آراء وأقلام نُشر

اليمن على عتبة التغيير

الأزمة اليمنية ليست وليدة ما أطلق عليه بثورات الربيع العربي، فقد كانت لها جذورها وأسبابها إذ بدأت تظهر ملامحها بعد تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، وتجذرت بدقة أكثر بعد حرب 1994م، وتوسع نطاقها الجغرافي عندما عجز النظام السابق من إيجاد حلول لها والحد من آثارها المدمرة للحمة والنسيج الاجتماعي اليمني.


فمن حراك جنوبي بدءا بمطالب مشروعة إلى خروج عن الثوابت الوطنية وتخلٍ عن الهوية اليمنية والمطالبة بالانفصال، وكذلك من « شباب مؤمن» تدعم السلطة في صنعاء نشاطه إلى ست حروب طاحنة في صعدة بين السلطة في صنعاء وجماعة الحوثيين التي كانت مطالبهم في البداية هو حرية مزاولة شعائرها الشيعية بحرية تامة، وفي ثنايا وقود تلك الحروب أصبح شعارها هو إعادة عجلة التاريخ إلى الخلف بعودة الإمامة، وبذلك خروج عن إحدى أهم الثوابت الوطنية لليمن ألا وهو النظام الجمهوري.

وهي كلها مشاريع صغيرة، إن استفحل أمرها فإنها قطعاً ستفضي إلى تشظي اليمن إلى دويلات، فالجنوب مؤهل لأن يعود إلى حال ما قبل الاستقلال، بل من الممكن إلى ما هو أسوأ من ذلك، والشمال في أضعف التوقعات هو العودة إلى خارطة دويلات مرحلة الضعف العباسي.

وكنا نحن الاقتصاديين إلى ما قبل الأزمة نطرح وبقوّة وننصح الحاكم السابق أن السبب الرئيس في أزمة اليمن التي كما أسلفنا بدأت تتشكل بعد حرب عام 1994م، في أن النظام السابق أهمل ثلاث قضايا في غاية الأهمية هي:-

حل المعضلة الاقتصادية، أي الفشل في إحداث تنمية شاملة حقيقية مستدامة تؤدي إلى نمو وانتعاش اقتصادي يخلق فرص عمل تستوعب جحافل العاطلين عن العمل ويحسّن من مستوى دخل الفرد ويقضي على الفقر الذي استفحل وقهر الطبقة الوسطى التي كانت تمثل شوكة الميزان في التناغم الاجتماعي.

قضية إصلاح الإدارة العامة، والعجز في محاربة الفساد، إذ أن الفساد أصبح ظاهرة بل صار مؤسسة سلطتها توازي وتطغى على سلطة الدولة، إن لم تكن هي الدولة بذاتها.

شحة الموارد المالية والمادية لتمويل وإدارة خطط التنمية.

تلك كانت أولويات لم يعرها النظام السابق الاهتمام الكافي والتي لو تم الوقوف الجاد لإيجاد حلول ناجعة ودائمة لها لما دخلت البلد في أزمة طاحنة.

أما اليوم فقد بات من الضروري بمكان التأكيد على أن الأولوية القصوى هي للقضية والعملية السياسية والمتمثلة في إخراج اليمن من عنق الأزمة السياسية إلى بر الأمان، وإنهاء حالة الاحتقان السياسي، والعودة بها إلى مفهوم الدولة الديمقراطية القائمة على التداول السلمي للسلطة وحرية الرأي، والتي رسمت المبادرة الخليجية الملامح الرئيسة لها.

وحتى الآن استطاع اليمنيون أن ينجزوا المرحلة الأولى من المبادرة الخليجية بنجاح وبمباركة خليجية ودولية، فقد تم تشكيل حكومة وفاق وطني وتم انتخاب الرئيس هادي بإجماع غير مسبوق يوحي عن رغبة كل اليمنيين في الخروج من الأزمة والقضاء على شبح الحرب الأهلية التي كانت على وشك.

ولا شك أن المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية هي الأهم وهي التي سترسم معالم اليمن الجديد، والمتمثلة في الحوار الوطني، هذا الحوار الذي برأينا يجب أن يرتكز على الثوابت الوطنية وهي :-


الهوية اليمنية 

النظام الجمهوري، أي الجمهورية اليمنية هي المحدد الرئيس لهوية هذا الشعب.

الوحدة التي تحققت في 22 مايو 1990م.

الديمقراطية القائمة على التداول السلمي للسلطة وحرية الرأي. 

وعلى أن تكون محاور الحوار في:-


الإصلاح السياسي

إعادة هيكلة الدولة بكل مكوناتها التشريعية والقضائية والتنفيذية، وإحلال الدولة المؤسسية محل الدولة المشخصنة.

تعديل الدستور وتحديد شكل نظام الدولة بتحويلها من رئاسية إلى برلمانية، ومن ثم تعديل قانون الانتخابات وقانون الأحزاب.

إعادة بناء جيش وطني بمعايير علمية وطنية يكون ولاؤه للوطن والدستور والقوانين المنظمة لعمله، دون الولاء لأشخاص أو لأسرة أو لقبيلة أو لحزب.

القضاء على آثار حرب 1994م من خلال:-

مناقشة المطالب الحقوقية لجميع أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية وإيجاد إجماع وطني حولها.

مناقشة وحل الأسباب التي أدت إلى مطالبة البعض بالانفصال.

القضاء على آثار حروب صعدة بالوصول إلى إجماع وطني حول:-

الاتفاق على إعادة إعمار ما دمرته الحرب في محافظة صعدة وتحديد معايير احتساب التعويضات.

تحديد كيفية انخراط الحوثيين في العمل السياسي في إطار الثوابت الوطنية لدولة اليمن الجديد.

الاتفاق على طرق مواجهة الإرهاب والتطرف وتحديد أسبابه وطرق تجفيف منابعه والقضاء عليه.


وخلاصة القول إن على اليمنيين هذه المرة الإجماع على حوار بنّاء يفضي إلى الاتفاق وليس إلى تعميق الخلاف والاختلاف، ويؤدي أيضاً إلى نتائج ملموسة تسرع في عملية إعادة هيكلة الدولة والتحضير لانتخابات برلمانية بعد الفترة الانتقالية مباشرة تعقبها انتخابات رئاسية.

وهنا أنا على ثقة، إن نحن عقدنا النية على حل المعضلة السياسية بدون ترحيل أو تأجيل أو قفز على الواقع وبشفافية مطلقة مع تغليب مصالح وطن على المصالح الذاتية والحزبية الضيقة، ستأتي تباعاً حلول الأولويات الاقتصادية والإصلاح المالي والإداري والاجتماعي والثقافي وستدور عجلة التنمية، فلدى اليمن من الإمكانيات الذاتية المتاحة والكامنة ما يؤهلها لأن تقود نهضة وتغييرا فعالا وحقيقيا وليس هامشيا أو صوريا مؤقتا، ولن يتم ذلك بعصا سحرية، ولكن ذلك يحتاج إلى عمل شاق وخطط وبرامج وإرادة جمعية من الدولة والمجتمع.

والمطلوب من أصدقاء اليمن ورعاة المبادرة الخليجية العمل الجاد وبحكمة على أن تعبر اليمن الفترة الانتقالية بسلام وأمان، وذلك لن يحدث إلا بمساعدة اليمن في تحمل عبء البنية التحتية لتنفيذ المبادرة الخليجية ابتداء من إدارة الحوار وتحمل نفقات مخرجاته، فقد تحتاج اليمن إلى أكثر من ثلاثة مليار دولار لنفض غبار شبح تفاقم وعودة الأزمة.




مجلة الاستثمار العدد (40) مايو 2012م


 

مواضيع ذات صلة :