه إن تناسى واجباته أو خذل الملايين التي منحته الثقة.

 ولأننا متفائلون بالرئيس عبدربه منصور هادي، نأمل منه ألا يجعل معظم وقته للعمل السياسي؛ والتفكير برؤوس الثعابين فقط، بل عليه أن يجعل ملف الاقتصاد همه الأول، وأن تكون الخدمات في مقدمة أولوياته وسيحقق بذلك النتائج الكفيلة بمعالجة كل الملفات مهما كانت شائكة.. وما تأتي الثعابين إلا من بين الخراب. 

وبحسب معلوماتي فإن أكثر شيء يمكنه أن يستفز عبدربه منصور هادي ويزعجه ويثير غضبه أن يسمع خبر أزمة خدمات تفجّرت في يوم ما أو في محافظة من المحافظات..

وفي معظم زياراته إلى وزارة النفط في السنوات السابقة كان يبدو منزعجا وبشدة من طوابير المحطات أو أزمة مادة الغاز, وفي كل زياراته كان يشير إلى خطورة غياب الخدمات وتجاهل مطالب الأزمات الصغيرة التي تكبر وتتحول إلى خطر حقيقي على أمن الدولة واستقرارها؛ وكان يبدو وهو نائبا لرئيس الجمهورية حريصا على معالجة الأزمات، قبل أن تحدث وإن حدثت يوجه بحلها ويتابع أولا بأول.

لذلك علينا جميعا أن نستبشر خيرا، وأن يكون تفكيرنا جميعا إيجابيا، والتفكير الإيجابي يخلق طاقات عجيبة وإبداعا ومنجزات لم يكن يتصورها أحد، ويحدث العكس إن بدا التفكير الجماعي تفكيرا انهزاميا؛ وأذكر حكاية بلغة الأساطير تقول “ إن قرية في بلاد ما وراء النهر وفي دولة من دول شرق آسيا كان أهلها عندما يريدون أن يقتلعون شجرة يجتمعون بمختلف أعمارهم وأنواعهم ويلعنون تلك الشجرة فتموت”ّّّ!

 ونحن الآن كدولة وكمجتمع علينا أن نغلّب الثقافة الإيجابية وأن نتفاءل أن نعود إلى المدارس الكلاسيكية الحاسمة في الإدارة, لأن ظروف المجتمعات الهشة ليست مثل ظروف المجتمعات المتقدمة, وعلينا أن نفكّر جميعا بعيدا عن النزعات الذاتية وأن نتجنب الصراع، وإن كان الصراع حتميا فلن يكون صراعا تنافسيا لخدمة اليمن، وأن تكون الغلبة فيه لوطن آمن متقدم ومزدهر بكل معاني الحياة الحرة والكريمة.  

 ولاشك في أن كل ذلك سيعمل على تشجيع القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار، والترويج للفرص التي يتيحها اليمن كمقصد استثماري, واقتلاع الفساد الذي مثّل عامل طرد، أجبر المستثمرين على مغادرة التفكير بفرصٍ بكرٍ وبلدٍ مغرٍ خصه الله سبحانه وتعالى بقوله «بلدة طيبة ورب غفور».

كذلك يتأمل مجال الاقتصاد ويتوقع رجال الأعمال من الحكومة، أن تعمل كحكومة بناء وإصلاح وتغيير وتطوير، وأن لا تنحصر أعمالها بتسيير الأعمال فقط في السنتين القادمتين, وأن تعمل على إيجاد مشروع عاجل لإعادة تأهيل قطاع الطاقة وإنشاء محطات جديدة بمختلف الوسائل المتاحة، وفتح الباب على مصراعيه أمام القطاع الخاص القادر على الاستثمار في هذا المجال.

لنطلق إذا على هذا العام (الربيع الاقتصادي اليمني 2012)..وليكن عاما تاليا بروح الأمل وعزيمة البناء للربيع العربي السياسي الذي حقّق لشعوبنا أروع الانتصارات وأغلى المكاسب؛ وليكن ربيعا سياسيا موجها لصياغة بيئة جديدة للاقتصاد والأعمال، ولتحقيق حياة آمنة إن شاء الله تعالى بحكم عادل ونظام رشيد.


مجلة الاستثمار العدد 39 مارس 2012م


 

مواضيع ذات صلة :