آراء وأقلام نُشر

قرار باسندوة ومجلس إدارة الاستثمار صائب ... وليس هناك " مليارات " تفقدها خزينة الدولة ..

 

تذهب بعض اللقطات والمقالات الصحفية في الآونة الأخيرة دون وجه حق إلى التحامل والتشهير بقرار الأخ/ رئيس مجلس الوزراء ومجلس إدارة هيئة الاستثمار رقم (222) لسنة 2012م ، الخاص بمنح مهلة إضافية لإعفاء المشاريع المتعثرة التي تعذر إقامتها نتيجة لظروف الأزمة والثورة خلال العام 2011م التي من جرائها تعطلت أعمال الدولة والقطاع الخاص بصورة شبه كاملة ، فلا طرق ولا مواصلات ولا مشتقات بترولية ولا كهرباء ولا ماء ... بل أقفلت العديد من المصانع والشركات أبوابها وسُرح عشرات الآلاف من أعمالهم ووظائفهم ، وطغى على مشاهد الحياة اليومية المواجهات العسكرية والانفلات الأمني في عدة محافظات ... الخ ، الأمر الذي أصاب اليمن بحالة من الشلل الكامل وشكل على البلاد والعباد مايمكن تسميته بمحنة كارثية على حاضر ومستقبل البلاد .

من هنا جاءت الحاجة الموضوعية لإصدار مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار قراره رقم (222) الذي نص على " منح المشاريع الاستثمارية التي حصلت على قرارات تسجيل لإقامتها صادرة من الهيئة العامة للاستثمار بموجب أحكام القانون رقم (22) لسنة 2002م وتعذر إتمام إقامتها نتيجة الأزمة التي مرت بها البلاد خلال العام 2011م مهلة إضافية لإتمام إقامتهــا قدرها سنـة كاملة كحد أقصى ... " ، إذ لا يمكن على الإطلاق تجاهل الأحداث الكبيرة التي مرت بها بلادنا ، أو تجاهل آثارها وتبعاتها الماحقة على الاقتصاد الوطني وعلى النشاط الاستثماري وكان شيئاً لم يحدث...

إن الطريقة المغلوطة والمجتزأة التي تتناول بها بعض الصحف مثل هذا القرار تستدعي منا سرد العديد من الإيضاحات في هذا الخصوص ، وبالذات للزملاء الصحفيين الذين تناولوا هذا الموضوع في كل من صحيفة " الشارع " العدد (352) الصادرة في 22 أكتوبر 2012م ، وصحيفة " الناس " العدد (623) الصادرة في 26 نوفمبر 2012م .

  1. إن المشاريع التي استهدفها قرار مجلس إدارة الهيئة رقم (222) هي مشاريع متعثرة ولم يكتمل إنشاؤها ولم تبدأ نشاطها بعد ، وبالتالي فهي لا تؤدي ولا تدفع أصلاً أية ضرائب ، والمهلة الإضافية الممنوحة لها هي من اجل أن تستكمل تنفيذ مشاريعها والحصول على حقها في التسهيلات الجمركية الممنوحة لها بموجب القانون بعد أن تعطل تنفيذ هذا الحق خلال العام 2011م .

أي انه ليست هناك أية إعفاءات ضريبية يمنحها القرار رقم (222) .

 

  1. ان هناك سابقة شبيهة تعامل معها مجلس إدارة الهيئة بإصداره القرار رقم (74-95) لسنة 1995م الذي منح كافة المشاريع الاستثمارية فترة ستة أشهر إضافية للتنفيذ بسبب الحرب الأهلية عام 1994م ، بالرغم من أن حرب عام 1994م كانت محدودة زمنياً ودارت رحاها في محافظات محددة ، فما بالك بأحداث الثورة التي استمرت أكثر من عام وشملت كل محافظات الجمهورية تقريباً وتعطلت جراءها معظم الأعمال والنشاطات الاستثمارية.

 

  1. هناك نص دستوري واضح ورد في المادة (33) من الدستور ، وينص على أن  " تكفل الدولة بالتضامن مع المجتمع تحمل الأعباء الناتجة عن الكوارث الطبيعية والمحن العامة " ... ولا أحد هنا يستطيع إنكار حجم المحنة العامة والآثار السلبية التي تعرضت لها البلاد خلال 2011م ، توقفت بسببها كافة المشاريع الاستثمارية توقفاً تاماً .

 

  1. مارود في برنامج حكومة الوفاق الوطني حول قطاع الاستثمار وبيئة أداء الاعمال ، وتأكيده على ضرورة ضمان بيئة استثمار مواتية تحفز القطاع الخاص على الاستثمار ، وعلى أهمية مراجعة القوانين والأنظمة المحفزة للبيئة الاستثمارية واستعادة الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب بالمناخ الاستثماري في اليمن ... بما يعني ضرورة التدخل الحكومي ، بين الحين والآخر ، واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للأخذ بيد الاستثمارات وتذليل كافة العوائق التي تعترض أدائها ونشاطاتها ... ومن تلك العوائق التداعيات التي تعرض لها المستثمرون منذ بداية العام 2011م وحتى الآن .

 

  1. ان الكثير من الدول تلجأ إلى إتخاذ معالجات وتدابير عاجلة لإنقاذ اقتصاداتها واستثماراتها ، لانتشالها من الأزمات المحيقة بها ، ومن ماقد تتعرض له من أضرار أو إنتكاسات ... ومن أمثلة ذلك ما اتخذته الحكومة المصرية عقب انتصار ثورة 25 يناير التي لم تزد فترتها عن شهر واحد لاغير ، حيث منحت مشاريعها الاستثمارية سلسة طويلة من الإعفاءات والتسهيلات العديدة لتمكينها من الوقوف على قدميها وتجاوز تبعات الأزمة ... فما بالك بالتداعيات المستمرة في اليمن خلال ما يقارب العام والنصف.

 

  1. من اجل تنفيذ القرار رقم (222) أعدت هيئة الاستثمار حزمة من الإجراءات والضوابط الكفيلة بتنظيم عملية الاستفادة من المهلة وترشيدها ، أهم تلك الضوابط تتمثل في :-

 

  • تم تحديد فترة 60 يوماً لتلقي طلبات الاستفادة من قبل المشاريع المتعثرة.

  • إشتراط بان لايكون المشروع المتعثر قد بدأ إنتاجه / نشاطه .

  • إعتبار فترة السنة حداً أقصى للمهلة الإضافية التي يمكن تقديمها ، بمعنى أن هناك لجنة ميدانية تكلف بالنزول من قبل هيئة الاستثمار وتقوم بتقدير الفترة المطلوبة للإنتهاء من إقامة المشروع ، فيمكن أن تكون المهلة شهر أو شهرين أو ستة أشهر ... ولا تزيد عن سنة حتى تاريخ 22 أغسطس 2013م.

وبكلمات أخرى ليس بالضرورة منح مهلة سنة كاملة ، وإنما من الوارد أن تكون اقل بكثير .

  • استبعدت الهيئة في الاستفادة من القرار كل مشاريع التوسعة والاتصالات وصناعة السجائر ...

 

  1. تجدر الإشارة بان إجمالي عدد المشاريع التي تقدمت إلى هيئة الاستثمار للاستفادة من تمديد المهلة بلغت 59 مشروعاً فقط لاغير وليس 1200 مشروعاً كما هولت بذلك مصلحة الضرائب .

إلى جانب أن هذا الرقم " 59 مشروع " من الوارد جداً انه يتقلص كثيراً بعد نزول وتقييم اللجنة المعنية بذلك ... وبالتالي فانه من المعيب على بعض الإخوة الصحفيين تقاعسهم عن تحرى الحقائق والتدقيق فيها وإطلاق التهم الجزافية والهابطة على رئيس الحكومة أو الهيئة العامة للاستثمار.

 

  1. من المؤسف أن الجهات الحكومية المعنية بتحصيل الإيرادات تحصر تفكيرها وأداء مهامها فقط بمنطق الجباية الصرف ، دون مراعاة مايمكن أن يترتب على هذا التفكير من تبعات وآثار ماحقة تلحق الضرر بالنشاطات الاستثمارية وبعمليات الإصلاح الاقتصادي عامةً ، إذ أن سياسات تحسين الإيرادات التي لا ننكر أهميتها ، لابد لها أن تشمل آليات وأنماط متنوعة ، تنفذ على مراحل وفق مصفوفة زمنية محددة ، وعلى أسس علمية مدروسة تراعي الفوائد والأضرار التي قد تترتب على تنفيذ مثل تلك السياسات ، وآثارها المحتملة على أي من المجالات والقطاعات الاقتصادية والاستثمارية المختلفة ... الخ

 

إذ أن التفكير الصرف بزيادة حصيلة الإيرادات عبر الجباية والوقوف أو الاعتراض الفج ضد بعض المميزات الممنوحة للاستثمارات ، ودون النظر إلى التطورات التي تعتمل في دول الجوار في المنطقة والمتغيرات التي تفرضها اتفاقيات منظمة التجارة العالمية "WTO  " ، وكأننا الوحيدون في المنطقة والمنافس الأشد في استقطاب الاستثمارات !!!  كل ذلك سيؤدي حتماً إلى شل النشاطات الاستثمارية في البلاد ، وهي عصب التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي من خلالها سيمكننا الحدّ من ظاهرتي البطالة والفقر.

 

الاقتصاد ياسادة علم وفن بأنماطه وبناه ومستوياته وقطاعاته ومراحله المتداخلة ، إلى جانب آلياته العديدة والمتنوعة... الأمر الذي يفرض علينا جميعاً التعامل معه دائماً وفقاً لذلك ... بمعنى أن لاتكون نظرتنا قصيرة وأحادية لاترى في المستثمر إلا مصدراً للجباية ، وإنما التعامل مع قضايا الاستثمار بمرونة ورؤية شاملة بعيدة النظر ، وعلى كافة المستويات ، بما في ذلك مراعاة خصوصيات كل مرحلة ومتطلباتها.

 

بقي أن أقول للقائمين على صحيفتي " الشارع " و " الناس " بان مانشرتموه عن قرار رئيس مجلس الوزراء والهيئة العامة للاستثمار ليس في مستوى المسؤولية ، وهو بمثابة تحامل بعيد عن المهنية ، أخشى أن يكون له أبعاد سياسية / حزبية ...

 

من ناحية اخرى أؤكد للجميع بان أبواب الهيئة العامة للاستثمار مفتوحة لكم للتأكد والتدقيق في أي من البيانات والمعلومات ، كما نكرر لكم بان إجمالي عدد المشاريع المستفيدة من القرار (222) ليس 1200 مشروع كما تدعي مصلحة الضـرائب " وخبـراؤها " الاقتصـاديون ، بل انها وبالتحديد 59 مشروع ، وحتماً ستكون اقل بعد النزول الميداني ... كونها في الأصل مشاريع متعثرة لم تكتمل بعد ، وبالتالي هي في كلا الحالتين لا تؤدي أية ضرائب ، ولن تخسر أبداً خزينة دولتنا " المليارات " كما كتب البعض ...

ورفقاً بنا وبالاستثمار ، والله المستعان .

 

 

رئيس هيئة الاستثمار

 


 

مواضيع ذات صلة :