الشراكة الاقتصادية بين الرضا الشعبي ورغبات الشركاء (2-2)
بقلم / أ.د. محمد أحمد الأفندي
ذكرت في مقالي السابق طبيعة الشراكة ومفهومها وأنماطها المختلفة، وأن اليمن لها تاريخ في الانخراط في الشراكات الاقتصادية ذات المسارات والأبعاد المتنوعة ومنها البعد الاقتصادي.
بيد أن ما يجعل لهذه الشراكة من قيمة كبيرة في هذا الوقت هي في كونها تمثل أحد الركائز الأساسية لانطلاق النموذج التنموي الجديد باعتباره أحد ركائز بناء اليمن الجديد. إضافة إلى أن دور المكون الاقليمي والدولي هو ضرورة في هذه المرحلة الاستثنائية من مسيرة التغيير السلمي. وبناء اليمن الجديد ، وبصورة عامة فإن هناك مجالات مختلفة للشراكة الاقتصادية منها مثلاً:
- الاستثمارات المشتركة مع دول الجوار في اطار القطاع الخاص والعام ويأتي في مقدمتها مشاريع ربط المنظومة الكهرباء بالمنظومة الخليجية وكذلك طرق النقل البري والنقل الجوي.
- تنشيط ودعم التجارة البينية العربية ومع دول القرن الافريقي ودول شرق آسيا وأوروبا وأمريكا وتطوير المناطق الحرة (عدن) وبما يمكن من زيادة القدرة التصديرية للمنتجات الوطنية. والعمل على تسيير حركة انتقال العمال اليمنيين إلى دول الجوار وبما يمكن من استيعاب العمالة اليمنية التي يتوفر لها مهارات متوسطة بما لا يؤثر على الاقتصاد الوطني.
- دعم جهود تحقيق التكامل الاقتصادي العربي وتقوية دور المؤسسات الاقتصادية الاقليمية العربية والاسلامية بما يمكنها من زيادة دورها في اطار التعاون الاقتصادي العربي والإسلامي.
- تطوير الشراكة الاقتصادية لليمن مع المؤسسات الاقتصادية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد) وبما يمكن اليمن من ترسيخ الاندماج الاقتصادي العادل الذي يحقق المصالح الوطنية العليا ، والنظر إلى هذه الشراكة من منظور الملكية الوطنية للبرامج والرؤى الاقتصادية التي تحتاجها اليمن على المدى المتوسط والطويل .
إلا أن طبيعة المرحلة الاستثنائية التي يمر بها اليمن تتطلب التأكيد على نوعين من متطلبات الشراكة الاقتصادية:
- الشراكة في تقديم العون الاقتصادي العاجل لتلبية متطلبات المرحلة الانتقالية وإنجاح مسار التسوية السياسية في اليمن، وتأتي في مقدمة ذلك تمويل الفجوة الاستثمارية اللازمة لإصلاح البنية التحتية واستعادة مستوى الخدمات العامة التي تضررت في أحدات 2011، إضافة إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة ومنها برامج الإغاثة والإيواء والتعمير للمناطق المتضررة ونحوها. ويستهدف هذا النوع من الشراكة تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي كشرط لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
- الاستمرار في شراكة اليمن مع العالم فيما يتعلق بشراكة تحدي تنمية الألفية التي تستهدف مجابهة الفقر والبطالة وتحقيق وتائر مرتفعة من التنمية البشرية المستدامة.
ولكن لا ينبغي اغفال وجود تحديات من شأنها أن تؤثر على فاعلية الشراكة ومنها اشكالية واقعية الشراكة المرتبطة مع المؤسسات الاقتصادية الدولية وهي اشكالية ذات بُعدين كبيرين هما:
ـ تعميق فهم مشترك بالملكية الوطنية للرؤى والبرامج الاقتصادية وأن يتفهم شركاء اليمن هذه القضية. وبالتالي فإن عونهم الاقتصادي ينبغي أن يأتي وفقاً للأوليات الاقتصادية والاجتماعية التي تحتاجها اليمن في هذه المرحلة.
ـ أما البعد الآخر، فهو متعلق بإشكالية المقايضة بين تحقيق الرضاء الشعبي في الأجل القصير أو التركيز على قضايا التنمية في الأجل المتوسط، وبمعنى آخر المقايضة بين السياسة الاقتصادية في الأجل القصير المرتبطة بالرضاء الشعبي والسياسة الاقتصادية في الأجل المتوسط التي قد تتصادم مع الرضاء الشعبي.
إن تحقيق الرضاء الشعبي في الأجل القصير يتطلب أن تنفذ الحكومة سياسات اقتصادية واجتماعية متوقعة من المواطنين مثل التوظيف وزيادة برامج الدعم وذلك يؤدي إلى زيادة الأعباء على الموازنة العامة.
أما التركيز على قضايا الأجل المتوسط، فتعني اتخاذ الحكومة قرارات قاسية فيما يتعلق بأسعار السلع الأساسية (كالمشتقات النفطية) وتخفيض الدعومات. وهذه السياسات مصادمة للرضاء الشعبي.
إن طبيعة المرحلة الراهنة، ونظراً لمستوى التوقعات الكبيرة عند المواطنين يتطلب أن تراعي الحكومة هموم المواطنين في هذه الفترة الحرجة وأن تلبي تطلعاتهم حتى وإن كان ثمن ذلك هو زيادة الأعباء على الموازنة .
وبطبيعة الحال، فإن طبيعة هذه المرحلة الحرجة تتطلب أن يتفهم أصدقاء اليمن هذا الضغط الشعبي الذي يؤدي إلى زيادة أعباء الموازنة وأن يسهمو بالتالي في دعم الموازنة العامة بغية تحقيق الاستقرار الاجتماعي في هذه المرحلة بالذات . ولكن هذا لايفوِّت القول بأهمية الشفافية والافصاح عن حقائق الوضع الاقتصادي وحجم الموروث من الأخطاء وخطورة استمرار اختلالات الاقتصاد الوطني مالم تتخذ قرارات قد تبدو مصادمة للرضاء الشعبي في الأجل المتوسط. مما يعني أننا بحاجة إلى مزيد من الحوارات المجتمعية وصولاً إلى توافق مجتمعي مساند لاصلاح الاختلالات المالية والاقتصادية القاسية في الأجل المتوسط.
فخلق رأي عام مساند للتوجهات والسياسات الاقتصادية قد يسهم في تقليل عدم الرضاء الشعبي.
مما يتطلب بذل جهود ملموسة لترشيد الانفاق العام الجاري ومنها تنقية جدول المرتبات للجهازين المدني والعسكري من الوهميين والمزدوجين، وكذلك زيادة كفاءة تحصيل الإيرادات العامة ومنها تحصيل الضرائب المتراكمة عند المكلفين، وغير ذلك مما يمكن عمل الكثير منه.
إن المالية العامة في اليمن مازالت تمثل نظاماً للامتيازات الاجتماعية والسياسية وليست مالية عامة تحقق الأولويات الاقتصادية والاجتماعية للتنمية بيد أن تغيير هذا الحال يمثل حلقةً أو جزءاً من بناء شامل للنهوض الاقتصادي والاجتماعي الذي سنتكلم عنه في مقالات قادمة.
موقع معلوماتي ترويجي وخدمي؛ تأسس عام 2004 يواكب جديد الشركات والأعمال ويهتم بالأخبار الاقتصادية في كافة المجالات.. من : مؤسسة الاستثمار للصحافة والتنمية
الاستثمار نت :
من نحن؟
تواصل معنا
هيئة التحرير
محرك بحث دولي للأخبار الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وأطلق في أكتوبر 2017