آراء وأقلام نُشر

إشـارات : حول الموارد عبر الحدود

1

ليست تلك البئر الاستكشافية بالقرب من حدود المملكة السعودية التي تم حفرها في سياق حملة التنقيب عن النفط الحدودي وحملت ذات الاسم أعلاه ( الموارد) ... وضاعت  شركة نكسن ، المشغلة حينها لعدد من قطاعات جنوب الربع الخالي في شمال حضرموت ، داخل الطبقات الرملية - المتجانسة رأسياً -لحقبة الباليوزويك ( إن جاز التعريب ) و ما عادت تدرك في أي عصر جيولوجي يهبط عمود البئر العميقة التي توقفت عند أعمق رصيد من الحفر في تلك الفترة (٤٣٠٠م.

ليس هذا وحسب بل كانت أكثر الآبار جفافا وضياعا - كنتيجة منطقية لبئر يتيمة العهد في محيط متوحش أكتنفه غموض وجهل بالعناصر الحيوية للطبيعة الجيولوجية.

ليست الموارد تلك البئر بالمفهوم الأوسع لما هو أدنى مرتبة من الاحتياطيات المحتملة في مصفوفة التصنيفات العامة . ولكن الأمر عموما متعلق بالبترول أو المياه في منطقة جنوب الربع الخالي التي تعتبر من الناحية الجيولوجية الجزء الخلفي لحوض واسع يمتد تحت مساحة شاسعة من شبه جزيرة العرب.


2

كان التوقيع على اتفاقية الحدود اليمنية السعودية حينها حدثاً كافياً لاستلهام الشركات البترولية فطرتها للاقتراب من الجسد الرملي الغامض والممتد ( بشكل أصبح آمنا ) على حدود أغنى دول العالم نفطاً ولو ضمن إحداثيات بعيدة عن حقول الحوطة ، جنوب الرياض (٢٠٠كم) ، وبالطبع أكثر بعدا من  حقول أخرى شرخت نفوس الأشقاء هناك  على طرفي حدود أل ( شيبه)  ، حيث كان هذا التنسيب الجغرافي كافياً لأن يلمح العقل تميز المنطقة كوصيفة لأرض الخصب الهيدروكربوني الذي لا يقاوم سحره أي رأسمال مهما كانت جنسيته.

 وكان ذلك كافياً من ناحية أخرى لصقل القرائح في أن تقدم نماذج نظرية لهجرة البترول الطويلة بعيدا عن مصادرها الصخرية الرئيسة واستقرارها أو تموضعها وتراكمها في هذا الجزء المبهم الذي استوقف فاتحيه عند حد يصعب تجاوزه دون تضحية لائقة لكسب المعارف، في مكان  قضت شركات منذ العقد الستيني في البحث عن هموم النفط.

ولم يكن إيعاز القيادة في الدولة حول حيوية المنطقة بناءا على تأكيد الأشقاء أمرا موثوقا به .. فشتان بين ثقافة العناق بعد التوقيع وكلمات المراسيم وبين حقيقة العلم والأرض الموضوعية، ولم يكن القادة يمتلكون شركة وطنية حتى أقل شأنا من أرامكو لتشارك في ترسيم خرائط الموارد الحدودية أو تأخذ حتى استشارات حول التفريق بين شكل الأرض وجوفها قبل الحديث عن الترسيم السطحي.. لأن ذلك شأن الأقوياء، أما الضعفاء فإن المسألة لم تتعد كونها صفقة في السياسة .

 وزادت نكسن في بئر الموارد الغموض غموضا.

وتأسيسا على ذلك لم يخف وزير النفط السعودي في اجتماع رسمي في مبنى وزارة النفط في صنعاء امتعاضه الشديد من عملية حفر بئر الموارد ونتائجها .. لكنه في ذات الوقت لم يعط أي إشارة إيجابية حول إمكانية تبادل المعلومات مع شركة أرامكو التي قد تساعد كثيرًا على فهم الطبيعة الجيولوجية والتركيبية وتقدم للمنطقة هذه مفاتيح ربما تقلل نسب المخاطرة حيال عمليات التنقيب عن النفط.. كان موقفاً جافاً لا يختلف عن نتائج بئر الموارد ( مع التقدير لشخصه الكريم الحافل بالاقتدار والمهنية العالية) فهو يمثل سياسة دولته وحرصها المعهود حين يتعلق الأمر بمسألة الموارد، مع أن الأمر طبيعي وشديد المفهومية ومعمول به بين كل الدول المتجاورة في العالم.

ولا شيء سيظل طي الكتمان عبر الأجيال.. وللحدود بين الأشقاء شقاء كبير وتاريخ من المحن ولكن ليست هذه ساحتنا الآن.


3

إن الربع الخالي بكل محتوياته يمثل حزمة تساؤلات هائلة .. فلماذا هو خال وخلي جدًا،  ومن أين أتى هذا المحيط الرملي  ؟ هل هي الرياح الحاملات أم مياه عتيدة حملت فتات الجبال وعالجتها بتأنٍ شديد البطء حين دامت واستدامت فترة بمقاس العصور لتساعد على هيكلة هذا المحتوى القاري الضخم ..... ثم تأتي الرياح بعدها لتضع شكلا للرمال الصحراوية ( وهو أكثر التفسيرات قبولا)، وما هي طبيعة سطح الأرض المدفونة تحت ثقل  الكثبان الراسيات، وكيف كان وجه المعمورة هناك قبل تموضعها.. أين هي المياه، وفي أي عمق، وما الفائدة منها في خلو ( الربع)  من أي أثر للبشر ؟ وماذا عن البترول ؟ ولماذا كانت تلك الحدود مهمة وتم فيها عمل حفريات في نسق متقارب ومسوحات من جانب واحد منذ عقود سبقت الترسيم ؟

كل تلك تساؤلات كبيرة في الطبيعة والبيئة والقيمة الاقتصادية و الجيوستراتيجية  ( إن كان للصحراء معانٍ في هذا السياق) حيث انعكست  أهمية ذلك في الصراعات الحدودية المزمنة بين الدول المطلة على هذه الجغرافيا الكبيرة.

وكان اليمن كعادته أقل شأناً وقدرة على التنافس والمعرفة فالأمر لا يتعدى أن يكون ( حفنة تراب بين الأشقاء) ولكن ذلك أمر انقضى تاركاً أثره لتقييم الأجيال حين تنكشف المعارف الحقيقية حول مكنونات الجزء الجنوبي المتبقي على الأرض، ويتم وضع إجابات علمية لكثير من التساؤلات.

والرحلة نحو المستقبل في هذا السياق تتطلب بدايات واقعية وضرورية لتشكل مدخلاً طبيعيا ولو حتى من الزاوية النظرية، ولهذا وجب علينا أن نكون هنا حيال هذا التحدي المذهل في بدايات سريعة ربما تتناسل عبر الأيام لتقديم جيل من المعارف الثمينة.


4

إن محاولة رصد عناصر واضحة تدل على تكوين هيدروكربونات، استناداً لتفسيرات المعلومات المتاحة هناك  في شكلها الحالي وضعف القيمة الحقيقية لها، كمن يبحث عن أزقة التاريخ في مدن الأساطير.

وحينما يتعمق الزمن الجيولوجي دون فواصل واضحة ومفهومة على الرسوبيات تصبح حتى الصدفة في نظام الاحتمالات غير ممكنة.

إِذَا يحتاج الأمر إلى مقاربات لا تقليدية  في وضع النماذج العلمية وطريقة فاعلة لاستخدام التقنيات الحديثة في جمع المعلومات  ومعالجتها – فما تزال طرق المعالجة السيزمية هناك ضعيفة وتحتاج إلى معرفة أوسع بالخصائص الجيوفيزيائية للمكان والتغييرات العامة للبيئة الترسيبية المرافقة لتغيير الشكل والتضاريس عبر رحلة حركات الأرض ( التكتونك) وما رافقها من  التكوينات الجيولوجية  بالإضافة  إلى عمليات التعرية وغيرها،  وكذلك  معرفة طبيعة مورفولوجيا السطوح  المطمورة بالكثبان الرملية  والمتشكلة منذ الحقب الجيولوجية المتأخرة، التي تبرز عادة كعامل مؤثر  وقوي في  مسارات الموجات الصوتية، وبالتالي تنعكس تأثيراتها على التسجيلات السيزمية وتمثل مستندا رئيسيا لطبيعة التفسير والتحليل  - والذي قد يقود إلى ضياع كامل في تحديد هدف الحفر إن تجاوز الحدود المقبولة من الانحراف.

 وبالطبع هناك حاجة أيضاً لكفاءة التحليل لنتائج المسوحات المطلوبة.

أي أن هناك تحديات كبيرة يجب التنبه لها في أي أعمال لاحقة.

وليس هذا فقط بل إن الأمر يحتاج إلى نوع وربما أنواع من الشراكات غير النمطية وجيل منفرد من اتفاقيات المشاركة.. وبالطبع لن يأتي ذلك إلا بإيجاد هدنة مع إشكالية النفط المزمنة والمتجذرة منذ نشأته للانصراف نحو تأسيس ما يشبه الستراتيجيا في فرز المناطق الرسوبية وتصنيفها على طريق التعامل مع الاستثمارات بمقدرة وموضوعية بعيدا عن التنميط - المتهالك والتداخلات الغير مهنية، وبعيدا عن إملاءات المناصب والتقرير الفردي لطبيعة الإجراءات كما حصل في كل تاريخ النفط.

 ولا نعتقد أن قطاع البترول قد نجا الآن من معالمه  وزلاته تلك، خاصة في مرحلة انتقال مفصلية تضع البلد برمته أمام مفترقات حادة بطريقة تحمل مفارقات كبيرة.

إنما الإشارة هنا ضرورية ونحن في مقتبل الزمن الأكثر حيوية نسبة للتوقعات حول الآتي.


5

ربما نكتفي من هذا السرد ( الهجين) من العلم والثقافة العامة بلغة مختلفة، مفخخا بالتباسات كثيرة ، قناعة بأن تداول هذا الأمر بالتفصيل له زمن ما، سيأتي . وللعارفين إدراكهم لبعض التفاصيل.

تبقى منطقة جنوب الربع الخالي في الرصيد الاستراتيجي منطقة حيوية بمواردها البترولية ( المحتملة ) ومخزون المياه ( المؤكد ) بالرغم من اختفاء طبقات رسوبية  هامة جداً، في حصتنا المتبقية منها، مقارنة بما هي عليه في الجانب الآخر.

 وستظل المنطقة تلك حبلى بالتوقعات الكبيرة منتظرة نصيبا أوفر من الاستثمار الذي بدوره يحتاج إلى شروط قد تتوفر مستقبلا .. ومن ناحية ثانية تظل المنطقة تحت وابل من التأويلات والتساؤلات .. ترى لو كانت الحدود أخذت شكلا آخر.



مجلة الاستثمار العدد (40) مايو 2012م


 

مواضيع ذات صلة :