خيار قابيل و هابيل "صراع الأشقاء "بين تحديد مصير الجنوب , و مصير الجمهورية في الشمال ... في شوارع عدن و مناطق الجنوب المحتل تدور المعارك ضد قوات الاحتلال و مواجهة آلاف الغارات على طول حدود الشطرين حتى البيضاء و حريب ـ مأرب ـ ( مثلث عدن, لحج ,ابين ) بينما تشتعل نيران المعارك في خمسين جبهة قتالية في مأرب و الجوف و صعدة و حجة و الحديدة و حتى ابواب صنعاء معارك كرٍ و فر اعلام جمهورية ترفع على منازلها في النهار خوفا من قصف طائرات الجمهورية و نيران تشتعل ليلا لتأييد الملكية ... صدرت قرارات في ختام مؤتمر باندونغ عام 1955 م حول تحرير عدن ـ فلسطين ـ شمال افريقيا ـ ايريانا ) بالإضافة للنقاط العشر الشهيرة حول الحريات العامة , والتحرر من الاستعمار, و ضد التفرقة العنصرية , و الحد من الاسلحة النووية , وعدم الانحياز لأي من القوى العظمى , و ضد القواعد العسكرية , والتعاون الاقتصادي , والانفراج الدولي , و دعم الامم المتحدة ولم يسمح المؤتمر لأمريكا و روسيا في ارسال مراقبين في جلسات المؤتمر , لكن الرئيس جون كندي صفع المؤتمر و امر بإرسال قوات امريكية الى فيتنام ـ بداية عهده عام 1961 م ـ و الانتقام لهزيمة فرنسا عام 1954 م و مكافحة الشيوعية .. لقد سمح مؤتمر التضامن الافريقي لروسيا بإرسال مندوب عنها مراقب في جلسات المؤتمر , بعكس باندونغ و على اثر ذلك اعلن خروشوف رئيس وزراء روسيا في يناير 1961 م مساعدة بلاده لحروب التحرير في جميع انحاء العالم ردا على غزو فيتنام من القوات الامريكية , و بناء عليه تمكن عدد من ابناء المهاجرين اليمنيين في شرق افريقيا من شطري اليمن الحصول على منح دراسية إلى ( الصين , روسيا , ومنظومتها الاشتراكية , مصر , العراق , لبنان , و غيرها ) خلال الفترة من عام 61 م و حتى عام 1967 م زمن معارك تحديد الوضع في الشطر الجنوبي و تحديد مصير صنعاء من قوات الملكيين و كان اولئك الطلبة من اوائل المنتمين الى حركة القوميين العرب و حزب البعث العربي الاشتراكي و حركة الشيوعيين العالمية ـ كما اشرنا في الحلقة الثامنة ـ و بعد فشل القيادة اليمنية المصرية في تعز في توحيد القومية و التحرير في منظمة واحدة , تدخلت مصر عقب انتهاء مؤتمر القمة عام 1964 م بمصر قامت بإرسال وفد إلى الامير فيصل نائب الملك سعود ضم كلاً من ( المشير عبد الحكيم عامر , السادات , عن مصر و الدكتور السامرائي ممثلاً عن الرئيس العراقي عبد السلام عارف , احمد المدني ممثلا للرئيس الجزائري احمد بن بلا ) تمخض اللقاء عن موافقة الامير فيصل على مخرج للحرب اليمنية في اطار عربي .. و بناء عليه صدرت اتفاقية جدة الاولى عام 1964 م و الثانية 1965 م عن لقاء فيصل مع عبد الناصر ..في حق الشعب اليمني اختيار نوع الحكم الذي يرتضيه لنفسه من خلال استفتاء و حوار بين اليمانيين المتحاربين انفسهم , و على ضوئه تم اللقاء في حرض 1965 م , كان لقائي جدة و بالتحديد مؤتمر حرض بناء على مطالب مؤتمري عمران و خمر عامي 63 م / 1965 م بإعطاء الشعب اليمني استقلاله السياسي و عدم التدخل في شؤونه و اختياره الحكم الذي يرتضيه .. ومن ابرز الشخصيات للمؤتمرين ( ابو الاحرار الزبيري , القاضي الارياني , و الشيخ عبد الله الاحمر , النعمان, و عدد من القادة العسكريين من تنظيم الجيش السري , و اخرين ) و كذلك في مؤتمر حرض النهائي عام 1966 م الذي تم بحضور خمسين ممثلا من الجانب الجمهوري و الملكي و المنشقين و بحضور لجنة السلام المصرية السعودية ( محمد فريد سلامة ممثلا لعبد الناصر , السديري ممثلا لفيصل ) كما برز من الجانب الملكي احمد الشامي , الشيخ الغادر .. و بالنتيجة انسحب الجانب الملكي المتشدد في شروط الصلح و السلام , و بذلك فشل مؤتمر حرض , و اتجه الطرفان المتخاصمان الى الاعداد و الاستعداد للجولة الفاصلة , و تحديد مصير صنعاء اما للجمهورية و اما للملكية , و لكن صنعاء صمدت في حصار السبعين يوم المشهود .. اما في الجنوب ادى فشل الجهود لتوحيد الجبهتين في تعز عام 1965 م في منظمة واحدة حيث حاولت مصر استدعاء المعارضين الى القاهرة لإقناعهم بجدوى توحيد فصائل العمل الفدائية المسلحة ومنهم ( سيف الضالعي , طه مقبل , فيصل الشعبي , الشاعر , عبد الفتاح اسماعيل , علي البيض , علي ناصر محمد ) وهم يمثلوا الجناح التقدمي الماركسي في الجبهة القومية و الذين رفضوا العمل مع قيادة التحرير السلاطينية صاحبة الاتفاقيات المخزية مع المحتلين , ثم انهم ادانوا تصرف زملائهم الموقعين في تعز لتوحيد الجبهتين , و لم تفلح وساطة جورج حبش , و نايف حواتمة و محسن ابراهيم و غيرهم من حركة القوميين العرب , لذلك فشل تنسيق العمل الجبهوي في اغسطس في 1966 م بمصر و على اثر ذلك صدر اعلان انفصال الجبهة القومية في اكتوبر 1966 م عن حركة التحرير على لسان : عبد النبي مدرم , عبيد الشرعبي , محمد سعيد الحاج , صالح باقيس .. اتجهت الجبهة القومية الى الريف من عدن الى المهرة لتنظيم خلايا سرية مسلحة و تخزين الاسلحة و المتفجرات , و تحويل كافة عملياتها ضد الانجليز من(تعز اب البيضاء) إلى مثلث (عدن لحج ابين) ثم المكلا و شددت قبضتها على الريف في الجنوب المحتل , و امنت التمويل لأعضائها من السطو المسلح على البنوك و محلات الذهب و الاستيلاء على المال حيثما وجد لتغطية متطلبات اعضاءها , بينما استمرت التحرير تدير عملياتها من تعز و توسيع عملياتها الفدائية حول مستعمرة عدن , و تكثيف نشاطها الاعلامي عبر مكاتبها في صنعاء و القاهرة و لندن و نيويورك و عواصم عدية اخرى .. لقد سيطرت الجبهة القومية مع الناصريين و الحركيين على ست نقابات عام 65 م/ 1966 م في مواجهة ست نقابات للمؤتمر العمالي ( الاصنج ) و بدأت مرحلة الاغتيالات المتبادلة , اعلن عن وفاة ثلاثة من ابناء المكاوي بتفجير قنبلة في منزله في عدن و هو في تعز , ثم اغتيال علي القاضي رئيس المؤتمر العمالي , و كذلك اغتيال عبد الله السلفي نقابة عمال البنوك , ثم تفجير مقر مؤتمر عدن ... كانت البريقة معقل القومية و الشيخ و المنصورة و دار سعد مشتركة كما هو الحال في كريتر , المعلأ , التواهي قلب مستعمرة عدن وهي مناطق مختلطة بين الجبهتين التي دارت فيها معارك الايام السبعة الدموية بين التحرير و القومية و التي افضت الى رجحان كفة القومية المدعومة من مناطق الريف التي سبق لها السيطرة عليها و من المخابرات و الوحدات البريطانية المتعاطفة معها .. لقد بدأ العد التنازلي لحصار صنعاء من الملكيين , ثم لمغادرة القوات البريطانية لمعسكراتها في عدن المحررة .
يتبع الحلقة العاشرة