آراء وأقلام نُشر

بيئة الاستثمار‮.. ‬هل نحن في‮ ‬حاجة إلى قانون استثمار جديد‮ ‬

 

تُــعد مشكلة الاراضي وحيازتها وحماية ملكيتها المشكلة الاجتماعية والاقتصادية الأهم والاكثر تأثيراً بصورة سلبية على بيئة الاستثمار في اليمن، حيث تشير بعض الدراسات الى أن نزاعات الاراضي وملكيتها تعد من أهم الاسباب لانتشار العنف المسلح في اليمن؛ الفردي أو الأسري أو المجتمعي.بل إن التقديرات لعدد الذين يقتلون في نزاعات الاراضي والنزاعات الأخرى ذات الصلة بها في اليمن تقدر بحوالي أربعة آلاف (4000) شخص سنويا.في الوقت نفسه أصبحت ساحة المحاكم هي الملجأ الرئيسي لإثبات ملكية الاراضي والفصل في النزاعات المتعلقة بها، بحيث اصبحت قضاياها تشكل حوالي 50% من عدد القضايا في المحاكم الابتدائية .

ولذلك أصبحت اليمن معروفة وعلى نطاق واسع لدى المستثمرين العرب والأجانب بأن مشكلة الأراضي ونزاعاتها تشكل العائق الأهم الأكبر للاستثمارات الوطنية والاجنبية المباشرة، وبالذات في المجالات الانتاجية التي يمكن أن تساهم في تنويع مصادر الدخل القومي للبلاد.

في المقابل لم تتمكن الحكومات السابقة والجهات الرسمية من إيجاد حلول جذرية يتم بموجبها تخصيص أراضي الدولة للأغراض الاستثمارية، بل على العكس من ذلك ساهمت بعض الحلول في تفاقم المشكلة وتزايد النزاعات على الاراضي، وخاصة في المحافظات الأكثر جاذبية للاستثمارات مثل أمانة العاصمة صنعاء، تعز، عدن، الحديدة، المكلا. والمثال الأبرز لذلك قيام الدولة بتوزيع وتخصيص الكثير من الاراضي التي تمتلكها، بما في ذلك أراضي الوقف، للمشاريع الاستثمارية بهدف تشجيع وجذب الاستثمارات المباشرة المحلية والاجنبية، إلا أن اتباع الأساليب العشوائية قد ادى إلى نتائج عكسية كما سبق ذكره. 

وتنقسم ملكية الأراضي في اليمن إلى ثلاثة أنواع أساسية من الملكيات, الملكية الخاصة، وملكية الدولة، وأراضي الوقف. وتشكل الاراضي المملوكة ملكية خاصة الجزء الغالب في المحافظات الشمالية (حوالي 85%) وخاصة في منطقة الاراضي المرتفعة ومنطقة تهامة. في المقابل تشكل الاراضي المملوكة للدولة ما بين 2%-3% فقط من إجمالي الاراضي، واراضي الوقف ما بين 12%-13%من اجمالي الاراضي. كما ساهم الغاء التأميم وعودة ملكية الاراضي إلى مالكيها الاصليين بعد قيام الوحدة اليمنية في ارتفاع نسبة الأراضي التي يديرها مالكوها في المناطق الجنوبية إلى 75% من إجمالي الاراضي الزراعية .

وترجع الأسباب الرئيسية لهذه المشكلة إلى عدم وجود سجلات عامة تديرها وتنظيمها الدولة لتسجيل حقوق ملكية الاراضي وتداولها وعملية استخدامها وتأجيرها، حيث أن تسجيل حقوق الملكية الاراضي الخاصة يتم غالباً عند القضاة او الأمناء الشرعيين ثم يتم بعد ذلك تعميد وثائق الملكية في المحاكم.ولا يقتصر الأمر على الملكيات الخاصة وإنما يمتد الأمر إلى أراضي الدولة مثل أراضي الوقف التي لا يتوفر لها حتى الآن سجل دقيق وكامل.

كذلك عدم وجود قانون شامل ومتطور منظم لتسجيل ملكية الاراضي وحقوق هذه الملكية، حيث يعتبر قانون السجل العقاري الساري رقم 39 الصادر في عام 1991 غير كاف وغير شامل وغير مواكب للأوضاع والتطورات التي شهدها اليمن منذ ذلك التاريخ. ولذلك قامت الهيئة العامة للأراضي بإعداد ثلاثة مشاريع قوانين استنادا إلى دراسة أعدها البنك الدولي في عام 2006, وهي قانون السجل العقاري وقانون اراضي وعقارات الدولة، (وذلك بدلاً من قانون اراضي وعقارات الدولة الصادر في عام 1995), وقانون التخطيط العمراني, وذلك وفقا لقرار مجلس الوزراء رقم (13) لسنة 2007م .

وكانت الحكومات السابقة قد أقرت مشروع القانون الجديد للسجل العقاري وتم عرضه منذ سنوات عديدة على مجلس النواب وتمت مناقشة جزء كبير منه من قِبل المجلس لإقراره وفقا للإجراءات الدستورية، إلا أنه وحتى يومنا هذا لم يصدر هذا القانون، وكذلك الوضع نفسه بالنسبة لمشروع القانون الجديد لأراضي وعقارات الدولة. ويبرر البعض عدم صدور مثل هذه القوانين بسبب قوة ونفوذ كبار ملاك الاراضي والعقارات، وهم في الغالب من كبار المشايخ والسياسيين وغيرهم من افراد وجماعات النخب الاجتماعية والسياسية، الذين يستغلون نفوذهم الاجتماعي ومواقعهم للاستحواذ على الاراضي وموارد المياه وغيرها من الموارد الاقتصادية الاخرى، وبشكل غير قانوني وغير عادل. فمثل هذه النخب تقف بقوة أمام صدور هذه القوانين، وكذلك أمام تنفيذ تلك السياسات والإجراءات ذات العلاقة بالإدارة الرشيدة والنزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، مثل عمليات تطوير وتحديث القضاء التي تستهدف جعل اجراءات التقـاضي اكثر شفافية ونزاهة وحيادية واكثر قوة، خاصة وان هذه النخب تؤدي في الغالب دور المحكمين والوسطاء وفقاً للعادات والتقاليد العرفية السائدة في اليمن والامر الذي يرفع من مستوى ارباح ومصالح هذه النخب، كون المحكمين والوسطاء عادة ما يحصلون على مقابل (مالي أو عيني) لقاء خدماتهم التي يقدمونها بحسب العرف السائد في اليمن .

ويمكن قياس مدى سهولة تسجيل ملكية الأراضي والعقارات من خلال وضع اليمن في مؤشر تسجيل الملكية في تقارير بيئة الأعمال التي تصدرها مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، حيث يقيس هذا المؤشر مدى سهولة تأمين حقوق الملكية من خلال تتبع تسلسل الإجراءات الضرورية لنقل عقود الملكية من البائع إلى المشتري، من حيث عدد الإجراءات ومدتها وتكلفتها، وبالذات عقود ملكية الأراضي والعقارات. وتشير تقارير بيئة الأعمال إلى تقدم مرتبة اليمن في هذا المؤشر على المستوى العالمي، وذلك في المرتبة 55 عالميا، إذ تتطلب عملية تسجيل الملكية 6 إجراءات تأخذ من الوقت 19 يوماً، وتكلف 3.8% من قيمة الملكية، علما بأن قانون ضريبة الدخل الجديد رقم (17) الصادر في عام 2010 قد خفض ضريبة نقل ملكية الأراضي والعقارات من مستواها السابق (3% من قيمة العقار)إلى 1% من قيمة العقار في عمليات البيع التالية للتسجيل الأول، وتم كذلك تحديد السقف الأعلى للغرامات بــ20% من قيمة الضريبة على المبيعات العقارية مع عمل فترة سماح لمدة شهرين من تاريخ العقد. ووفقا لتقرير بيئة الأعمال 2013 لم تقم الجهة المعنية بأي إصلاحات ملموسة في هذا المؤشر خلال الفترة 2007-2012، وبالتالي ثبات درجة قياس مكوناته خلال الفترة نفسها.

بناءً على ما سبق فإن الخطوة الأولى تتمثل في تعزيز وتقوية سيادة القانون بما يساهم في تعزيز حقوق ملكية الأراضي وضمان حيازتها، إلى جانب توفير العناصر والمكونات الأخرى لبيئة الاستثمار في بلادنا، على اعتبار أن قانون الاستثمار لا يشكل إلا مكوناً واحداً من المكونات الأساسية الهامة لهذه البيئة.


 

مواضيع ذات صلة :