للملكية الفكرية أبعاد كثيرة ومتعددة؛ كما أن لها آثارا مباشرة وغير مباشرة، سواء ما كان منها متصلا بالوضع الاقتصادي أو التنموي أو الاجتماعي أو الثقافي وغيره، بل وحتى الوضع السياسي علم بذلك من علم أو جهل به من جهل.
فما من أحد في العالم أجمع إلا وللملكية الفكرية حضور فيه أو معه أو به، بوضع متلازمٍ لا ينفك عنه؛ سواء تجسد ذلك التلازم أو الارتباط في حق فكري واحد أو أكثر من الحقوق الفكرية المتعددة والمتنوعة المتفر ّعة عن الملكية الفكرية، بشقيها الصناعي و الأدبي، إذ أننا نلامس الحقوق الفكرية يومياً وفي أوقاتٍ شتى من بداية صحونا وحتى منامنا، نترجم ذلك فيما بيننا أخذاً وعطاءً أو تلقياً وأداءً، سواءً كنا مبتكرين لها مستغلين لعوائدها أو مستهلكين لها أو منتفعين بخدماتها، وقد لا نكون بالغنا بالوصف عندما قلنا إن الملكية الفكرية حاضرة بين أظهرنا، نحس بها أو نلمسها فيما نتناوله أو نستهلكه أو نستعمله سواء تعلق ذلك في الغذاء أو الدواء أو الكساء وغيرها من المستلزمات الحياتية التي لا تحصى؛ إذ قد لا تخلو سلعة من علامة مميزة لها أو شكل أو رسم زخرفي أو جمالي يجذبنا إليها، كما أنه وفي الجانب الآخر من الحقوق الفكرية الأدبية لا يخلو أي عمل أدبي أو فني أو رقمي من حقوق فكرية لمبتكريها ومبدعيها، فلو أن أحدا منا قام من صحوه على التو فوقعت إحدى يديه على مذياعٍ أو جهاز كاسيت، فاستمع لتلاوةٍ خاشعة من كتاب الله عز وجل مرتلةٌ بصوت قارئٍ معين، أو استمع لسمفونية أو معزوفةٍ غنائيةٍ أو طالع كتاباً أو قام إذ ذاك أو بعده باستمتاع بمشاهدة فيلم أو مسرحية أو فلكلور شعبي يؤدي رقصاً أو غناءً، أو أنه انجذب إلى برنامج علمي أو وثائقي، ألا يكون في ذلك قد اتصل بجملة من الحقوق الفكرية الأدبية والفنية المتعددة ؟؟ نال منها مبتغاه إما استمتاعاً أو انتفاعاً بما جادت به تلك الأفكار الخلاقة من إبداعات لا تقدر بثمن وما التصق بها من حقوق فكرية لأصحابها اعتبارية ومالية، فالمقرئ الذي استمعنا إليه صاحب حقٍ مجاور في مصنفه، وهيئة الإذاعة هي صاحبة حق مشتق في البث والنقل للتلاوة وكذلك بقية أصحاب الحقوق الأخرى، الذين ألّفوا أو اشتركوا أو ساهموا بإبداعاتهم في إنتاج المعزوفة الموسيقية أو المقطع الغنائي أو المسرحية أو الفلكلور الراقص أو الغنائي أو حتى البرنامج العلمي أو الوثائقي، فجميع تلك الأعمال تشكل سلسلة من الحقوق تتوزّع فيما بين أصحابها الذين هم هنا المؤلف والملحن والعازف والمغني والممثل والراقص والمنتج والمخرج والناشر والعارض لتلك الأعمال الإبداعية الأدبية والفنية، فكل منهم هو صاحب حق فكري فيما أجاد وأحسن من عمل، أكسبه حقا عليه يندرج في الحقوق ويتدرج فيما بينها حسب نوع الحق الفكري ومرتبته بين تلك الحقوق والذي لا يخرج عن كونه يمثل إما حقاً فكرياً أصلياً أو حقاً فكرياً مجاوراً للحق الأصلي أو مشتقاً منهما.
وفي المقابل نجد الصورة جد متقاربة وإلى حد ما فيما بين الحقوق الفكرية الصناعية والتجارية، والحقوق الفكرية والأدبية من حيث أهميتها وتوغّلها في معظم مناحي الحياة ومستلزماتها المعيشية، ودليل ذلك أن من يشتري علبة شوكولاتة أو مشروباً غازياً أو يقتني جهاز ا إلكترونيا أو مركبة آلية أو يرتدي ثيابا أو يتلقى خدمة معينة في فندق نزله أو قطار أقلّه أو طائرة سافر على متنها، إنما يتعامل مع حق معين من الحقوق الفكرية، إذ إن لكل واحدة مما ذكرنا علامته الخاصة بها، سواء أكانت علامة صناعية أو تجارية أو خدمية، يعرف بها ويتعامل ويكسب ثقة المتعاملين معه من خلال الانطباع الذي يأخذه كل عميل عنه.
ما يجعلنا نخلص من ذلك إلى القول إننا والملكية الفكرية في تلازم وارتباط دائمين ولكن بوضع فارق بين فرد و فرد ومجتمع وآخر، بل إن التعامل على نحو فارق يمتد إلى أنواع الحقوق الفكرية بين أنواع الحقوق الفكرية ذاتها أدبية كانت أو صناعية نتيجة عوامل ومقتضيات متعددة سيتم التطرق لها في معرض سردنا لأبعاد الملكية الفكرية لاحقاً فور الانتهاء من الاستعراض لمفردات وفروع الملكية الفكرية جميعها في مقالنا القادم إن شاء الله تعالى.
رئيس منظمة الزين للملكية الفكرية
صحيفة مال وأعمال العدد (98)